IMLebanon

سلْب الأملاك العامة البحريّة … 5 ملايين متر مربّع مستباحة ومهدورة

ZaytounahBay

يطرح دخول معترضين الى حرم “زيتونة باي” ملف اشغالات على طول الشاطئ اللبناني سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية، من دون أن تحصل الدولة على العائدات المالية المجزية التي تتوافق وقيمة الأراضي المشغولة، ومنذ انتهاء الحرب لم تجد لها حلاً يعيد للدولة حقوقها المسلوبة نتيجة التدخلات السياسية والمناطقية. وقد أعدت “الدولية للمعلومات” دراسة تبين واقع التعديات على تلك الأملاك.

تحديد الأملاك العامة البحرية
يحدد القرار رقم 144/د تاريخ 10 حزيران 1925 الصادر عن المفوض السامي “للجمهورية الفرنسوية لدى سوريا ولبنان الكبير وبلاد العلويين وجبل الدروز”، الجنرال موريس ساراي حول الاملاك العامة ويتضمن القرار الرابع فصولاً فيها 26 مادة. وجاء في المادة الأولى: “تشمل الأملاك العمومية في دولة لبنان الكبير ودولة العلويين جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال مصلحة عمومية، وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن”.
وجاء في المادة الثانية: “تشمل الأملاك العمومية:
– شاطئ البحر حتى ابعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى والغدران (جمع غدير) والبحيرات المالحة المتصلة رأساً بالبحر.
– المرافئ والفَرض البحرية والخلجان.
وبالنسبة الى إشغال الأملاك العمومية، نصت المادة الرابعة عشرة: “يمكن الدولة أو البلديات أن ترخص على أملاكها العمومية بصفة مؤقتة، قابلة للإلغاء ومقابل رسم ما بإشغال قطعة من الأملاك العمومية، إشغالا شخصياً مانعاً لاسيما إذا كانت المسألة مرتبطة بمشروع ما”.
وحددت المادة السابعة عشرة منح إجازات الإشغال المؤقت لسنة واحدة يمكن تجديدها بالرضا الضمني. كما يمكن إلغاء إجازات الإشغال المؤقت من دون تعويض عند أول طلب من الدولة.
هذا القرار الذي مضى على صدوره أكثر من 90 عاماً ما يزال سارياً لأنه تضمّن رؤية مستقبلية، إذ اعتبر أن الاشغالات للأملاك العامة مؤقتة وليست دائمة، وحصر الترخيص بسنة واحدة مع حق الإدارة بإلغائه من دون تعويض.

نظام إشغال الأملاك العامة البحرية
حدّد المرسوم رقم 4810 تاريخ 24 حزيران 1966 (صدر في عهد الرئيس شارل الحلو إبّان حكومة الرئيس عبدالله اليافي) نظام إشغال الأملاك العامة البحرية، وفقاً للآتي:
– تبقى الأملاك العامة البحرية باستعمال العموم ولا يكتسب عليها لمنفعة أحد أي حق يخول إقفالها لمصلحة خاصة. أما السماح بتخصيص جزء من الشاطئ لاستعمال أفراد أو مجموعات وحصر هذا الانتفاع بهم دون سواهم يكون عملاً استثنائياً يمكن تطبيقه في حالات خاصة تخضع للأسس العامة:
الأسس العامة المفروضة في حال السماح باستثمار الشاطئ البحري:
– يجب أن يكون المشروع المنوي القيام به ذات صفة عامة وله مبرّرات سياحية أو صناعية بحسب إفادات تصدر عن الدوائر المختصة (المجلس الأعلى للتنظيم المدني).
– أن لا يشكل الاستثمار المطلوب عائقاً لوحدة الشاطئ في حال وجود مساحات يتوجب إبقاؤها مفتوحة للعموم.
– أن لا يسمح بإنشاءات دائمة على الأملاك العامة البحرية سوى ما يعود منها للتجهيزات الرياضية والتنظيمية وملحقات الإنشاءات التي يتوجب إيجادها قريبة من الشاطئ، على أن لا يتعدى معدل الاستثمار السطحي لهذه التجهيزات 5% وان لا يعلو البناء فوق مستوى الأملاك العامة البحرية اكثر من ستة امتار مع عامل استثمار اقصى 0,075%.
– أن ينشأ هذا المشروع وفقاً لوجهة استعماله في المناطق المصنّفة للسياحة والفنادق أو للصناعة وذلك وفق تنظيم الشواطئ اللبنانية (تعتبر الخرائط المرفقة بالمرسوم رقم 4809 تاريخ 24/6/1966 جزءاً لا يتجزأ من هذا المرسوم).
– لا يمكن استثمار الأملاك العامة البحرية للمشاريع الصناعية إلاّ ضمن المناطق المخصصة لها لهذه الغاية، وان تستوجب بطبيعتها استثمار الأملاك العامة البحرية. ويحصر فقط الاستثمار للمساحة من الأملاك العامة البحرية اللازمة للإنشاءات الواجب إيصالها إلى مياه البحر ضمن النسب المحددة أعلاه.
– أن يلحظ المشروع المقدم تفاصيل فنية ومبررات تبين المساحات المنوي تخصيصها لكل نوع من الرياضة ونسبة مساحة غرف السباحين والمساحات الحرة في الأملاك الخاصة، وكذلك المساحات الحرة لكل شخص، كما وعلى المشروع أن يلحظ حركة السير ومواقف السيارات المعدة لزبائن المؤسسة وغيرها من التجهيزات والنسب وكل ذلك ضمن النسب التي تحددها الإدارة.
– على طالب الترخيص أن يكون مالكاً لعقار متاخم للقسم المراد إشغاله من الأملاك العامة البحرية. لا تعتبر الطرق العامة والسكك الحديدية ضمن نطاق هذا النظام فاصلاً بين الأملاك الخاصة والأملاك العامة البحرية في حال سماح السلطة المختصة عبور هذه الطرق أو السكك بواسطة نفق أو جسر.
– إن مساحة الأملاك العامة البحرية المنوي إشغالها يجب ألا تزيد عن ضعفي مساحة العقار الخاص المتاخم وان لا تزيد واجهة هذه الأملاك عن واجهة العقار الخاص المتاخم. لكن بموجب المرسوم الرقم 7464 تاريخ 30/ 10/ 1995 تم إضافة التعديل الآتي: يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري الأشغال العامة والنقل زيادة مساحة السطح المائي المنوي إشغالها عن المعدل المسموح به شرط ألا تقل مساحة العقار عن عشرين الف م2، وان يكون الترخيص لمشروع سياحي كبير من الفئة الأولى. وفي حال وجود طريق عامة تؤدي إلى البحر لا يمكن إشغال الأملاك العامة البحرية الممتدة على طول خمسين 50 متراً من محور الطريق وتترك هذه الفسحة للعموم.

واقع الإشغالات حالياً
استناداً إلى النصوص القانونية التي سبق ذكرها، يمكن تقسيم اشغالات الاملاك العامة البحرية القائمة حالياً إلى 5 أقسام تبلغ مساحتها الإجمالية (ردم + مسطح مائي) 4,901,726 م2 منها 2,365,938 م2 اي بنسبة 48% اشغالات قانونية ومرخصة و 2,535,788 م2 أي بنسبة 52% اشغالات مخالفة وغير مرخصة (الجدولان 1 و 2).
1- اشغالات قانونية ومرخصة
صدر عن الحكومة اللبنانية 73 مرسوماً بالترخيص بإشغال أملاك عامة بحرية وصلت مساحتها الإجمالية (ردم + مسطح مائي) إلى 2,365,938 م2 منها 1,515,215 م2 من الردم و 850,723 م2 من المسطح المائي (الجدول رقم 3).
2- تجاوزوا الترخيص
من بين المؤسسات والافراد الـ73 التي حصلت على ترخيص بأشغال مساحات من الاملاك العامة البحرية هناك 20 مؤسسة تجاوزت المساحة المرخص بها ووصلت المساحة المتجاوزة الى نحو232 ألف م2 ، في حين أن المساحة المرخصة بلغت 2.3 مليوني م2. (جدول رقم 5).
3- مخالفات تستوفي الشروط
يعتبر هذا النوع من المخالفات قابلاً للتسوية إذ قام به أصحاب عقارات متاخمة للأملاك العامة البحرية ويستوفي الشروط وفقاً لما هو محدد في المرسوم رقم 4810. ويبلغ عدد هذه المخالفات 26 مخالفة تصل مساحتها الإجمالية إلى 119,272 متراً (الجدول رقم 7).
4- مخالفات لا تستوفي الشروط
قام بهذه المخالفات أصحاب عقارات متاخمة للأملاك العامة البحرية إنما لا تستوفي الشروط المنصوص عنها في المرسوم رقم 4810. ويصل عدد هذه المخالفات إلى 431 مخالفة بمساحة تصل إلى نحو 1.5 مليون م2 (الجدول رقم 9).
5- مخالفات تتعدى على الملك العام والخاص
هي المخالفات التي قام بها أشخاص لا يملكون عقارات خاصة متاخمة للأملاك العامة البحرية، ما يعتبر تعدياً كبيراً وخطيراً على الأملاك العامة والخاصة على حد سواء وبلغ عدد هذه المخالفات 530 مخالفة بمساحة إجمالية وصلت إلى نحو 615 الف م2.

الايرادات المالية
هذه الإشغالات لمساحات كبيرة من الأملاك العامة البحرية سواء كانت مرخصة أم غير مرخصة لا تحقق منها الدولة الايرادات المالية التي تتوافق وقيمة الأراضي المشغولة، وذلك إما لعدم الجباية من الاشغالات المخالفة أو لأن الرسوم المفروضة على الاشغالات القانونية هي رسوم متدنية جداً، وهذا ما قد يعتبره البعض منطقياً فكيف يجب على الاشغالات المرخصة أن تدفع مبالغ للدولة في حين يمتنع اصحاب الاشغالات المخالفة عن الدفع، وذلك بانتظار قانون لتسوية أوضاعها (تقدر إيرادات التسويات بنحو 1 – 2 مليار دولار) كمعدل وسطي اذ ان تقديرات تجعل الرقم بحدود 500 مليون دولار وتقديرات أخرى بحدود 5 – 8 مليارات دولار. ويبدو أن هذا القانون قد لا يبصر النور في السنوات المقبلة، اذ مضى على انتهاء الحرب اكثر من 25 سنة ولم يصدر لأن أكثرية المعتدين على الأملاك العامة هم من النافذين أو من المدعومين.
وفي حين لم تلحظ أية إيرادات عن اشغالات الاملاك العامة البحرية في مشروع قانون موازنة سنة 2015 واستناداً إلى أرقام مشاريع موازنات الأعوام الماضية بلغ متوسط الإيرادات المتوقعة من هذه الاشغالات نحو 20 مليار ليرة، أما الايرادات الفعلية فكانت لا تزيد عن 1 – 2 ملياري ليرة سنوياً. في وقت تبحث الدولة عن ايرادات بفرض المزيد من الضرائب والرسوم أو زيادتها لتغطية النفقات المتسارعة لا سيما في موضوع الرواتب والأجور، تبقى مساحة نحو 5 ملايين م2 من الأملاك العامة البحرية مستباحة ومهدورة لمصلحة طبقة من السياسيين النافذين على حساب الدولة والمواطن.