IMLebanon

التعليم الثانوي الرسمي: تراجع في حصن الفقراء الأخير

 

School

 

 

راجع التسجيل في الثانويات الرسمية التي تعلم اللغة الفرنسية، وتحول التلامذة إلى الثانويات التي تدرس باللغة الإنكليزية. لقد فرضت لغة العصر نفسها على الثانويات الرسمية، وأصبح على وزارة التربية التعامل بما يتناسب مع التطور الجديد كي لا تصبح الثانويات التي تعلم الفرنسية فارغة من التلامذة بعد أعوام قليلة.

لم ينته التسجيل لكي يتم إحصاء التلامذة في كل ثانوية، لكن المؤشرات خرجت إلى العلن. ثبات تقريباً في أعداد تلامذة الانكليزية مقارنة بالأعوام الماضية. في ثانوية زاهية قدورة التي تعلم اللغتين الفرنسية والانكليزية، تراجع عدد التلامذة عن العام الماضي، كان العدد مئتين وخمسة وعشرين تلميذا وأصبح مئتين. في ثانوية العلامة صبحي المحمصاني (تعتمد اللغة الفرنسية) نقص عدد التلامذة اثنين وثلاثين تلميذا عن العام الماضي. في ثانوية رينيه معوض (الانكليزية) زاد العدد من مئتين وتسعين إلى ثلاثمئة تلميذ. في ثانوية العلامة عبدالله العلايلي (الانكليزية) زاد العدد قليلا، وفي ثانوية زهية سلمان (الانكليزية) أصبح العدد مئتين وخمسين تلميذاً في الشعب الانكليزية، وثمانين في الفرنسية. في ثانوية الغبيري الرسمية للبنات (فرنسي)، لم يتراجع العدد وبقي ستمئة تلميذة، وفي ثانوية الغبيري الثانية للبنات (انكليزي) بقي العدد سبعمئة وخمسين تلميذة. في ثانوية الأمير شكيب أرسلان حصل التراجع في تلامذة الفرنسية وزاد باللغة الانكليزية، ولدى المدرسة ثمانية وعشرين أستاذاً في الملاك وسبعة عشر أستاذاً متعاقداً.

تزايد أعداد المتعاقدين

الى ذلك تشهد الثانويات، أعداداً متزايدة من الأساتذة المتعاقدين، وقد تصبح المعادلة مقلوبة في حال استمر الأمر كما هو عليه: أساتذة الملاك أقلية والمتعاقدون اكثرية، مثلما تنقلب معادلة التعليم الرسمي والخاص، فيصبح تلامذة الخاص هم الأكثرية والرسمي أقلية.

وإذا كان من حق كل متخرج جامعي أن يجد عملا في بلده، فقد حولت الأحزاب والقوى السياسية التعاقد في التعليم الرسمي إلى واحد من مجالات تقديم الخدمة لمصلحة الولاء السياسي. ويقول رئيس لجنة المتعاقدين الثانويين حمزة منصور إنه يوجد حاليا أربعة آلاف متعاقد في المدارس الثانوية، مقابل خمسة آلاف وخمسمئة أستاذ ثانوي في الملاك تقريبا، مع العلم أن الذين يجري تثبيتهم هم أساسا من المتعاقدين وخضعوا لمباريات مجلس الخدمة المدنية، ودورة تدريب في كلية التربية. ويوضح منصور أن وزير التربية لم يوقع بعد على بدلات تعليم سبعمئة استاذ متعاقد عن العام الماضي، ولم تصدر بعد نتائج المباريات المفتوحة التي جرت للأساتذة المتعاقدين في تموز الماضي. وقد أجرى هؤلاء الأساتذة مباريات في مواد الرياضيات والفيزياء والجغرافيا والعلوم الاجتماعية والاقتصاد.

ولم تتضح ما هي خطة وزير التربية بالنسبة للمتعاقدين للعام الجاري، إذ هناك من يقول إنه سوف يوافق على متعاقدين جدد بعد حصر مسألة تعاقدهم به شخصياً.

تلامذة يتركون التعليم؟

يطرح عدد من مديري وأساتذة التعليم الثانوي اسئلة، تكاد تكون مصيرية بالنسبة للتعليم الثانوي، وهي أسئلة لا تجد من يجيب عنها، وإنما تبقى في إطار التخمين والتكهن. من بين تلك الأسئلة: أين يذهب التلامذة الذين لم يسجلوا للعام المدرسي الحالي؟

تقول مديرة إحدى المدارس الثانوية في بيروت إن عدم تسجيل عدد من التلامذة، قد لايعني انتقالهم إلى المدارس الخاصة، وإنما وجود تسرب مدرسي. وتعتبر أن الثقة اصبحت مفقودة بالمدرسة الرسمية بسبب الإضرابات على مدى عامين، والحديث عن حصول إضرابات هذا العام. يضاف إلى ذلك، التعاقد العشوائي الذي يسمح بوجود عدد من المتعاقدين من ذوي الكفاءات المتدنية، وغياب المشرفين والمنسقين في الثانويات، وسحب عدد من الأساتذة من ذوي الخبرة والكفاءة إلى مديرية الارشاد والتوجيه.

وتوضح المديرة أن رسم التسجيل في الثانوية الرسمية يبلغ مئتين وواحد وأربعين ألف ليرة، وهناك أهالي لايملكون حتى رسوم التسجيل، ويطلبون إعفاء أولادهم منها، بينما تحاول بعض المدارس إجراء حسومات على رسوم التسجيل، استناداً إلى الأموال المتوافرة في الصندوق المدرسي.

ومن المعروف أن الدول المانحة تدفع بدل رسوم التسجيل للتلامذة من الروضة حتى صف الشهادة المتوسطة (البريفيه)، من أجل دعم المدرسة الرسمية بسبب تعليم النازحين واللاجئين فيها، لكنها لا تدفع بدل رسوم التسجيل في الثانويات.

ويرد “الأستاذ ناصر”، وهو مدرس في مادة الفيزياء، الثبات التقريبي لتلامذة الثانوي إلى عاملين رئيسيين هما: ازدياد عدد المدارس في لبنان بشكل عام، وانخفاض عدد افراد الأسرة الواحدة. بالاضافة إلى اتخاذ عدد من المدارس الخاصة ذات المستوى المتوسط قرارا بتخفيض الأقساط المدرسية لجذب التلامذة إليها.

يريدون الامتحانات لا المعرفة

يشكل تراجع مستوى التعليم الثانوي مؤشرا شديد الخطورة، بعدما كانت الثانويات تعتبر الحصن الأخير لأبناء الفقراء من أجل الحصول على تعليم مقبول، ولن يفيد الكلام هنا عن نسب النجاح الكبرى في الامتحانات الرسمية لأنه كلام “لإخفاء الرأس في الرمال” مع تخفيض مستوى المسابقات و«الباريم» والتساهل بين التلامذة.

ويرى “الأستاذ ناصر” أن انخفاض مستوى التعليم لا يعود إلى الأساتذة فقط، وإنما إلى النظام العام الذي يضبط التعليم في المدرسة الرسمية، فغالبية أساتذة التعليم الثانوي الرسمي يدرسون في المدارس الخاصة من خلال التعاقد ومرحب بهم، لكن التلميذ في هذا العصر منهمك بمجموعة من المنبهات، في المدارس الخاصة توجد إحاطة له ورعاية من أجل ملء الثغرات الحاصلة لديه لأن تلك المدارس تتقاضى أقساطاً بدل التعليم، بينما الرقابة شبه مفقودة في التعليم الرسمي. مع ذلك، سوف يجد التلميذ، حسب الأستاذ ناصر، مع الطفرة الحاصلة في عدد الجامعات، اختصاصاً يناسبه، بعد تمرير الشهادة الرسمية.

بدوره يعتبر “الأستاذ أحمد” أن التعليم أصبح أشبه بتناول السندويش، لأن الهدف لم يعد البحث عن المعلومة، وإنما النجاح في الإمتحان. يريدون نتائج الامتحانات وليس المعرفة، لذلك يتم التركيز على المواد التي يمكن أن تأتي في الامتحانات الرسمية.

ويقول إن النهج الاستهلاكي نفسه يسري على المدارس الخاصة، لكن عددا من تلك المدارس لا يرضى إلا بالطلاب المجتهدين، أو طلاب يتعلمون فيها منذ الصغر، وهؤلاء من أولاد الميسورين الذين يتحولون في ما بعد إلى الفئة المسيطرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

ويؤكد “الأستاذ أحمد” على وجود طلاب مجتهدين في المدارس الثانوية الرسمية، لكنهم يتأثرون بدورهم بالجو العام، وفي النهاية يتبع التعليم نظام التقييم، فإذا كانت معايير التقييم عالية، تكون النتائج جيدة، وإذا كانت المعايير متدنية، تتدنى النتائج. ويوضح أنه يوجد أمام الطلاب في هذا العصر كم هائل من المعلومات، ولكنهم يحصلون عليها عشوائياً، فيصل الطالب إلى صف الشهادة الثانوية (البكالوريا) وهو يخطئ في الكتابة، كما يوجد أساتذة يعلمون بشكل خاطئ.

ومع أنه لدى وزارة التربية حاليا مديرية الارشاد والتوجيه، وقبلها التفتيش التربوي، فإن الهيئات الرقابية أو الارشادية غير فاعلة عمليا.. حتى إشعار آخر.