IMLebanon

لبنانيون في محنة “ايبولا”

ebolaaaaaa

 

كتبت ديانا سكيني في صحيفة “النهار”:

حرص السيد رضا جعفر في رحلة عودته من بيروت الى لاغوس على ان يحمل معه في الحقيبة أدوات طبيّة لقياس الحرارة، وأدوية ومعقمّات ستخصص للاستخدام الشخصي، وفي معمل أدوات تجميلٍ يملكه في نيجيريا حيث أُعلنت حال الطوارىء الوطنية لمكافحة فيروس “ايبولا” الذي قضى حتى الآن على حياة 1096 شخصاً في غرب أفريقيا، وفق منظمة الصحة العالمية.

يعيش جعفر في لاغوس منذ العام 1995، وهو أب لأربعة أولاد، صودف ازدياد وتيرة انتشار المرض مع وجودهم في لبنان لقضاء العطلة الصيفية، الا ان “المدرسة اللبنانية” حيث يدرسون لم تبلغ الأهالي بعد بموعد فتح أبوابها، وفق رضا الذي يقول لـ”النهار”: “نحن كبار نستطيع تدبر أمرنا والانتباه لاجراءات الوقاية، لكن الأمور مختلفة بالنسبة للأولاد، لذا انا مطمئن الى وجودهم حالياً في لبنان، وسننتظر لنرى ماذا سنفعل بالعام الدراسي”.

وينقل عن شقيقه ان السلطات النيجيرية طلبت من أصحاب المعامل قياس حرارة العمال يومياً، والزامهم بالاغتسال قبل الدخول الى المعمل.

الأخبار المرعبة

فادي ك. اختار البقاء في لبنان الى جانب زوجته الحامل وعدم العودة الى ليبيريا حيث يعمل في مجال البناء في مهنة ورثها عن ابه وجده. تلقى فادي رسالة من السفارة اللبنانية في منروفيا تتضمن شرحاً عن المرض والاجراءات المطلوب اتخاذها للوقاية، وابرزها عدم التواجد في الاماكن المكتظة وتجنب السلام بالايدي والحرص على التعقيم الدائم. يقول فادي لـ”النهار” ان “الوضع خطر جداً وهناك أخبار مقلقة نسمعها من معارفنا اللبنانيين، ونتمنى الا تكون صحيحة، منها الاشتباه بالمرض لدى لبنانيين، وهذا الامر دفعني للبقاء في لبنان الى ان ينتهي اعلان حال الطوارىء الصحية”.

وتجد دواعي قلق فادي أسباباً قوية مع إعلان منسقة منظمة “أطباء بلا حدود” في ليبيريا لينديس هورومان ان النظام الصحي في منروفيا انهار وان موارد المنظمة الطبية استنزفت في البلد الذي شهد إعلان حال طوارىء وتحركات احتجاجية لحث السلطات على التحرك لجمع جثث من قضوا بالمرض في الاقاليم النائية حيث بقيت الجثث في الطرق لأيام. أخبار كهذه، وآخرها موت الراهب الإسباني ميغال باخاريس مصاباً بـ “إيبولا” في ليبيريا تدفع فادي للتفكير ألف مرة قبل اتخاذ قرار العودة الى هناك.

العودة الاضطرارية

وفي الواقع، باستطاعة فادي البقاء في لبنان لأن هناك من سيتابع ادارة عمله بدلاً منه، لكن حاله ليست حال الجميع، فهناك من لا يستطيع ترك عمله لمدة طويلة، كما ان خيار العودة الى بلد يتفشى فيه وباء خطير بدا لصيقاً بتقييم الاشخاص لمستوى خطورة الوضع واستعدادهم للمجازفة او اضطرارهم للتواجد في مكان خطر. فربيع صفا قرر العودة الى لاغوس بعد ان قصد لبنان لقضاء الاجازة الصيفية، واذا بأخبار اتساع رقعة انتشار المرض وتحذيرات “منظمة الصحة العالمية” اليومية تجعلان طريق العودة الى لاغوس مليئة بالأسئلة.

مضى على وجود ربيع في نيجيريا نحو 15 سنة، وهو يعمل في مجال الصناعة الغذائية. يشعر الرجل ان في عودته مخاطرة، لكن لا مفرّ من الامر لمتابعة العمل وتفقد العمال. زوجته ستبقى في لبنان، ككثير من زوجات وأولاد أصدقاء ربيع الذين يتواجدون في بيروت منذ أسابيع لتمضية إجازة صيفية طالت وقد تطول وتقترب من الخريف والشتاء، مع قيام العائلات بتسجيل أولادهم في مدارس لبنان خوفاً من ضياع العام الدراسي.

يخبرنا ربيع ان “المدرسة الاميركية” في لاغوس أرسلت الى الأهالي تخبرهم في 6 آب الماضي عن تأجيل موعد إنطلاق العام الدراسي الى 25 آب، وأتى القرار نتيجة متابعة لمعطيات السفارة الاميركية وتقارير تقييمية للوضع العام لانتشار المرض. ولا شيء يؤكد ان التأجيل لن يعقبه تأجيل آخر.

وفرضت الدولة النيجيرية اجراءات جديدة لمكافحة انتشار المرض في أماكن العمل، ومنها ارسال فريق تفتيش الى المعامل والمصانع لأخذ حرارة الموظفين والعمال، والتأكد من شروط التعقيم والنظافة، وفق ربيع الذي سيطبق إجراءت ذاتية للوقاية لدى وصوله الى لاغوس، كتجنب السلام بالأيدي والتواجد في الاماكن المكتظة والانتباه قدر المستطاع.

وقد أكّد وزير الصحة النيجيري أونيبوشي شوكو مطلع هذا الاسبوع إصابة عشرة أشخاص بالفيروس في لاغوس، وسجلت حالتا وفاة في العاصمة، أحدهما باتريك سواير الذي يحمل الجنسيتين الليبيرية والاميركية، وقد نقل العدوى من ليبيريا، وتوفيت الممرضة النيجيرية التي عالجته من دون وقاية.

حجوزات كبيرة

يعمل عماد حمودي في مكتب “طيران الشرق الاوسط”في لاغوس منذ 28 سنة، وينقل لـ”النهار” ملاحظته بأن الحجوزات من لاغوس الى بيروت كبيرة جداً مقارنة بالوقت عينه في السنة الفائتة، حيث كانت الحجوزات أكبر في الاتجاه المعاكس، مع موعد إنتهاء العطلة الصيفية.

ويشير حمودي الى ان هناك اعداداً كبيرة من اللبنانيين لا يجدون حجوزات على متن “طيران الشرق الاوسط”، فيسافرون عبر “الخطوط الجوية المصرية”.

عماد مضطر للعودة بحكم عمله، اما عائلته فباقية في لبنان، ويتحدث عن نادرة استفادة اللبنانيين من الكوارث دائماً، فقد سارع تجار لبنانيون الى ارسال شحنات من مواد التعقيم والمطهرات الى الدول الافريقية التي تفشى فيها الوباء.

وفي قصة لبنانية أخرى، تقول ميسا صفي الدين التي تزوجت منذ فترة قصيرة وانتقلت للاقامة مع زوجها في لاغوس، ان السفارة البريطانية أرسلت تخبر زوجها الذي يحمل الجنسية البريطانية ان “الامور ليست سيئة كثيراً”، لكن الثنائي قرر ان تبقى ميسا في لبنان الى ان تنتهي حالة الطوارىء، فتلتحق بزوجها الذي يملك شركة يعمل فيها عدد من اللبنانيين والاجانب. ولم يؤثر انتشار الوباء الخطير على قناعة ميسا بان الحياة في لاغوس افضل من بيروت التي “لا تعرف الاستقرار”، كما تقول.

“سيدة النجاة”

ويوضح رئيس الجالية اللبنانية في ليبيريا عزت عيد لـ”النهار” ان هناك 120 تلميذاً لبنانياً موجودون حالياً في بيروت مع عائلاتهم الآتية من منروفيا، سيلتحقون بفرعي مدرسة “سيدة النجاة” في الدامور وكفرشيما، وهؤلاء كانوا يدرسون في فرع المدرسة بليبيريا. ويرى عيد انه “حلٌ موقت لكي لا يضيع العام الدراسي على الطلاب، فبعد زوال حال الطوارىء وفتح المدارس أبوابها سيلتحق الأولاد بمدرستهم الأم”.

وفي رأي عيد، ان هناك تهويلاً حول انتشار “ايبولا”، ويقول: “أتيت منذ أيام من هناك والحياة شبه طبيعية في العاصمة، وهناك اجراءات مطبقة للوقاية وارشادات في كل مكان “. ويتحدث عن مساعٍ لافتتاح جناح خاص في مستشفى لاستقبال اللبنانيين الذين قد يعانون من عوارض المرض.

من جهته، يقول رئيس الجالية اللبناية في سيراليون سمير حسنية لـ”النهار” ان الوضع في العاصمة سيراليون ليس خطراً، وانما في مقاطعتي “كايلاهون” وفي “كينيما” حيث تم اقفال الطرق ومنع الذهاب اليهما. ويذكر حسنية ان نحو 150 لبنانياً يتواجدون في المقاطعة الثانية.

وشكل اللبنانيون في هذا البلد الذي أعلنت فيه “حالة الطوارىء الصحية” لثلاثة أشهر، لجنة لمواجهة الازمة، ويؤكد حسنية عدم وجود لبنانيين مصابين بالمرض في سيراليون، لكنه يتحدث عن “شائعات كثيرة ابطالها لبنانيون يقومون بارسال اخبار غير صحيحة على “واتساب” عن اصابات وحالات مشتبه فيها”.

رغم “طبيعية” الوضع الذي يتحدث عنه حسنية، الا انه يخبرنا عن حواجز فحص طبي استُحدثت في الشوارع لأخذ حرارة العابرين، ويقول ان الدولة اقفلت دور السينما والمسارح والمقاهي والملاهي والاماكن التي تشهد اكتظاظا من الرواد، تفادياً لانتشار المرض.

ويتهم حسنية الدولة اللبنانية بالتقصير في العناية برعاياها في الخارج “لا أحد يسأل عنا”. ويقول ان “السفير اللبناني في سيراليون نضال يحيي ترك البلاد منذ 3 اسابيع من دون ان يكون هناك بديل له، وهناك موظفة تعطي الآن التأشيرات”.

ويتهم قنصل غينيا في لبنان ورئيس الجالية علي سعادة الدولة اللبنانية باهمال ابنائها، فـ”نحن نقوم بمبادرات فردية لجمع أدوية وأدوات طبية للبقاء على الجهوزية لمساعدة ابناء الجالية لكننا لا نلمس الاهتمام اللازم من الوزارات المعنية في لبنان”. ويقول لـ”النهار” انه “يجب عدم التهويل، فهناك تفاؤل بامكان السيطرة التامة على الوضع خلال اسابيع، لاسيّما مع الاحتياطات المتخذة من الدولة بمساعدة الجهات الدولية وابرزها منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، واجراء التنسيق بين غينيا وسيراليون وليبيريا باقفال الحدود”.

طبيب في خلية الأزمة

وتحدثت “النهار” الى محمد عواضة، الطبيب اللبناني في المستشفى الوطني في غينيا، وهو عضو في لجنة الطوارىء الحكومية المعنية بتقييم وضع انتشار المرض على مدار الساعة.

يقول عواضة ان “الوضع تحت السيطرة وما سيساهم في وضع حد للمرض في غضون اسابيع هو وصول المساعدات الدولية التي كنا ننتظرها لتمكين القرى خصوصاً من توفير سبل الوقاية من المرض، وعلاج الحالات المصابة”. وفي تقديره، ان “نسبة شفاء الحالات المصابة هي من 25% الى 60%، وهناك رهان على رفع هذه النسبة في المرحلة المقبلة مع تمكين المستشفيات والطواقم الطبية”.

أبو فاعور

ويقرّ الطبيب بالنقص الكبير في الادوية والمعدات لعلاج المرض والوقاية منه، وهو الامر الذي جعل المبادرات الفردية متقدمة، فقام رجال اعمال بينهم لبنانيون بتمويل أجنحة في المستشفيات وبتخزين الادوية، لكن هذا الامر لا يمنع من السؤال عن مبادرة الحكومة اللبنانية لمساعدة رعاياها. وبالفعل سمعنا عدداً من أفراد الجاليات اللبنانية يطلبون من وزارة الصحة إرسال أدوية ومقويّات ومعدات طبية وعدوا بها وتأخر وصولها.

ويقول وزير الصحة وائل ابو فاعور لـ”النهار” ان “شحنة المساعدات لا زالت في طور التحضير وسترسل قريباً”، مضيفاً: “طلبنا من السفارات والقنصليات في الدول التي ينتشر فيها المرض ابلاغنا لدى الاشتباه بحالة اي لبناني مصاب لنقوم بمساعدته، كما اتخذنا الاجراءات اللازمة في المطار للحرص على الا يدخل شخص مصاب آتٍ من تلك الدول الى الاراضي اللبنانية”.

عملية إجلاء صامتة

ويوضح مدير عام المغتربين اللبنانيين هيثم جمعة لـ”النهار” ان “هناك حالة إجلاء صامتة تجري لرعايانا من تلك الدول، فهناك الآلاف منهم موجودون الآن في لبنان بحكم العطلة الصيفية، وهؤلاء لن يغادروا قبل شهرين او ثلاثة”. ويشير الى”اننا نعالج الموضوع بكثير من الدقة، وقد شكلت لجان الطوارىء، وتقوم السفارات بتسهيل المعاملات للمغادرين الى بيروت بطلب من ابناء الجالية”، نافياً تبلغ الوزارة بوجود إصابات بين اللبنانيين.

في المحصلة، بدّل “ايبولا” حياة آلاف اللبنانيين الذين سيبقون في بلدهم بانتظار انتهاء الكارثة الانسانية التي خلفها انتشار المرض، فيعودون الى بلاد الاغتراب ليلاقوا أحباءهم الذين قرروا المجازفة والبقاء في أرض موبوءة لمتابعة أعمالهم. وتبقى العبرة في ضرورة عدم حصر السلطات اللبنانية جهودها للوقاية من الوباء على الاراضي اللبنانية، ومنح الاهتمام المطلوب والملّح للبنانيين الذين يعيشون في بلدان تشهد أنظمتها الصحية انهيارات في حربها ضد “ايبولا”.