IMLebanon

حوار مذاهب…

hezeb-alla-future

 

كتب أيمن جزيني

 

فجأة صارت القوى السياسية اللبنانية محبة للحوار وراغبة به. أصبحت تسعى في مناكبه آناء الليل وأطراف النهار. العنوان الفضفاض هو “الحوار”، لكن على ماذا؟ أحد إلى الآن لم يتنكب عناء الإجابة. والأرجح أن الجواب قد نجده في عواصم إقليمية، فيما القوى السياسية عندنا غارقة في التبجيل والتمجيد، علماً أنها هي عينها من استثار العصبيات بكليشيهات مذهبية بعناوين “وطنية” لتحشيد أنصارها.

الأرجح أن موقف كلٍّ من “تيار المستقبل” أو “القوات اللبنانية” مفهوم في الاستجابة لدعوات الحوار، لكن ما يبقى عصياً على إدراجه في خانة الانسجام مع “ثورة الأرز” هو التهافت على الحوارات الثنائية، مرة “حزب الله” المسلح، وأخرى مع “التيار الوطني الحر” المفوه بثقافة “المقاومة” وهواجس الأقليات.

ومن العصي على الفهم أيضاً، هو ذهاب كل قوة من القوى الآذارية الى حوارات ثنائية. وهذا أول ما يعني الاستجابة لمساعي “حزب الله” الحثيثة لاستدراج الجميع إلى مربعه، خصوصاً عند القبول بحوارات من “طبيعة مذهبية”، ما يعني سقوط المشروع الوطني العابر للطوائف.

النزاع المذهبي موجود، لكن السؤال الملح هو: من أوجده؟ ومن ذهب بعيداً في تخويف الطائفة الشعية من “ثورة الأرز” والإيحاء لها بأنها ستجلس في الصفوف الخلفية للطوائف اللبنانية؟ ومن أرعب المسيحيين وحرك فيهم الشعور الأقلوي ليلتحقوا بتحالفات مع أقليات أخرى وبداية مع النظام السوري؟

الاعتراف بخطورة النزاع المذهبي لا تتم معالجته بين ممثلي مذاهب. والقبول بهذا الحال يعني خسارة صافية لـ”تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، وربحا كلياً لـ”حزب الله” و”التيار العوني”، لأن القوتين الأخيرتين جهدتا منذ اللحظة الأولى لـ”14 آذار” إلى ابعاد اغتيال الرئيس الحريري وسائر الشهداء من سياسيين وقادة رأي وصحافيين عن الشأن الوطني.

النزاع، وليس التباين، بين “تيار المستقبل” وبين “حزب الله” قام على خيارات متصلة بفهم فكرة الدولة وكيفية بنائها. والاعتراف بالانقسام المسيحي الذي يضعف المسيحيين ودورهم، لا يُوجب حواراً إضطرارياً بين “الحكيم” و”الجنرال” فقط، لأن ذلك يعني الإمساك بثنائية الزعامة، بينما الخلاف بين هذين المكونين المسيحيين نهض أيضاً على الخيارات السياسية الكبرى، ولا يُفترض بحال من الأحوال أن يكون نزاعاً على الأحجام.

هناك أوان مستطرقة بين الرابية ومعراب. عون قلق على الأقليات التي يزخر بها الشرق. وقلق جعجع يصب أيضاً في السياق عينه. وكل منهما يترجم قلقه بموقف يختلف عن موقف الآخر قليلاً أو كثيراً. لكن لنذهب أبعد من الإثنين: هناك أصوات عالية تطالب بحماية الأقليات في الشرق. وحماية الأقليات في المنطقة تتم، بحسب هؤلاء، من خلال حماية النظام السوري. فهو نظام أقلوي يتحالف، أو يهادن، توخيا للدقة، أقليات أخرى.

في لبنان المثال عينه: “التيار الوطني الحر” يحالف “حزب الله” في مواجهة “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، بذريعة أن التيار الأزرق يمثل السنّية السياسية في لبنان وفي العالم العربي على وجه العموم. منطق “التيار” والحزب الخميني النشأة يفيد بأن الطائفة السنية هي طائفة الأكثرية في المنطقة وأن تحكّمها بمصير البلد سيُجلس الأقليات كلها في الخلف، وسيحول دون تمكينها من صياغة أدوارها في مجتمعاتها. لذلك فإن مستقبل شيعة ومسيحيي لبنان يتحدد بناء على هذه المعركة. فإما تهزم الطائفتان بحر الأمة السنّي في لبنان، ويبقى المسيحيون والشيعة والأقليات الأخرى متحكمين بالسلطة والحكم، وإما تنتصر طائفة الأمة وتجثم على الجميع.

فعن أي حوار نتحدّث؟