IMLebanon

وماذا بعد التظاهرات؟ (بقلم رولا حداد)

beirut-demonstration-29-aout-2015

كتبت رولا حداد

شكلت تظاهرة السبت 29 آب مفاجأة للجميع، وحتى لمنظميها، سواء لناحية الحشد غير المسبوق في تظاهرات غير حزبية أو لناحية التنظيم والسلمية في ساحة الشهداء والالتزام بالأعلام اللبنانية والشعارات المطلبية والمتفرقة.

الثابت أن ثمة من راهن على فشل التظاهرة والداعين إليها. وثمة من راهن على “فركشة” التحرّك الذي دعت إليه مجموعة “طلعت ريحتكم”، فكانت مجموعات أخرى انشقت عن الحراك من دون أن تتضّح الاسباب الحقيقية مثل مجموعة “بدنا نحاسب”، وإن تبيّن أن ثمة أصابع سياسية واضحة وراءها. لكن الثابت أيضاً أن تظاهرة 29 آب نجحت على مستويات عدة، وأهمها خرق الاصطفافات القائمة بين 14 و8 آذار بحيث جمعت التظاهرة جمهوراً كبيراً من الفريقين من دون تمييز، لأن المطالب وحّدت اللبنانيين.

ومن اللافت أن ثمة إجماعاً يحصل في الشارع حول أن الصراع القائم بين 8 و14 آذار منذ 10 أعوام يتمحور حول عناوين سياسية كبرى، لكن التوافق الضمني لا يزال قائماً بين القوى المستمرّة في الحكم منذ أيام الوصاية السورية على توزيع مغانم البلد وتقاسم فتات الجبنة الباقية رغم تخطي الدين العام عتبة الـ70 مليار دولار.

والطريف في ما يحصل أن هؤلاء السياسيين يؤيدون حراك الشارع ويحاولون أن يبرئوا أنفسهم منه، باستثناء النائب وليد جنبلاط الذي يؤيّد الحراك ويعلن أنه جزء من الطبقة السياسية المستهدفة بكل الشعارات التي رُفعت في ساحة الشهداء!

هكذا مثلا يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي على التراجع إعلامياً خطوات الى الوراء، علّ الموجة تنقضي بمنطق “موجة وبتقطع” رغم أنه يشكل أحد أبرز مفاصل “الترويكا” في مرحلة الوصاية والتي استفادت من خيرات هذا الوطن. ولا شك أن الحريرية السياسية تشكل مفصلاً أساسياً أيضاً من هذه الترويكا المستمرة مع عامودها الثالث النائب وليد جنبلاط.

لكن، وللحقيقة فإن هذه الترويكا لم تكن وحيدة، بل قاسمتها “المغانم” مجموعة المنتفعين من الوصاية من شخصيات وأحزاب كان بينهم مسيحيون ومن كل الطوائف. وللحقيقة أيضاً أن “التيار الوطني الحر” الذي انضمّ الى الطبقة السياسية في العام 2005، استطاع رئيسه الجديد الوزير جبران باسيل بسرعة قياسية أن يصبح جزءًا لا يتجزّأ من الطبقة السياسية التي تحوم حولها شبهات الفساد بقوة. كما أن فضيحة صلاح عز الدين داخل “حزب الله” طرحت أسئلة كثيرة عن ملفات فساد مرتبطة بالحزب ومسؤوليه، إضافة الى الفساد المستشري في مواضيع المرفأ والمطار وشبكات تصنيع الكابتاغون وغيرها من الملفات.

الإقرار السابق لا يعني أن الجميع متساوون على الإطلاق. فعللا سبيل المثال أرقام الفساد في ملف النفايات الذي يُلصق بالحريرية السياسية تصل خلال 18 عاما الى حوالى مليار دولار، مع العلم أنه كان بتغطية وشراكة من أطراف كثر في قوى 8 آذار، مع الإقرار بأن أزمة النفايات طفحت في 17 تموز فقط مع أن المعالجات لم تكن يوما جذرية. في المقابل فإن “الهدر” في ملف الكهرباء على سبيل المثال، والذي أداره وزراء محسوبون على الفريق السياسي نفسه طوال أكثر من 20 عاماً، تسبب بخسائر تفوق الـ25 مليار دولار من دون أن ينعم اللبنانيون بالكهرباء!

أما الخسائر الاقتصادية بسبب حرب تموز، على سبيل المثال لا الحر، فتخطت الـ12 مليار دولار!

من كل ما تقدّم يتأكد أن المحاسبة يجب أن تكون شاملة، وبالأرقام، وليس من باب التعميم المقيت. أما قوى 14 آذار فتأكد للجميع أنها سقطت، وكان سقوطها عظيما لأنها فشلت، طوال أكثر من 10 أعوام بعد الانسحاب السوري، في أن “يُطهّر” عدد كبير من سياسييها أنفسهم من موبقات مرحلة الوصاية، فاستمروا شركاء في الفساد، وأبقوا شعار العبور الى الدولة على المستوى السياسي فقط في مواجهة “حزب الله” من دون أن ينقلوه الى الممارسة العملية أداءً شفافاً لقيام دولة فعلية تقرن معركة السيادة بالحرب على الفساد.

أما بعد، فبيقى على تحرّك “طلعت ريحتكم” أن يقرن إنجاز 29 آب بخريطة طريق واضحة، ومطالب قابلة للتطبيق ضمن سياسة القضمات “خذ وطالب” وأن يعتمد سياسة النفس الطويل في هذه المرحلة المصيرية من عمر منطقة الشرق الأوسط للوصول الى الأهداف المنشودة، ضمن إطار الحرص على النظام وتصحيح الأداء، وليس محاولة جرّ البلد الى الفوضى التي لا تخدم أي قضية.