IMLebanon

عن خطاب ذكرى الشهداء وبرنامج المرحلة الآتية (بقلم طوني أبي نجم)

samir-geagea

 

ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية” تختلط فيها الاحتفالية بالمشاعر والسياسة وتجديد الالتزام. وإذا كانت الذكرى مهيبة كل سنة ومجرّد إقامتها تأكيد على أن المقاومين لا يقبلون بأن يموت لهم الشهيد مرتين مرة بالاستشهاد ومرة بالنسيان، وإذا كانت “الخطئية الكبرى هي أن ننسى” كما قال كبيرنا الراحل شارل مالك، فإن ذكرى هذه السنة تميّزت بأكثر من عبرة في الشكل والمضمون.

في الشكل حضور سياسي لافت يؤكد على أن كل القوى السيادية متوحدة حول سمير جعجع، ليس كمرشح لرئاسة الجمهورية وحسب، بل والأهم كقائد مقاومة بدأ كثر يحسبون حسابات الحاجة إليها من جديد.

أما في مضمون كلمة “الحكيم” فنقاط عدة يجب التوقف عندها:

ـ أولا، نجح سمير جعجع في أن يجعل الخطاب القواتي خطاباً مستساغاً على الصعيد الوطني، الإسلامي كما المسيحي على حد سواء، لا بل إن قسماً كبيراً من المسلمين باتوا يجدون في سمير جعجع و”القوات اللبنانية” ضمانة في مواجهة كل ما يمكن أن يحصل.

ـ ونجح “الحكيم” أيضا في التأكيد على أن كل ظاهرة “داعش” لن تنسينا أن من أوجدها هو النظام السوري عملياً ليقول إن ثمة من هو أسوأ منه، ولن تنسينا أيضاً الدواعش اللبنانية مثل “حزب الله” الذي يصرّ على تجاوز الدولة اللبنانية ومؤسساتها وحدودها، ويفخر بأن يأتمر بأوامر إيرانية على حساب المصالح اللبنانية.

ـ أما في موضوع “داعش” فأظهر سمير جعجع صلابة طمأنت الجميع بأن من واجه كل الدواعش وتغلّب عليها لن تقوى عليه “داعش” متخلفة.

وفي هذا الإطار كان جعجع واضح الرهان على الدولة اللبنانية وأجهزتها ومؤسساتها بالدرجة الأولى، كما كان شديد الوضوح، وربما لأول مرة بهذا الوضوح، بالتأكيد أنه “إذا دعا داعٍ أو داعش فنحن للمقاومة جاهزون ولن نموت إلا واقفين”.

كلام جعجع جاء بوضوح تراتبي لا لبس فيه حتى لا يحرّفه أحد. فهو مع الدولة أولاً كخيار لا عودة عنه. لا بل هو أكد أن كل ما فعلته “القوات اللبنانية” في الماضي إنما كان لقيام الدولة وليس لأي شيء آخر. ولكن في حال سقطت الدولة فإنه عندها لا استسلام بل اللجوء الى خيار المقاومة اللبنانية مجدداً.

هذا الخيار “المقاوماتي” الذي أعلنه جعجع في ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية” يأتي بمرتبة القسم على الإنجيل في المفهوم المسيحي بأنه حين تدعو الحاجة لن تتردد “القوات اللبنانية” في حماية المسيحيين، كما جميع اللبنانيين هذه المرّة، وخصوصاً أن الكثيرين يعوّلون عليها هذه المرّة لتضمّ تحت جناحيها كمقاومة جميع السياديين من دون استثناء.

وهذا الخيار الذي يأتي ليطمئن الخائفين والقلقين، وحتى من يراهنون على “حزب الله” لحمايتهم بسبب تخاذلهم وتاريخهم الجبان بأن “القوات اللبنانية” كمقاومة تشكل الضمانة لإعادة انتشال الدولة في حال سقطت لا سمح الله، وأن الضمانة لن تكون بالتأكيد “حزب الله”!

إن الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة تتطلب برنامج عمل على صعيد كل القوى السيادية، لمواكبة هذا الخطاب العملاني، من خلال وضع خطة على أعلى المستويات لمواجهة كل التحديات المحتملة، وعدم البقاء في موقع المتفرّج في انتظار الفرج.

إن المطلوب اليوم قيام “جبهة لبنانية” جديدة، إنما لبنانية بكل ما للكلمة من معنى لتضمّ في صفوفها مختلف الأطياف الوطنية، وتكون رجالاتها على صورة رجالات “الجبهة اللبنانية” القديمة فتضع مصلحة لبنان فوق كل المصالح الخاصة وتفعل كل ما يلزم لئلا يقع لبنان ضحية أيّ من الدواعش على أنواعها.