IMLebanon

الحياة: الحوار ينفجر بين “عون” وخصومه

michel-aoun-2

على وقع أصوات المحتجين في محيط ساحة النجمة حيث مقر البرلمان اللبناني، انطلقت الجولة الأولى من الحوار الوطني ظهر أمس في البرلمان بعد غياب دام أكثر من سنتين منذ آخر جلسة حوار في قصر بعبدا. وسلكت مواكب النواب منفذاً واحداً ساحة النجمة. وكمنت لهم وفود الحراك الشعبي المطلبي على جانبي الطرق وعمدت إلى رشقهم بالبيض والخضر وقناني المياه. وكان النصيب الأكبر لموكب رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النيابي ميشال عون الذي دخل القاعة وهو في حال غضب شديد، وفق مصادر مشاركة في الحوار.

والتأمت الطاولة بعد اكتمال حضور المدعوين الـ16 ومعاونيهم. ووصل على التوالي: رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعاونه السياسي الوزير علي حسن خليل، رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية يرافقه يوسف سعادة، رئيس الحزب “السوري القومي الاجتماعي” النائب اسعد حردان يرافقه علي قانصو، نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري ومعه النائب روبير فاضل، رئيس الحكومة تمام سلام يرافقه الوزير رشيد درباس، رئيس “اللقاء الديموقراطي” النيابي وليد جنبلاط يرافقه النائب غازي العريضي، النائب طلال ارسلان ومعه الصحافي حسن حمادة، عون ومعه وزير الخارجية جبران باسيل، رئيس حزب “الطاشناق” هاغوب بقرادونيان ومعه الوزير ارتور نظريان، الوزير ميشال فرعون ومعه الياس أبو حلا، الوزير بطرس حرب يرافقه جواد بولس، رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية محمد رعد ومعه النائب علي فياض، رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة ومعه النائب عاطف مجدلاني، الرئيس نجيب ميقاتي ومعه النائب احمد كرامي، النائب ميشال المر، رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل يرافقه رئيس كتلة نواب الكتائب إيلي ماروني.

الجلسة التي استُهلت بالنشيد الوطني، افتتحها بري أملا بـ “ألا تستدعي الحاجة الدعوة إلى جولة أخرى”. وقال: “إن شاء الله نمشي بهذا الحوار، وما منعتاز (نحتاج) حواراً ثانياً، وإن شاء الله الطاولة المستديرة ستبقى في هذه القاعة. لكنها ستكون مخصصة لاجتماعات أخرى إن على صعيد اللجان أو المؤتمرات او غيرها”.

وتوجه الى المشاركين قائلاً: “أشكر لكم تلبيتكم هذه الدعوة لحوار الضرورة في هذه اللحظة السياسية، توخياً لنتائج تضع خريطة طريق لخروجنا من أزماتنا المتنوعة على قاعدة جدول الأعمال المحصور في النقاط التي أُعلنت، وأشير إلى أن مجرد انعقاد الحوار يعّبر عن النجاح في تأكيدنا الالتزام بأنه السبيل للخروج من أزماتنا والتزامنا وحدة بلدنا وصيغة العيش الوطني”. واعتبر ان “السلبية المتأتية من السياسات الخاصة والمصلحية والحزبية والشخصية كادت تهدد وجود لبنان”.

بري: الاتفاق او الوطن الى مكب التاريخ

ولفت بري إلى أن “الأزمة السياسية التي من عناوينها الكبرى الشغور الرئاسي وتعليق التشريع والتفكك الحكومي والأزمة الاجتماعية التي من تعبيراتها زيادة عدد الأسر اللبنانية التي تقع تحت خط الفقر وغياب فرص العمل والأزمة الاجتماعية التي من مظاهرها البارزة فضيحة النفايات، تحتاج إلى إنجاز الحوار بحلول ناجحة وناجعة وسريعة لأن الاستمرار في لعبة عض الأصابع الجارية إنما يتم على حساب الوطن والمواطن”. وقال: “نجتمع لنحاول وضع حلول عادلة ومخارج صحيحة، وهذا الأمر يحتاج الى توحيد المواقف لا إلى حوار الطرشان”.

وزاد: “أناشدكم، بل إن الوطن يناشدكم الاتفاق”، متمنياً “أن لا يكون فات الوقت وأن نتمكن من رسم خريطة طريق لعبور الاستحقاق الرئاسي وإطلاق عمل التشريع لوضع القوانين الرئيسية التي ترسم صورة لبنان غداً وإخراج السلطة التنفيذية من واقع التفكك وتنشيط أدوارها. إن المطلوب أن نصنع غداً وأن نصنع لبنان الموحد: الأرض والشعب والمؤسسات أنموذجاً عربياً لإخراج الأقطار الشقيقة من واقع التفكك ومشاريع تقسيم المقسم. بل أزعم أن هذا الاجتماع يشجع الآخرين على الحوار من أجلنا ويعطي اندفاعة سياسية جديدة، ليس على مستوى لبنان فحسب بل على مستوى المنطقة”.

وأكد بري أن “كل البلاد العربية أو أكثرها، حتى لا أبالغ، هي بحاجة إلى حوار، عدا ذلك فإننا سننتظر أن يأخذ أحد بيدنا إلى إحدى العواصم ليتم إبلاغنا المخرج الذي نوافق عليه وتعليق لبنان على مسمار في حائط الشرق الأوسط إلى لحظة انفجار جديد، فهل نستحق لبناننا؟”، مشدداً على أن “هذا الحوار هو الامتحان الذي تجيب نتائجه على هذا السؤال وهو الذي يجب أن يمكننا معاً من رسم خريطة طريق للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد. واختم مع لطفي بوشناق: “إذا ما البحر طوقني بموج، صنعت بموجه طوق النجاة”. فهل نصنع طوقاً لنجاة لبنان؟”.

سلام: حكومتنا عاجزة

وقال سلام: “ليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها الرئيس بري الى الحوار، وهو يوجه الدعوة باستمرار للنواب الى انتخاب الرئيس ويتصدر حالياً المشهد السياسي في غيابه، وأقول لكم: نحن كنا اتفقنا على تشكيل حكومة مصلحة وطنية وأيدها الجميع، ولا أريد تكرار ما يحصل. أصبحنا في حكومة عاجزة عن معالجة ملف النفايات، وحذرنا في أكثر من مناسبة وفي مستهل جلسات مجلس الوزراء، من تداعيات غياب الرئيس، وهذا ما أدى الى ما نحن عليه اليوم، لكن ما زلت أعوّل على الجهود الرامية إلى تهيئة الأجواء لانتخابه. وأنا دعوت مجلس الوزراء الى النظر في خطة الوزير أكرم شهيب لمعالجة أزمة النفايات وأطلب منكم كل الدعم السياسي”.

ثم بدأ كل طرف عرض رأيه في جدول الأعمال وفي القضايا السياسية المطروحة، خصوصاً المتعلق بالشأن الرئاسي، وتمسك كل منهم بمواقفه المعروفة مسبقاً وأعلنت أمام الإعلام. كما تخلل طاولة الحوار نقاش حول القضايا الحياتية لا سيما موضوع النفايات، وحصل شبه إجماع على ضرورة عمل الحكومة للبت بهذا الموضوع إنقاذاً للوضع الذي بات يؤرق اللبنانيين.

لكن غضب عون من رشق موكبه رافقه الى داخل الجلسة، وخصوصاً في آخر مراحل الحوار عندما احتدم النقاش حول طريقة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فتساجل مع بعض المشاركين من قوى 14 آذار وهو في حال انفعال كبير، لدى إصرار خصومه على القول إن “الطريق الأقصر للانتخابات الرئاسية، ليس انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة بل بحضورك مع نوابك ونواب حزب الله إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس”، متسائلين عن سبب استمرار المقاطعة. لكنه تابع حديثه بحدة، معلناً تمكسه بموقفه الانتخاب من الشعب أو انتظار خريطة طريق لقانون انتخاب جديد. ما دفع بري الى التدخل والتعهد بمتابعة تفاصيل الانتخابات الرئاسية في الجلسة المقبلة، متمنياً على كل القوى السياسية المشاركة في الحوار وعدم تسريب مداولات الجلسة.

المداخلات

وأيد فرنجية ما قاله سلام عن النفايات والوضع في الحكومة وقال: “يجب أن نوفر له الدعم لمعالجة النفايات وجمعها من الشوارع ولتأمين بعض الكهرباء لأننا لسنا من الذين يتصدون للقضايا الكبرى، وأنا ضد انتخاب رئيس تسووي أو وسطي”.

واقترح عون تحويل المجلس النيابي إلى جمعية تأسيسية، ليتولى تعديل المادة 49 من الدستور ليتم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب أو يعدل مجلس النواب قانون الانتخاب فتجري انتخابات يتم على إثرها انتخاب رئيس للجمهورية من البرلمان الجديد. وحصل نقاش حول اقتراح عون وتخلله سجال بينه وبين وزير الاتصالات بطرس حرب، الذي قال إن ما يطرحه العماد عون يحتاج الى نقاش، مشيراً الى استمرار مقاطعة فريق من النواب دعوات الرئيس بري الى انتخاب رئيس والإصرار على أن يكون البعض هو الرئيس أو لا أحد، فقاطعه عون بصوت عال قائلاً له: “لا أسمح لك بالرد علي”. ورد حرب قائلاً: “لا ترفع صوتك. ولا أسمح لك بمقاطعتي وأنت تحدثت ولم يقاطعك أحد. وأطلب منك خفض صوتك… فنحن في اجتماع حوار مسؤول وحديثي موجه الى الجميع وإذا لم يعجبك فتمكنك المغادرة”.

وتابع حرب: “كيف يعتبر عون المجلس النيابي غير شرعي ثم يطرح عليه تعديل المادة 49، وكيف يعتبره غير شرعي ثم يطرح عليه إنجاز قانون انتخابات جديد… أليس الأجدر بهذا المجلس أن ينتخب رئيساً للجمهورية لتستعيد المؤسسات دورها الطبيعي وعندها تتشكل حكومة جديدة فتنجز قانوناً للانتخاب يناقشه المجلس وتجري على أساسه انتخابات في أسرع وقت؟

ورد على طرح عون معظم قادة 14 آذار الموجودين، ومنهم رئيس كتلة “المستقبل” فؤاد السنيورة. وقال أحد المتحاورين لـ “الحياة” إن عون أحرج في هذا الصدد، فشدد على أن المخرج الذي يطرحه من هذا النقاش هو تحويل البرلمان الى جمعية تأسيسية.

وقال الجميل: “صحيح إن هذا النظام لا يفرز إلا طوائف متواجهة يقف بعضها ضد بعض وتلجأ الى الخارج للاستقواء على الداخل. أنا مع تغيير هذا النظام أو تطويره ضمن الآليات الدستورية وليس من خارجها. والبداية تكون بانتخاب الرئيس وبعده كل شيء يطرح للبحث، من تعديل الدستور الى النظر في النظام”. وأكد أنه لن ينتخب الرئيس لا من “14ولا من 8 آذار”، “ومعروف أن الشيخ أمين الجميل مرشحنا لكنه لن يكون حجر عثرة”.

وقال رعد: “نحن مع المرشح الذي يدعو المقاومة إلى الاطمئنان إليه ولا يتلقى أوامره من الخارج وليس لديه ارتباط بجهات خارجية. وهذا المرشح معروف (نظر إلى عون)، وهو يؤمن بخطنا الاستراتيجي ولا يطعننا في الظهر”.

وحصل سجال لثوان بين عون ومكاري على خلفية قول الأخير إن هناك من يتحدث باسم المسيحيين وكأنه وحده يمثلهم، وأن لا دور ولا وزن للآخرين، فرد عون: “أنت يا دولة الرئيس تمثل الأرثوذكس كنائب لرئيس المجلس”، فقاطعه مكاري: “إذا كنت تريدها فأرسل من يأخذها مني”.

وحدد السنيورة أهداف الحوار بحفظ السلم الأهلي واتفاق الطائف ومواجهة احتمال الانزلاق الى الفوضى والعنف وتعزيز المؤسسات الدستورية، لا إلغائها. وإذ أشار الى المشاركة في الحوارات السابقة وعدم تمكن لبنان من تطبيق مقرراتها بسبب تنكر بعضهم، اعتبر أن طاولة الحوار “محط اهتمام اللبنانيين ودوائر عربية ودولية، وقد تؤدي إلى إقحام لبنان في الحروب الدائرة حولنا إذا فشلنا”. وأكد أن وجود رئيس للجمهورية حجر الرحى في انتظام عمل المؤسسات، وانتخابه يفسح في المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقر قانون انتخاب ثم انتخابات نيابية تعيد للحياة السياسية حيويتها، بما فيها استكمال تطبيق اتفاق الطائف. واعتبر أن الخروج من هذا الترتيب يشرّع لبنان على مفاجآت تدفع أثمانها أجيال. واعتبر أن الشغور الرئاسي ساهم في تردي دور الدولة وفي الإحباطات وصولاً الى مشكلة النفايات، التي كانت شرارة غضب الناس الذين انتفضوا لكرامة مفقودة.

وشدد السنيورة أكثر من مرة على أولوية انتخاب الرئيس وحل المشكلات الحياتية، كما أشار الى ظروف الحوار الإقليمية وتداعيات الاتفاق النووي الإيراني والمأساة السورية وتورط “حزب الله” في القتال فيها من دون أي مسوغ وطني مقبول، ما شكل خرقاً لسيادة سورية ولبنان معاً، وتفاقماً للاستقطاب المذهبي السني- الشيعي.

وحذّر من المخاطر الاقتصادية نتيجة تردي الأوضاع السياسية، وانتهى الى السؤال: “لماذا يحق لهذا البرلمان وضع قانون انتخابي أو تعديل الدستور ولا يسمح له بانتخاب رئيس، فيما انتخابه مدخل إلزامي وحيد لإنجاح الحوار؟”.

وقال ميقاتي إن “الطاولة هي المكان الطبيعي للتقريب بين وجهات النظر والحفاظ على دور مؤسسات الدولة كممثلين للشعب، لا خيار أمامنا إلا الخروج بحلول والالتزام معاً بتطبيقها. فشلنا ممنوع والدرب الى الإصلاح يبدأ من هنا حتى يظل قرار التغيير لبنانياً ولا يفرض علينا من الخارج. معظم الشارع على حق في مطالبه وإن كانت هناك قلة تجاوزت الخطوط الحمر وأثارت الشبهات حول دوافعها”. وقال: “علينا استيعاب الدروس مما جرى في العالم العربي، والسير الى جانب المطالب المشروعة للشعب. ولا بد من إصلاح النظام ومواجهة الفساد، هذه مسؤوليتنا جميعاً، إضافة الى تفعيل عمل مؤسسات الدولة، وفي مقدمها انتخاب الرئيس”. ورأى أن “علينا عدم تحميل الطائف عبء ما وصلنا إليه، إنما العبء في سوء تطبيق بعض بنوده وعدم تطبيق البعض الآخر”.

واعتبر المر أن جدول الأعمال يعطي الأولوية لانتخاب الرئيس، “ونحن نؤيده في مسعاه هذا ومن حقنا أن نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء تعذر انتخاب الرئيس منذ سنة وأشهر عدة، مع أن رئيس المجلس يوجه الدعوات الى النواب الواحدة تلو الأخرى لانتخابه، وكنا نلبي هذه الدعوات لكن النصاب القانوني لانتخاب الرئيس لم يتأمن، ومن حقنا أن نسأل عن الأسباب، لأن من غير الجائز استمرار الفراغ الرئاسي”. وسأل المر: “لماذا لا ينزل بعض النواب الى البرلمان مع أن حضورهم واجب وطني، خصوصاً أننا نمر في مرحلة سياسية دقيقة ونرى في الوقت نفسه ماذا يجري من حولنا في المنطقة. إن انتخاب الرئيس المدخل للالتفات الى مشاكلنا ومعالجتها”.

وقال مكاري: “نحن في أزمة وطنية كبيرة والكيان مهدد كما لم يكن يوماً في تاريخه وهذه الطاولة فرصة لتفادي الانهيار الكامل للدولة، ولاستعادة ثقة الناس التي اهتزت بكل الطبقة السياسية”. ودعا إلى مقاربة وطنية بعيدة من التجاذب بين 8 آذار و14 آذار، ومن الضرورة الملحّة لفتح ثغرة في الحائط المسدود.

وإذ شكر بري على وضع انتخاب رئيس الجمهورية على رأس جدول الأعمال، اعتبر أنها “أم المشاكل وحلّها أبو الحلول، واذا توصلنا إلى اتفاق في هذا الشأن نوفّر على أنفسنا مناقشة بندين آخرين يُحلاّن تلقائياً، أي استعادة عمل مجلسي النواب ومجلس الوزراء. ويمكننا عندها استكمال اعادة تكوين السلطة من خلال انتخابات نيابية وفق قانون نتفق في الحوار على خطوطه العريضة، ثم تأليف حكومة”.

وبعد مرور ثلاث ساعات على بدء الجلسة، طلب الى الصحافيين المزودين بتصاريح خاصة لتغطية الحوار الدخول الى القاعة العامة، عند الثانية والنصف، “لأن الرئيس بري سيزودكم بملخص عن الحوار”.

إلا أن السجال الذي حصل نهاية الجلسة بدّل المعطيات، تجنباً لأسئلة الصحافيين الذين بلغ مسامعهم ما حدث. فتمت الاستعاضة عن المؤتمر الصحافي لبري ببيان مقتضب تلاه الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر، وفيه: “بعد أن افتتح الرئيس بري الجلسة بكلمة، تحدث المشاركون عارضين وجهات نظرهم في القضايا المطروحة مع التركيز على البند الأول المتمثل بانتخاب رئيس الجمهورية والخطوات المطلوبة للوصول إلى هذا الأمر. وحُدد موعد الجلسة المقبلة يوم الأربعاء في 16 أيلول (سبتمبر) الثانية عشر ظهراً”.