IMLebanon

عن اغتيال رنيه معوّض بعد 25 عاماً (بقلم رولا حداد)

reneh-mouawad-2

ليس مبالغة القول إن وثيقة الوفاق الوطني، أو ما يُعرف بوثيقة “الطائف” تم دفنها لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رنيه معوّض في عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1989.

فمن تابع مجريات الأمور في تلك المرحلة، أو من قرأ عنها بتمعّن، يدرك أن اتفاق الطائف الذي وافق عليه النواب اللبنانيون في المملكة العربية السعودية في تشرين الأول 1989 وأقرّوه كجزء من الدستور اللبناني في 5 تشرين الثاني 1989 ليس نفسه الاتفاق الذي بوشر بتنفيذه بعد عام كامل اعتباراً من 13 تشرين الأول.

فاتفاق الطائف بنسخته الحقيقية في الـ1989 بني على معادلات واضحة، وأهمها المشاركة الفاعلة للنواب المسيحيين، وأبرزهم رئيس حزب الكتائب الراحل جورج سعادة وإدمون رزق ورنيه معوّض وبمتابعة مباشرة من رئيس مجلس النواب آنذاك حسين الحسيني. والاتفاق الشهير الذي حظي بمباركة عربية واسعة من اللجنة الثلاثية الشهيرة وبمباركة دولية عريضة، لم يكن يمكن تنفيذه بالطريقة التي شهدها لبنان قبل عام كامل شهد تحوّلات كبرى داخلياً وإقليمياً ودولياً.

داخلياً تم اغتيال أول رئيس لوثيقة الوفاق الوطني الشهيد رنيه معوّض، والذي كان اسمه على رأس القائمة الخماسية التي سلّمتها بكركي الى الموفد الأميركي ريتشارد مورفي. فمع رنيه معوّض لا كان اجتياح قصر بعبدا ممكناً، ولا اعتقال سمير جعجع ولا الاستباحة السورية الكاملة للدولة اللبنانية بما فيها الامتناع عن الانسحاب العسكري الذي كان “الطائف” أقرّ أولى فصوله في أيلول 1992… ولا أيضاً وأيضاً الانتخابات النيابية المهزلة في صيف 1992 والتي قاطعها 87% من اللبنانيين.

داخلياً أيضاً انهكت المناطق الشرقية في حرب ضروس أجهزت على مكامن القوة المسيحية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وديمغرافياً. فلو سلّم عون قصر بعبدا الى الرئيس رنيه معوّض لكانت حرب الإلغاء مستحيلة، ولكان مستحيلاً بقاء أي سلاح خارج إطار الشرعية. فمع “قوات لبنانية” قوية عسكرياً قبل حرب الإلغاء كان من المستحيل عدم حلّ كل الميليشيات من دون استثناء، لبنانية وفلسطينية. وكانت أي حكومة تضم أركان المسيحيين يومها جعجع وعون وداني شمعون وجورج سعادة مع رنيه معوّض في قصر بعبدا كان من المستحيل عدم تنفيذ بنود “الطائف” بشكل متكامل ومتوازن.

إقليميا ودولياً، احتلّ الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين دولة الكويت في كانون الثاني 1990 ما قلب المعادلات، وسمح بإنشاء أكبر تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت، وسمح للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بالدخول في بازار المشاركة الرمزية في حرب الخليج الثانية مقابل إطلاق يده في لبنان.

هكذا، وفي أشهر قليلة تبدّلت الصورة، ليحلّ “الطائف” السوري مكان “الطائف” العربي، وليدفع المسيحيون في لبنان الثمن غالياً مرتين: مرة باغتيال النظام السوري بشكل مباشر لحلم المصالحة والدولة القوية على النموذج الشهابي مع رنيه معوّض، ومرة ثانية بالتدمير السوري للمعاقل المسيحية الحرة بعد استنزافها وإنهاكها عبر حروب الداخلية.

لم يستمع مرّة الجنرال عون الى خطابَي رنيه معوّض الشهيرين: خطاب القسم يوم انتخابه في مطار القليعات وخطاب الاستقلال عشية استشهاده. لم يسمع نداء المصالحة الذي وجهه معوّض الى الجميع “وحتى الى الذين يصرون على استثناء أنفسهم منها”. لم يستمع الى الثوابت السيادية لابن المدرسة الشهابية في إصراره على بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على آخر بقعة من الأرض اللبنانية، مصرّاً على جمع آخر قطعة سلاح خارج إطار القوى اللبنانية الشرعية.

في 22 تشرين الثاني 1989 اغتيل اتفاق الطائف باغتيال الرئيس رنيه معوّض الذي دفع 3 أثمان: أولاً ثمن كونه رئيس الاستقلال والسيادة والمصالحة الوطنية الرافض لأي مساومة، ثانياً ثمن تمسك العماد ميشال عون بالسلطة بشكل لم يعرف المسيحيون مثيلاً له في تاريخهم القديم والحديث، وثالثاً ثمن الحلم السوري المزمن بالسيطرة على لبنان.

اليوم وبعد 25 سنة، تبدو الصورة قاتمة كما كانت في خريف الـ1989… وحده رئيس جديد يشبه رنيه معوّض كفيل بتغيير الصورة. فهل ننجح أم يستمرّ المسيحيون بدفع أثمان السبق الى السلطة؟!