IMLebanon

هجوم للمسلحين بالكلور يعجّل الحسم في الزبداني

zabadani

 

كتبت صحيفة “السفير”: لا شيء لي هناك الا الموت والخراب. لا شيء لي الا ما اقترفته بحق هذه المدينة التي كانت هانئة، ما قبل الحرب، وخلالها، والتسويات تنتهك فيها مرارا لتؤول الى ما آلت اليه من دمار وتشرد… وموت.

كأنه لسان حال المئات من المسلحين وهم يستعدون للتقهقر خلال اليومين المقبلين من الزبداني، لان لا خيار آخر بقي امامهم الا الفناء في ما تبقى من مساحة في الالف وخمسمئة متر مربع التي احتموا فيها.

فما الذي جرى في الساعات الاخيرة التي سبقت الاعلان عن بدء الهدنة الجديدة في الزبداني والفوعة وكفريا والتي يباشر بتطبيق بنودها اليوم.. ما لم تظهر عقبات اللحظات الاخيرة؟

وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فانه في الساعات القليلة الماضية وبعيدا عن الاعلام، تقدمت وحدات الجيش السوري و”حزب الله” على أربعة محاور رئيسية لحسم المعركة في الزبداني. وقالت المصادر لـ”السفير” إن “قرار الحسم السريع اتخذ بعدما تمادى المسلحون المحاصرون في استعمال الكلور ومواد كيميائية محرمة في الاشتباكات خلال الاسبوع الاخير”.

وأشار مراقبون الى انها ربما تكون المرة الاولى التي تستخدم فيها فصائل التكفيريين المسلحة اسلحة كيميائية في اشتباكات بهذا القرب من الحدود اللبنانية منذ بدء الحرب السورية.

واوضحت المصادر لـ”السفير” انه جرى استخدام هذه المواد المحظورة من خلال حشوها في قذائف الـ”ب 7” التي تطلق عن الكتف ومن خلال رمي عبوات بمطرات بلاستيك مع مواد متفجرة وداخلها الكلور، مما ادى الى إصابة عدد من افراد رأس حربة الهجوم للجيش السوري و “حزب الله”.

وقال مصدر ان اللجوء الى هذا السلاح ربما تقف خلفه حركة “أحرار الشام” و “جبهة النصرة” التي تضم في صفوفها العديد من العناصر التي تمتلك خبرة استخدامها، وهو كان بمثابة المحاولة اليائسة الاخيرة في وجه الحصار المطبق على المسلحين، ما استدعى من قيادة غرفة العمليات توزيع اقنعة وقاية من الغاز، على عناصر رأس حربة الهجوم فقط لاستكمال آخر مرحلة من العملية، قبل اتخاذ القرار بحسم المعركة والمبادرة الى الهجوم دفعة واحدة وتضييق الخناق على المحاصرين.

إلا أن ما عجل في نداءات طلب الهدنة من جانب المحاصرين هو الاتجاه عسكريا من جانب الحليفين نحو مضايا المجاورة، بما تمثله من أهمية بالنسبة الى العديد من المقاتلين المحاصرين.

وقالت المصادر انه تحت غطاء مدفعي كثيف تقدمت القوات الحليفة من اربعة محاور (من دوار الكورنيش ودوار السيلان وشارع زعطوط والنابوع) وسط اشتباكات عنيفة واستماتة المسلحين بالقتال تحت ضغط نفسي لا مثيل له، وتم تحقيق انجاز على ثلاثة محاور منها والسيطرة على كتل كثيرة وسط سماع صراخ المسلحين عن قرب.

واشارت المصادر الى انه مع تقدم قوات التدخل ووصولها الى المحطة وانكشاف الكتل غرب المسجد التي تضم مسجد المحطة وكنيسة رقاد السيدة العذراء، تم رصد حركة كبيرة للمسلحين وحالة فوضى في صفوفهم. وتابعت انه بعد تقاطع المعلومات في غرفة العمليات مع القيادة الميدانية، تبين وجود مشفى ميداني كبير للمسلحين وغرفة متابعة عمليات للمحاور الشرقية مستفيدين من خنادق وبنى تحتية وسراديب قديمة في المنطقة.

واوضحت المصادر أن المسلحين ادركوا ان الهزيمة باتت واقعا بعد قضم حوالي 500 متر مربع من كتل البناء في ثلاثة محاور وباتوا هم في مساحة ضيقة تبلغ 1500 متر مربع يحتمي فيها حوالي 600 مقاتل بينهم 240 من الجرحى، غالبيتهم في حالة حرجة فيما يعاني الباقون من الاحباط ونقص في الذخيرة وانقطاع التنسيق بين المجموعات في المحاور وحالة من الارتباك.

وعندها، بحسب رواية المصادر المطلعة، ارتفعت صرخات المسلحين بوجه مسؤوليهم الميدانيين، وبعثوا بآخر رسالة استغاثة جدية الى الاطراف الداعمة لهم، وخصوصا الطرف التركي الذي سبق ان ضحى بهم عندما عمد الى الايعاز لفصائل في ما يسمى “جيش الفتح” الذي تقوده “جبهة النصرة”، بافشال اتفاق الهدنة الاخير، بالاعتداء قبل نحو اسبوعين على بلدتي الفوعة وكفريا بالصواريخ.

وبالاجمال، يمكن القول ان هناك اربعة عوامل اساسية ساهمت في إحياء “هدنة الزبداني” هذه المرة:

أولا، نجاح الحليفين، الجيش السوري و “حزب الله” في احكام الخناق الكامل على المسلحين المحاصرين ضمن مساحة تقل عن كيلومتر ونصف الكيلو متر مربع، ثم قضمها تدريجيا في الهجوم الاخير.

ثانيا، مبادرة الحليفين السوري واللبناني الى الاحتكاك عسكريا ببلدة مضايا المجاورة في الريف الدمشقي، اجبرت فصائل المسلحين على طلب تجديد خطوط التفاوض والتسوية، وهو هجوم بدل المعادلة التي يعتقد انها كانت قائمة أي الزبداني مقابل الفوعة وكفريا، لتصبح مضايا مقابل الفوعة وكفريا، اذ بدا للمسلحين المحاصرين ومن يدعمهم ان الزبداني خرجت بحكم الواقع الميداني من طاولة التفاوض بتحريرها المحتم.

ثالثا، فشل الهجمات المتتالية التي شنتها الفصائل المسلحة على بلدتي الفوعة وكفريا في ريف ادلب للسيطرة عليهما، مع بقاء الاف المدنيين محاصرين فيهما عرضة لقذائف الانتقام.

رابعا، اكتمال الضغط الاميركي على الاتراك للانخراط في الحرب المباشرة على تنظيم “داعش”، واضطرار أنقرة الى اعادة ترتيب اوراقها الاقليمية والسورية بما يتلاءم مع متطلبات واشنطن، والبحث الحثيث عن حليف ميداني موثوق يعين أنقرة في مهمة “جيش لحد” الجديد في الشمال السوري، والتي سارعت حركة “احرار الشام” الى تقديم اوراق اعتمادها من اجله امام الاتراك لتولي هذه المهمة، علما بان “احرار الشام” هي الفصيل الاكبر والاكثر قوة بين الفصائل المطوقة في الزبداني.

وبهذا المعنى، فان السلطات التركية عمدت مجددا الى التخلي عن “حلفائها” المحاصرين في الزبداني، بعدما افشلت قبل نحو اسبوعين الهدنة الاخيرة. وبحسب مصدر متابع فان الطرف التركي كان يسعى الى ابتزاز الايرانيين الباحثين عن تسوية مريحة، مستفيدا من تمسكه بورقة اهالي الفوعة وكفريا المطوقين بالكامل منذ شهور.

ولاحظ المصدر المتابع ان الطرف التركي يعتبر ان الزبداني جغرافيا لا تعني له شيئا ولا يستثمرها كما لو انها من ريف ادلب والشريط الجغرافي القريب من حدوده الجنوبية، وفضل التضحية بـ “احرار الشام” عندما افشل الهدنة الاولى من خلال طرح عراقيل كثيرة من بينها تعديل خروج المسلحين الى درعا بدلا من ادلب.

البنود تطبق اليوم؟

وما لم تحدث مفاجأة في اللحظات الاخيرة، فان المسار الشاق لتطبيق بنود الهدنة في كل من الزبداني والفوعة وكفريا، يبدأ اليوم.

وبحسب ما علمت “السفير” فان المرجح ان منظمتي الهلال الاحمر السوري والصلب الاحمر الدولي يبدآن اليوم مهمة نقل جرحى المسلحين وهم اكثر من 200، الى منطقة ادلب، بينما يجري بالتوازي مع ذلك، اخراج الجرحى من الفوعة وكفريا الى مستشفيات اللاذقية.

وفي اليوم التالي، يفترض ان تبدأ عمليات اخراج كبار السن، ثم لاحقا اخراج المسلحين من الزبداني على دفعات نحو ادلب في مهمة يفترض ان يشرف عليها الجيش السوري برعاية الصليب الاحمر الدولي والهلال الاحمر السوري، فيما سيفتح ممر آمن لاخراج المدنيين من الفوعة وكفريا باتجاه اللاذقية وريف القصير.

ويبدو ان التفاهمات التي تم التوصل اليها حتى الان تسمح للمسلحين بحمل اسلحة فردية فقط اثناء خروجهم، بينما لن يسمح لهم بنقل أي سلاح ثقيل.

وهكذا، يمكن القول ان معركة الزبداني وصلت الى خواتيمها الميدانية المتوقعة منذ ان بدأ الحليفان السوري واللبناني، هجومهما الموسع بقرار الحسم في القلمون اولا، ثم في الزبداني لما تمثله من اهمية استراتيجية بالنسبة الى الامن اللبناني، والامن السوري باعتبارها خاصرة رخوة للعاصمة دمشق وللطريق الدولي الذي يربطها بالحدود اللبنانية. ويتوقع المراقبون ان تشكل هذه النهاية – اذا كتب لها ان تكتمل بلا معوقات اللحظات الاخيرة – نقطة تحول في المعركة مع الفصائل التكفيرية والمسلحة، بعد حصر “الخطر القلموني” في الشهور الماضية، ما سيترك آثاره المباشرة على معارك الغوطتين الشرقية والغربية في محيط دمشق.