IMLebanon

سدّ جنة – نهر ابراهيم: بين السدود السياسية وسوء النية (ناهلة سلامة)

Jannat Nahr Ibrahim

السدود في لبنان تبدو كأبرز ادوات السياسة العامة المتوفرة للتعاطي مع ازدياد حدة الأزمة المائية وبالتأكيد من دون سياسة ادارة مياه واضحة، عدا عن الاضرار البيئية والإقتصادية الناجمة عن تلك المشاريع التي يمكن اعتبارها “ارتجالية”. في العام 2013، وبالانطلاق من هذه “الارتجالية عينها، أعلنت وزارة الطاقة في عهد جبران باسيل مشروع بناء 3 سدود في لبنان “جنة، بسري، بقعاتا المتن” بحجة أنّ “لبنان خسر هذه السنة ما لا يقل عن 210 ملايين متر مكعب من المياه والسبب يعود ان لا سد لدينا”. كما يعترف باسيل في بيانه أن مشروع سد “جنة” “امامه مخاطر عديدة ونعمل عليه لنتأكد فنياً من صلاحيته”. لكن مشروع سد جنة نهر ابراهيم تحول الى إرث “مفخخ” للوزير الحالي الذي أعطى الأوامر بالمضي في المشروع.

آلية التنفيذ قد بدأت بحسب إعلان وزارة الطاقة حديثاً، مع عدم تقديم دراسة جدوى خاصة بهذا المشروع معتمدين على دراسة من العام 2008 متجاهلين بذلك الدراسة البيئية المقدمة من BJR والنقاط التي اثارها وزير البيئة.
الحركة البيئية اللبنانية والتي تضم ما يفوق ال 60 جمعية بيئية قد أثارت جملة مسائل تتعلق بهذا المشروع، وكان لنا في هذا الاطار لقاء مع الأستاذ بول أبي راشد رئيس الحركة والذي يوضح عن رؤيته حول “عدم جدوى هذا المشروع من الناحية الإقتصادية، مع كلفة إنشاء تبلغ 700 مليون دولار، ومردود مادّي غير واعد، مع تسّرب مرتفع للمياه، إضافةً إلى كلفة ضخّ المياه نحو مقصدها الأخير،أي بيروت، بكلفة 200 مليون دولار، ما يعتبر هدراً للمال العام.” ولا ينسى ابي راشد مسألة جفاف نهر ابراهيم الذي يعني خسارة لبنان لمعْلمٍ سياحيٍّ مهمٍّ، يتمتّع به آلاف الزّوار سنويّاً، ويعتاش منه السكّان المحلّيّون أصحاب المشاريع الصّغيرة الخاصّة بالسّياحة البيئية والاستجمام.

ويضيف “أنّ الدراسات التي قام بها خبراء وعلماء جيولوجيين تفيد بأن طبيعة الأرض في لبنان هي كلسية ولا يمكنها جمع المياه كما يلزم. والحال ذاته في سد “جنة” الذي و بحسب التقرير الأوّل للمعهد الفيدرالي للعلوم الجيولوجيّة والثّروات الطبيعيّة الألماني الـBJR، استناداً إلى الدراسات التي قام بها بالتعاون مع مجلس الانماء والاعمار اللّبناني(CDR) (الجهّتان المكلّفتان بتنفيذ مشروع “حماية نبع جعيتا” المموّل من الحكومة الألمانيّة) سنة 2012، أنّ التّخطيط للسدّ (سدّ جنّة) لم يأخذ بعين الاعتبار عناصر جيولوجية وهيدروجيولوجية مهمّة وحسّاسة موجودة في الموقع المقترح لبناء هذا السّد أهمها الفوالق المتعدّدة الّتي لا تزال نشطة (active faults)، إتّجاه الطّبقات الجيولوجيّة المعاكسة لتدفّق المياه السطحيّة، الدّلمتة(dolomitization) الّتي تزيد من مسامية (porosity) الصّخر، وتفاوت سماكة البازلت(basalte) . إذاً ستهدر الأموال في مكان لن يؤدي الغرض الذي أنشا من أجله.

ويشدد أبي راشد على أن “الخطر الأكبر الذي يكمن في هذا الأمر أنه كلما حصرنا المياه في أماكن مرتفعة فإنّ ذلك يؤثر سلباً على مياه في الينابيع الطبيعية و الآبار الإرتوازية، وكما يظهر تقريرBJR فإنّ نسبة مياه “الجنة” التي تصب في مغارة جعيتا ستنخفض أيضاً. “وهنا نطالب وزارة الطاقة والمياه ان تثبت عكس ما جاء في هذا التقرير من خلال تقرير آخر وهذا أيضاً ما طالب به وزير البيئة محمد المشنوق، لأن قرار انشاء سد دون دراسة جدوى ودراسة عن البيئة والسلامة العامة هو مخالف للقانون. وما اعتمدوا عليه فقط هو تقرير صادر في العام 2008 لا يشمل الهزات الأرضية ولا تأثير هذا السد على مغارة جعيتا”.

ويذكّر ابي راشد بما صدر مؤخراً عن وزير البيئة محمد المشنوق في تقرير له يظهر فيه جملة نقاط يجدر التوقف عندها والأخذ بها أهمها: ضرورة القيام بدراسات جيولوجية وهيدرو جيولوجية وزلزالية، القيام بتحليل دقيق لبدائل المشروع خاصة لناحية تقنيات تخزين المياه وموقع السد، قياس ميزان الترسبات العام في حوض نهر ابراهيم. كما لا يجب الأخذ بدراسة تقييم الأثر البيئي المخصصة فقط لمشروع إنشاء سد جنة بل ضرورة تقييم أي مشروع اضافي لهذا السد كمحطة توليد الطاقة الكهرومائية أو تمديد شبكات لمياه الشفة أو مياه الري. “علينا اخذ الموضوع بمنتهى الجدية بعد تجارب سابقة مثل سد “بريصا” في الشمال”.

وتبدو قضية سد بريصا في الضنية مثالاً لا يجب الاحتذاء به بل تجنب تكراره بعدما تم تسليمه على عيوبه الى بلديات المنطقة ومياه لبنان الشمالي ليتبين أنّه لا يحصر سوى 10% من المياه التي من المفترض انه يقدر على تخزينها. والسبب في ذلك هو سوء التقدير المبني على عدم اجراء دراسات كافية حول التربة التي تتسرّب من خلالها المياه سريعاً إلى باطن الأرض. وهذا يعني ان كلفة السد التي قاربت عشرة ملايين دولار قد تسربت مع المياه الى باطن الأرض.

وبالعودة الى سد جنة، يعلّق أبي راشد ساخراً على مقولة أنّ هناك سوء تنسيق بين وزارة البيئة ووزارة الطاقة بالنسبة لسدّ جنة “الموضوع يتضمن سوء نية و ليس سوء تنسيق. ما نراه هو خروج عن القانون وعدم القيام بالإجراءات اللازمة مع تعريض المنطقة لمخاطر حياتية. مسألة المياه يمكن حلها من خلال بديل مناسب بيئياً واقتصادياً. الموضوع الأهم هو تراثي بيئي ونحن كبيئيين مهمتنا المراقبة في ظل غياب المعارضة في الدولة اللبنانية ونحن لا نرى معارضة إلا عند الإنتخابات وأطراف تعارض أخرى”.

أما عن البديل يوضح ابي راشد “هذه المشاريع متوفرة ومعروفة تماماً من الجميع، وهي أيضاً بكلفة وبمخاطر أقل بكثير. في الوقت الراهن، ليس من واجبنا أن نبحث عن هذه المشاريع لأنها من مهام الدولة غير اننا نعمل على جمع الدراسات و التقارير المتوفرة تمهيداً للمرحلة القادمة”. وقد أشار ابي راشد إلى دراسة طرحها الدكتور فتحي شاتيلا يشرح فيها أهمية إقامة سد في نهر الدامور والذي يجمع مياه 10 مرات اكثر من سد الجنة و كلفته أقل ب 10 مرات وأقرب لإمداد بيروت بالمياه”.
ولدى مراجعتنا الدراسة المذكورة تبين لنا أن الحل المطروح يرجع للعام 1996 وهو سدّ يقام على نهر الدامور يبعد 6 كيلومترات فقط عن مدينة بيروت حيث الأوضاع التخزينية هي مثالية وفريدة من نوعها، ويمكن في المرحلة الاولى تخزين وجر 97 الى 120 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة سد يعلو بين 100 الى 120 متراً فقط وبتكلفة قدرها 153 الى 250 مليون دولار أميركي وهو ما يعتبر أقل كلفة مقارنة بالحلول التي كانت مطروحة من قبل الوزارة. فقد بلغت اكلاف المنظومة المائية 1100 مليون دولار اميركي وترتكز على سدّي بسري وجنة وسرعان ما قررت الوزارة طي تنفيذ مشروع سد الدامور لتلبية مصالح قوى سياسية تابعة لأحزاب نافذة.

ويختم أبي راشد قائلاً: سلطات الرقابة بما فيها التفتيش المركزي، مدعوة لإعتبار المعلومات الواردة حول مشروع سد جنة – نهر ابراهيم بمثابة “إخبار” بالإضافة الى النيابات العامة التمييزيّة والماليّة مع ضرورة التحرّك الفوري. ومن جهة أخرى، على السلطات العامة ومنها وزارات الثقافة والزراعة والسياحة التّحرّك سريعاً من أجل المحافظة على هذاالمعلم التّاريخي والأثري المتمثل بنهر ابراهيم (وادي أدونيس). ويبقى على المواطن اللبناني أي يبدي حرصه على إرث عمره اكثر من 5000 سنة.