IMLebanon

التخمين العقاري .. “إستنسابية” وهدر للمال العام

LebanonRealEstate
حنان حمدان

تكاد لا تخلو معظم أروقة الإدارات العامة في لبنان من الفساد، بعد أن أصبحت مكاناً يقصده المنتفعين لتخليص المعاملات الرسمية بكافة الطرق والأساليب المشروعة منها وغير المشروعة. وتعتبر الدوائر العقارية، المكان الأكثر تجسيداً لمظاهر الفساد كالرشى والمحسوبيات في الإدارات العامة، إذ أصبحت مناطق نفوذ للإنتفاع الخاص، من قبل موظفين يقومون بتخمين القيمة البيعية للعقار بأدنى من سعرها الحقيقي وعلى أساسها تُجبى الرسوم، ما يشكل خرقاً للقانون وهدراً للمال العام.

فعلى الرغم من أن القانون قد جاء بنص صريح وواضح، يفيد بأن إحتساب قيمة الرسم العقاري المطلوب إستيفاؤه، يجب أن يستند الى القيمة التي ورد ذكرها في نص العقود، إلا أن موظفي الدوائر العقارية “قد تمّ منحهم” سلطة إستنسابية لتخمين القيمة البيعية للعقار. وعادة يتمّ إحتساب قيمة الرسوم العقارية التي يتوجب على المواطن دفعها عند تسجيل عقار أو نقل ملكية في الدوائر العقارية، بالإستناد إلى هذه التخمينات. وهناك إمكانية للطعن أمام القاضي العقاري للفصل في صحة القيمة البيعية إذا ما تم التشكيك فيها، وفق ما أكدته مصادر وزارة المال لـ”المدن”. ما يثير التساؤلات حول مصدر “الشرعية” التي إسمتد موظفو العقارية صلاحياتهم منها حصراً دون سواهم، ومن هو المخول إجراء الرقابة لمعرفة ما إذا أسيء إستخدامها، في حال وجود الخلل. ثم إلى متى سيبقى التخمين سلطة إستنسابية تعبق منه رائحة الرشى والمحسوبيات؟ ولماذا لا يتم وضع نظام تخمين موحد يلغي جميع أشكال الإحتكارات والرشى.

جميع تلك الأسئلة تبقى مشروعة في كل حديث يتم التطرق فيه إلى سير عمل الدوائر العقارية أو “مغارة أصحاب المصالح” كما يشبهها البعض، إلى حين إتخاذ إجراءات تنظيمية ورقابية فاعلة تكمل ما بدأته وزارة المال في الآونة الأخيرة، تحت عنوان “سلسلة الإصلاحات الإدارية”، والتي كان أهمها رفع الحصانة عن موظفي الشؤون العقارية، وإحالة العديد منهم الى التحقيق أمام النيابة العامة المالية بجرم هدر أموال عامة، وقبول رشوة وإساءة إستعمال السلطة، وقد شملت هذه الإجراءات أمناء السجل العقاري ومعاونيهم ومسؤولي المساحة وموظفين في الدوائر العقارية. ولم يعرف مصير هذه الإجراءات حتى الأن. فهل تمت محاكمة الموظفين الذين ثبتت إدانتهم، أم اقتصر الأمر على التحقيق معهم؟

من ناحية أخرى، يؤخذ على هذه الإصلاحات، أنها لم تتطرق إلى عمليات التخمين الحاصلة، والتي يفترض أن تكون موحدة في نظام تخمينات متكامل يمنع أي عمليات غش وفساد، خصوصاً وأن عمليات الإحتيال والتزوير قد طالت التصرف بأموال الدولة ومشاعاتها. فيما تسببت هذه العمليات في إضاعة الملايين التي يفترض أن تحصلها الخزينة العامة من الرسوم التي يدفعها المواطنون. فيما أعلنت وزارة المال سابقاً انه تم إدخال 84 مليار ليرة، الى الخزينة نتيجة إعادة النظر بتخمينات لأراض بأقل من أسعارها الحقيقية. ما يعني أن الأموال التي يمكن تحصيلها من تفعيل هذه الإجراءات يمكنها أن تنعكس إيجاباً على إيرادات الخزينة؟

لا يجزم الخبير الإقتصادي غالب أبو مصلح في إتصال مع “المدن”، بأن هذه الإجراءات ستنعكس إيجاباً على الخزينة العامة، إذ أن “التهرب من دفع الرسوم يقوم به عادة كبار المالكين وأصحاب روؤس الأموال والعقارات، الذين يشكلون أكثر من 35 في المئة من مالكي العقارات في لبنان ويمتلكون ملايين الأمتار المربعة، وهم يلجأون الى مختلف الوسائل غير مشروعة للتهرب من دفع الضرائب متجاهلين كل القوانين والأنظمة”، فيما “يقوم صغار المالكين بدفع الضرائب المترتبة عليهم، لصعوبة التلاعب بالقوانين من جانبهم”.

وبناء عليه فإن الإجراءات التي بدأت وزارة المال باتخاذها في أمانات السجل العقاري والمساحة تشكل بداية الدفع باتجاه المساءلة، والتي هي من أساسيات تنظيم هذا القطاع الحيوي وإصلاحه. ولكن تبقى المخاوف من عدم تطبيق المساءلة على أصحاب رؤوس الأموال الذين يتعاطون الشأن العقاري وبالتالي محاسبتهم.
والجدير ذكره، أن عدد أمانات السجل العقاري في لبنان يبلغ 9 أمانات، موزعة على مختلف محافظات وأقضية لبنان، ويتم تسديد رسوم المعاملات العقارية الصادرة عن أمانة السجل العقاري عبر صناديق وزارة المال أو عبر المصارف، ويختلف نوع الرسم ونسبته بين عملية وأخرى. فيما يعمل القاضي العقاري على تلقي الإعتراضات والمراجعات والبت بها وفق الأصول القانونية وضمن المهل المحددة.