IMLebanon

هلع فنزويلا من انخفاض الأسعار أم من إدارة النفط ؟

VenezuelaMoney
أندريس ستشيباني

عندما قذفت أم محبطة حبة منجة على الرئيس نيكولاس مادورو في نيسان (أبريل)، أصابته في رأسه، لم يكن بإمكانها أبدا أن تتوقع نتيجة عملها: وعد الرئيس الفنزويلي مهاجمته التي بلا مأوى، بالحصول على شقة جديدة.

البعض الآخر لم يكونوا بهذا الحظ. لوليمار جيليس وعائلتها فقدوا منزلهم في عام 2010 عندما دمر انهيار طيني بلدة الأكواخ، وأجبرهم على الاحتماء في ثكنة عسكرية في غرب العاصمة كاراكاس.

على الرغم من مناشدة الأسرة قادة البلاد منذ ذلك الوقت بالتعويض، لا تزال العائلة تنتظر الانتقال إلى سكن جديد عبر مخطط أطلقه سلف مادورو، هوجو شافيز.

لقد تم تصميم غران ميشن فيفيندا فنزويلا أصلا لمساعدة الأسر المتضررة من الكارثة، لكن هدف المشروع المعلن في – إقامة ثلاثة ملايين منزل بحلول عام 2019 – حوله إلى مشروع ضخم الحجم بالفعل.

يقول أحد أنصاره إن من شأنه تلبية الاحتياجات السكنية المرتفعة في البلاد، أما النقاد فيسخرون منه على أساس أنه حركة تمثيلية مكلفة للسياسة الانتخابية، التي لم يعد بمقدور فنزويلا – التي تملك واحدا من أكبر احتياطيات النفط في العالم – أن تتحمل تكاليفها.

تقول ديفينا، ابنة لوليمار: “لقد وعدونا بمنزل، وبعد سنوات لم نحصل على أي شيء. الآن هم يهددون بطردنا من الملجأ. في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، أخشى أننا لن نحصل على مسكن”.

يكاد يكون من المؤكد أنها على حق. وسط انخفاض أسعار النفط، فنزويلا تعاني في سبيل الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي الذي ميز عهد شافيز.

يشكل النفط الخام نحو 96 في المائة من عائدات التصدير، لكن انخفاض أسعار النفط إلى النصف على مدى الشهور الـ 14 الماضية، كان يعني أن هناك تراجعا في الإيرادات بنحو 36 مليار دولار مقارنة بمتوسط العامين السابقين، عندما كدست الحكومة أموالا قدرت بنحو من 79 مليار دولار.

الاستمرار في التشغيل

دون وقود

انخفاض أسعار النفط ألحق أذى هائلا بالبلدان المصدرة، حيث عمل على توسيع عجز الموازنات وإضعاف العملات في مختلف أنحاء العالم. واضطرت شركات الطاقة إلى تسريح الآلاف من العمال وإلغاء مشاريع بمليارات الدولارات.

على أن الفنزويليين يواجهون تهديدا اقتصاديا أكبر من أي من المنتجين الرئيسيين في العالم. ومع نقص السلع الأساسية – من الحليب إلى حفاضات الأطفال – الذي يصبح أكثر حدة كل يوم مع تقلص الواردات، فإن مشاريع الإسكان الشعبية ليست وحدها التي من المحتمل أن توضع على الرف، بل سيتسع الطيف ليشمل مجالات كثيرة، بحسب ما يحذر منه المراقبون.

يقول روس دالن، الذي يترأس البنك الاستثماري لاتنفيست: “تعمل فنزويلا وقد قارب مخزونها على النفاد. دخل النفط الحالي لا يكفي للسماح لها بتسديد ديونها، وتمويل وارداتها، وخدمة السندات الخارجية”.

قيمة السندات – التي تصدرها الحكومة وعدد قليل من الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك المجموعة النفطية الفنزويلية – تصل إلى مبلغ إجمالي قدره 128 مليار دولار ليتم تسديدها على مدى السنوات الـ 24 المقبلة، لكن 6.3 مليار دولار من هذا المبلغ واجب السداد قبل نهاية العام، وذلك وفقا لبنك أوف أميركا.

حتى الآن كان كاراكاس قادرة على الاستمرار في الدفع لدائني السندات الأجنبية عن طريق بيع الأصول، والتوريق المالي لديون النفط ودهم احتياطياتها الأجنبية، ما عمل على حرق أكثر من سبعة مليارات دولار منذ أواخر شباط (فبراير) الماضي.

يبلغ حجم الاحتياطي 16.9 مليار دولار، وهو معدل كان يعد من أدنى المستويات في العقد الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي، وسط مخاوف من أن الخزائن يمكن أن تنفد في الربع الأول من عام 2016، الأمر الذي ينطوي على احتمال إثارة أزمة في ميزان المدفوعات، ووقوع آثار جانبية على الأطراف التي تحمل عددا كبيرا من السندات، مثل شركات أشمور، وبيمكو، وبلاك روك.

الفوضى الاقتصادية تعزز تصاعد التوتر السياسي. الحزب الاشتراكي الحاكم يواجه انتخابات برلمانية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وتشير استطلاعات الرأي إلى فوز المعارضة فيها.

في حزيران (يونيو) الماضي، توصلت شركة الاستطلاعات داتا أناليسيس إلى أن 84 في المائة من الفنزويليين، يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وقال أكثر من النصف إنهم سيصوتون لمصلحة المعارضة و30 في المائة فقط للحزب الاشتراكي.

في مواجهة خسارة محتملة، منعت الحكومة رسميا مرشحي المعارضة البارزين من الترشح – ما أدى بها إلى التعرض لانتقادات من واشنطن.

يمكن للهزيمة أن تزعزع مادورو – الذي من المقرر أن تستمر ولايته حتى 2019 – ويمكن أن تؤدي إلى إبعاده عن طريق ما يسمى الاستفتاء العام المقبل، ما يجعله واحدا من أوائل الضحايا السياسية الوطنية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط.

كانت فنزويلا الخصم الأكثر صخبا من قرار “أوبك” الحفاظ على مستويات الإنتاج في المنظمة النفطية، حتى في الوقت الذي أخذت فيه الأسعار في الانخفاض. من السهل أن نعرف سبب ذلك: من المتوقع انكماش الاقتصاد بنسبة 7 في المائة هذا العام. هذا لا يعود فقط إلى انخفاض أسعار النفط. سوء إدارة الصناعة – فشل الاستثمار – وسلسلة من عمليات التأميم الفاشلة هي المفتاح لفهم محنة فنزويلا.

ركد الإنتاج عند 2.8 مليون برميل يوميا من ذروة بلغت 3.3 مليون برميل يوميا قبل انتخاب شافيز في عام 1998. وعلى الرغم من أن سعر النفط كان عند عشرة دولارات للبرميل فقط في ذلك الحين، إلا أنه استمر فوق 100 دولار خلال فترة طويلة من وجوده في السلطة.

هذه الثروة النفطية سددت تكاليف السياسات الشعبوية، ولكن أدت أيضا إلى التهاون وعدم التنويع، كما يقول النقاد. وكما يقول فرانسيسكو رودريغيز، وهو اقتصادي في بنك أوف أميركا: “لو أصبح النفط دون قيمة ولو ليوم واحد، فإن فنزويلا ستعود إلى العصر الحجري”.

يتردد صدى هذه المشاعر لدى “ماريكلن ستلنج”، عالمة الاجتماع التي تميل إلى اليسار، التي تعمل لدى مركز رومولو جاليجوس لدراسات أمريكا اللاتينية في كاراكاس: “نحن دولة نفطية، ونحن لا نعرف كيف نعيش إلا على ذلك. لقد تم تدمير القدرة الإنتاجية. نحن نشعر بالهلع من الانخفاض في أسعار النفط “.

فشل مادورو في تطبيق سياسات اقتصادية متماسكة، فبدلا من خفض قيمة العملة لزيادة عائدات النفط الفنزويلية المقومة بالدولار، قامت الحكومة بدلا من ذلك بطباعة عملتها البوليفار لتغطية العجز الواسع في الميزانية، الذي يقدر بنحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

والسبب إلى حد ما يعتبر سياسيا: إن تخفيض قيمة العملة من المرجح أن يزيد من تضخم الوقود، وهو ما سيؤذي أنصار مادورو بصورة قوية للغاية. وفي حين لم تقدم الحكومة أي بيانات، تشير التوقعات الخاصة إلى أن معدل التضخم وصل الآن إلى أكثر من 100 في المائة، وهي أعلى نسبة في العالم.

ويرى آخرون أن الرئيس يتعرض للضغط بسبب الحاجة إلى إرضاء دائرة داخلية يهيمن عليها الجيش، التي تتمتع بثروات مباشرة متوافرة بسبب إمكانية الاستفادة من النقد الأجنبي المدعوم، حيث يمكنهم شراء الدولار بالسعر الرسمي البالغ 6.3 بوليفار للدولار، وبيعه مرة أخرى إلى السوق السوداء بنحو 700 للدولار. على الأقل حتى الآن يضمن ذلك قبضة الرئيس على السلطة.

يدعي وزير سابق في عهد شافيز أن “تصميم الاقتصاد السياسي هنا لا يخدم إلا الفاسدين. هذا هو احتكار على غرار المافيا”.

على خلفية انقباض العملة الصعبة، اضطرت الحكومة إلى خفض الواردات، ما أدى إلى تكديس تأخير السداد بمليارات الدولارات والتسبب في نقص السلع الأساسية في البلاد التي تعتمد على الاستيراد.

الندرة، ونهب المحال التجارية، والماسحات الضوئية للبصمة في محال السوبر ماركت، هي عوامل في فقدان مادورو للشعبية. في الشهر الماضي حذرت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات من الانهيار الاجتماعي الذي يلوح في الأفق، بسبب “الهبوط الحاد في الدخل الحقيقي، والنقص الكبير في المواد الغذائية الأساسية والأدوية والسلع الأساسية الأخرى”.

شن الحرب

الحكومة تنفي وجود الفساد في المستويات العليا للدولة، وبدلا من ذلك تنحو باللائمة على الأزمة التي تسببت في “حرب اقتصادية” يشنها رجال الأعمال الرأسماليين – بعضهم وضع في السجن – الذين شاركوا في الاكتناز، والتلاعب بالأسعار والمضاربة. هذا الخطاب أثار السخرية: يقول دالين إن “الرئيس مادورو لا بد أن يكون واحدا من عدد قليل من القادة الذين يخترعون حربا اقتصادية، ومع ذلك يمضي إلى خسارتها”.

في مواجهة مثل هذه الأزمة، يتوقع المراقبون أن تقوم الإدارة بتشديد القبضة السياسية على اعتبار أن المجال المتاح لها للوفاء بالوعود الشعبوية يتقلص.

مادورو يدعي أن حكومته قامت باستثمار أكثر من 73 مليار دولار في بناء 700 ألف منزل على مدى الأعوام الأربعة الماضية. تقول الحكومة إنه بحلول عام 2019 فإن 40 في المائة من الشعب الفنزويلي – بعدد سكان يبلغ 12 مليون نسمة – سوف يعيشون في منازل قامت ببنائها بعثة الإسكان.

قال الرئيس لمجموعة من المؤيدين في نيسان (أبريل) الماضي: “سوف نحقق ذلك، سواء كان سعر النفط 100 دولار للبرميل أو 40 دولارا للبرميل، أقسم بذلك”. ليس هناك عدد كبير من الناس يصدق أن سائق الحافلة السابق يمكن أن يفي بما وعد به. مرسيدس دي فريتاس، التي تترأس الفرع المحلي لمنظمة الشفافية الدولية – التي تعطي فنزويلا مرتبة بالقرب من أدنى مستوى لمؤشرها المتعلق بالفساد – تعتقد أن الحكومة لا تستطيع الحفاظ على الإنفاق، في مجالات تراوح بين الإسكان والصحة والتعليم.

تقول دي فريتاس: “البرامج والمهمات الاجتماعية هي أدوات سياسية وانتخابية. هذه السنة هي سنة انتخابية وعد فيها الرئيس مودورو ببناء 400 ألف مسكن”. مع ذلك، تقول إنه مع تراجع أسعار النفط، “سيكون من الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل، تحقيق ذلك”.

حتى عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، فإن بعثة الإسكان لم تحقق الهدف: حيث تم بناء 674 ألف مسكن فقط من العقارات الموعودة البالغ عددها 1.2 مليون منذ إطلاقها في عام 2011، وذلك وفقا للبيانات المتوافرة.

كما تم بالفعل تأجيل الإنفاق الاجتماعي. يقول بنك أوف أميركا إن إنفاق الحكومة المركزية انخفض بنسبة 24 في المائة، على أساس سنوي في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015. يقول ألبرتو بيرنال، رئيس قسم الأبحاث والاستراتيجية في شركة بولتيك كابيتال ماركيتس في ميامي: “إذا بقيت أسعار السلع الأساسية منخفضة، فإن فنزويلا في عام 2016 ستقوم إما باتخاذ القرار الصعب التي تحتاج إليه لخوض تعديل عنيف في المالية العامة، أو تخفيض كبير لقيمة العملة، أو كلاهما.

(وإلا) سوف تضطر فنزويلا إلى الانهيار فيما يتعلق بسداد جميع دفعاتها الدولية، ما يعني العجز عن السداد”. ويحذر بيرنال من أن كاراكاس ستقوم بكل ما في وسعها لتجنب ذلك المصير، وهي وجهة نظر تجد أصداء لها لدى غيره من المحللين.