IMLebanon

نبكي لبنان في وداع ريمون جبارة (بقلم رولا حداد)

Raimond-jebara

كتبت رولا حداد

 

…ورحل ريمون جبارة. بهدوئه وتواضعه المعهودين رحل، لكن رحيله كان مدوّياً.

لم يكن ريمون جبارة فنّاناً عادياً ولا ممثلاً عادياً ولا مخرجاً عادياً ولا أستاذاً جامعياً عادياً ولا كاتباً عادياً. كان عملاقاً في الفن والمسرح والإخراج والتعليم والكتابة في آن واحد.

في كل جيوش العالم ثمة جندي لا يقاتل، مهمته تنحصر في حمل علم بلده في المعارك التي يخوضها ليرفعه علامة الانتصار. وكم يشبه ريمون جبارة هذا الجندي حاملاً راية بلده علم لبنان طوال أكثر من نصف قرن من الإنجازات والإبداعات الفنية، وخصوصا على خشبة المسرح التي أحبّها حتى الإدمان ولم ينقطع عنها حتى حين أصابه المرض فبقي بما تيسّر له من جسده يبدع ليبقي الراية مرفوعة.

لستُ في وارد الإشادة بأعمال ريمون جبارة الفنية والمسرحية، فهو من كان يحق له توزيع الشهادات، سواء على تلاميذه أم على الموجودين على الساحة الفنية. هو الذي وصف يوماً البرامج التلفزيونية الموجودة بأنها “برامج أراكيل” ليس أكثر!

ريمون جبارة هو آخر الكبار الراحلين الذين كان الفن بالنسبة إليهم والعمل المسرحي رسالة حقيقية تسمو على كل الاعتبارات المادية. فلم يغرّه المال ولا الجاه ولا السلطة. وحمل من التواضع ما يكفيه ليعتبر أن تجربته كرئيس لمجلس إدارة تلفزيون لبنان كانت فاشلة لأن أحداً من المسؤولين لم يتعاون معه.

والحديث عن الراحل الكبير لا بدّ أن يتمحور حول التزامه الوطني في كل أعماله وفي كتاباته التي خصّ بها جريدة “النهار”. كان لاذعاً في نقده الى درجة أن البعض كانوا يخافون أن يقرأوا ما يكتبه ريمون جبارة!

هو من قال في 15 تشرين الثاني 2014 “صار عندكن مجلس نواب أزلي وأثري أيضاً يمكن أن تضيفوه الى أمكنة لبنان العظيم والغني بآثاره، من جبيل إلى مغارة جعيتا وبعلبك وصيدا وطرابلس وبزيزا وصور”.

وهو من كتب في رسالة عتاب الى الله في 30 تشرين الثاني 2013 “لقد زركتنا يا ربّي، ونحن شعب لا يستحق كل هذا القصاص. سمّتك الكتب المقدسة ربّ المحبة. “عفوك” يا الله: فمحبة كهذه المحبة، لم نعد نشعر بها بعد تأسيسك حزباً يحمل اسمك، تاركاً إياه يفلت علينا. في المناسبة، أفهم لماذا خلقت البشر بأرجل لها أصابع، إنما هل كان ضرورياً وملحّاً خلقهم مع أصابع لليدين؟ فإذا كانت أصابع الأرجل ضرورية لتوازن الجسد البشري، فإن الأصابع في اليدين ما استعملت عند البشر بين اللبنانيين (تبعك) إلاّ لتخويف إخوانهم في الوطن.”

هكذا كان حاسماً في وطنيته ويكره اللون الرمادي، فالتزم قضايا الوطن وأعلى شأنها كما أعلن شأن المسرح الذي عشقه حتى الإدمان. أعماله وإنجازاته أكثر من أن تُحصى، والأبرز أنه أوجد مدرسة فنية- ثقافية- مسرحية كل ما نأمله أن تجد من يتابع فيها تثمير الإرث الذي تركه ريمون جبارة للأجيال الصاعدة، علّ وعسى أن يخرج من بعده من يحمل الراية مجدداً للحفاظ على المسرح الملتزم قضايا الوطن عوض أن يكون مسرحاً مبتذلاً على طريقة الوجبات الجاهزة سعياً وراء ربح بأي ثمن.