IMLebanon

الى أسامة الرحباني: وللحريّة الحمراء بابٌ… (بقلم رولا حداد)

hiba-tawaji

بقلم رولا حداد

عندما سمعت أغنية هبة طوجي لأسامة الرحباني “الربيع العربي” شعرت بأسى وحزن كبيرين.

لا يتعلّق الأمر بالحزن على وضع الربيع العربي الذي تتحدث عنه الأغنية، لا بل على العكس شعرت بحزن على التراث الرحباني، ليس من الناحية الفنية لأن الأغنية ممتازة من الناحية الفنية ولحنها أكثر من رائع ولا يحتاج الى شهادة من أحد. كما أن الفيديو كليب يشكل تحفة فنية وإن سوداوية مممزوجة بالكثير من الدماء التي تعكس طبيعة الثورات.

لكنّ التراث الرحباني كان مزيجاً من الألحان والنصوص والكلمات. وكلمات الرحابنة تؤرّخ من تاريخ لبنان الجميل. كانت نصوصهم مبنية على ثقافة واسعة ممزوجة ببساطة وسلاسة يسهلان وصولها الى الجميع، مثقفين وعامة الشعب.

ما الذي تغيّر مع أغنية “الربيع العربي”؟

الذي تغيّر أن نص الأغنية يدلّ على جهل كبير في التاريخ. لا يحتاج الأمر الى تبرير موقف أسامة الرحباني من الربيع العربي والثورات العربية بقوله الى الزميلة ريما صيرفي عبر إذاعة “صوت لبنان”: “إن هدف الربيع العربي تغيّر وأخذ منحى مختلف فشكل عبثية واضحة وخيبة أمل كبيرة طغت عليها المصالح الخاصة والطمع الغربي”. إن الضعف العاطفي المرتبط بالطائفية والعشائرية وتعدد الديانات واختلافها أدت الى فشل الربيع العربي. وإن الثورة التي نادى بها الرحابنة هي لمجتمع أفضل ولتحسين مستوى المعيشة ومن أجل الديمقراطية وليس من أجل ثورة حمراء تقتل باسم الاديان كما تقول كلمات الاغنية”.

لكّن التراث الرحباني لطالما كان يدعو الى الثورة، وهل نذكر بمسرحية صيف 840؟ أليست رائعة أغنية “لمعت أبواق الثورة وسكن الحقد المسافات والأعلام الدموية. قوّي قلبك وهجوم يا بتوصل على الموت يا بتوصل عالحريّة”! نعم هذا هو التراث الرحباني: الموت أو الحرية ولكن ألف لا للذلّ…

لذلك أنا أصرّ أن مع أسامة ثمة جهلا كبيرا في التاريخ، وتحديداً تاريخ الثورات في العالم، وهذا أمر لم نعتد عليه لدى الرحابنة.

دعوني أشرح: أسامة الرحباني يحكم في أغنيته بشكل أساسي على الثورة السورية بعد 3 سنوات فقط على انطلاقتها. ما أورده في الأغنية ينطبق على بعض ما يجري في الثورة السورية وخصوصاً عندما يتحدث عن الأبرياء الذين يسقطون وأنها تحوّلت الى ثورة تقتل باسم الأديان… ولكن مهلا، هل قرأ أسامة عن الثورة الفرنسية، ملهمة الثورات في العالم من أجل الحرية والتحرّر؟ هل قرأ أن ما يزيد عن 40 ألف مواطن سقطوا نتيجة الثورة الفرنسية فقط في عامي 1793 و1794؟ مع العلم أنه يومها لم يكن هناك سلاح كيماوي ولا سلاح كطيران أو براميل متفجرة أو غيرها من المتفجرات والأساليب التي يستعملها النظام السوري. إذا كان العدد ناهز الـ40 ألف ضحية بالأسلحة البدائية، تخيّلوا فقط لو أن الأسلحة الموجودة اليوم مع النظام السوري تم استعمالها ضد الثورة الفرنسية قبل 225 عاماً لكم كان بلغ عدد الضحايا!

وهل يعلم أسامة أن الثورة الفرنسية استمرت 10 سنوات متواصلة منذ العام 1789 وحتى العام 1799؟ وهل يعلم أن الثورة احتاجت حوالى 100 عام لتبدأ بتحقيق أهدافها؟ وهل يعلم أن الثورة قمعها نابليون الأول في العام 1799 حين أعاد تثبيت النظام الملكي قبل أن يتم خلعه لتقوم الجمهورية الثانية في العام 1848 لتعود الملكية من جديد في العام 1852 وتستمر لغاية العام 1870؟ رغم كل تلك الإخفاقات والتعثرات استمرت الثورة. لم تيأس. لم يستسلم الفرنسيون الذين عاش ومات منهم أجيال كاملة في الثورة وفي إخفاقاتها، لكنهم استمروا حتى حققوا مبادئ الثورة: حرية- مساواة- إخاء…

لعلّ أسوأ ما قاله أسامة في أغنيته هو أن “الشعوب اللي قررت مسارا حقّا تعيش بحرية

لكن الثورة يا خسارة ردتهم للعبودية”!

لا يا أسامة، الحرية لا تُعطى إنما تُؤخذ، والشعوب العربية وتحديداً الشعب السوري ثار على من كان يستعبده، ومن كان يطلب منه أن يقول إن بشار الأسد هو إلهه. الثورة لم تردّ أحداً الى العبودية. صحيح أنها لم تحقق أهدافها لأنها لا تزال فتية لدى شعب كان مستعبداً لعقود طويلة من أحد أكثر الأنظمة إجراماً عبر التاريخ، ولذلك هم يرفضون العودة الى العبودية ويصرّون على الموت في سبيل حريتهم المستحقة.

“داعش” الثورة السورية التي خلقها النظام السوري ورعاها تشبه كثير روبسبيار الثورة الفرنسية، وهي حتماً لن تدوم وستسقط كما سقط روبسبيار… أما الحرية فهي المسار الذي قرّره الشعب السوري وهو حتماً يستحقها وسينالها مهما عظمت تضحياته.

الشعب السوري اختار حريته، وليتعلم أسامة أن يردد مع أبو القاسم الشابي: “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد ان ينكسر”!

فليتذكر أسامة أن الثورة مسار وليس عصا سحرية. هل قرأ ما قاله أحمد شوقي يوماً: “وللحرية الحمراء بابٌ بكل يدٍ مضرّجة يُدقّ؟” هل باتت تهمة أن تكون الثورة “ثورة حمرا”؟

وحتى في لبنان، إحدى اجمل أغنيات المقاومة اللبنانية تقول: “حمرا ومكتوبة بالنار، بيضا ومرسومة عً حجار، الحرية مش خبز وخمر، هبّة ريح وليلة عمر ودرب تودّي صوب الغار”!

 

لمشاهدة فيديو كليب أغنية “الربيع العربي” لأسامة الرحباني وهبة طوجي إضغط هنا:

كلمات أغنية “الربيع العربي” لأسامة الرحباني وهبة طوجي:

عن أيا ربيع بغني عن أيا ربيع بقول

هالوجع الطالع مني صرخة من قلبي المشغول

عن أيا ربيع بغني عن أيا ربيع بقول

هالناس العم تسقط هني أبريا ومين المسؤول

حلمنا بربيع مزهر عطرو ينتشر عالناس

طلع الربيع محيّر زهّر دم ولاد وناس

بديت بعربيّة خضره ولعت ثورة بالميدان

عملوها ثورة حمرا بتقتل باسم الأديان

 

دول كبيرة دخلت فينا بمصالحها السياسية

طار النوم من ليالينا بحورتنا مش محمية

جابوهن من ضيع بعيدة هودي بربر المغول

بقلبن وحشة وعقيدة لا بتتجادل لا بتزول

هدير ثواتنا تنبّأ قالولن أنتو مقاتلين

الوطن العربي الكن خندق لا تفرقوا لون ولا دين

الشعوب اللي قررت مسارا حقا تعيش بحرية

لكن الثورة يا خسارة ردتهم للعبودية

 

سمّونا الربيع العربي زهّر خريف الفوضى

البرد خلّا الشعب العربي ما يحرر ثورة بيضا

خوفي على الشعب العربي غيرو يحررلو الثورة

ويبقى جاهل متل الصبي يحكم بصفوف الروضة