IMLebanon

“حزب الله” في سوريا: إسرائيل حليف حليفي !

hezbollah-flag-assad

كتب علي رباح في صحيفة “المستقبل”:

يُظهر فيديو نُشر على موقع “يوتيوب” حواراً دار بين مقاتلي “حزب الله” والثوار السوريين في الزبداني خلال الهدنة. من مبنى الى مبنى مجاور، ومن خلف الجدران المهدّمة والمتاريس، يسأل احد الثوار مقاتلاً في الحزب عن سبب قدومه للقتال في سوريا. يجيبه الشاب اللبناني قائلاً، “نقاتل هنا لأنك تحارب خدمة لـ”المشروع الصهيوني”! قد يكون هذا المقاتل، الذي توهّم ان طريق القدس يمر في الزبداني، هو نفسه ممّن شاركوا في “غزوة” بيروت في 7 أيار. يومها، سوّغ “حزب الله” اجتياح بيروت والجبل بـ”محاربة عملاء اسرائيل”، وهو الشعار نفسه الذي رفعه الحوثيون في اليمن لتشريع حربهم على الرئيس عبد ربه منصور هادي وعلى القبائل اليمنية وعلى كل مكونات الشعب اليمني المناهضة لمشروعهم ولـ”الولي الفقيه”. فما هي حقيقة حرب محور المقاومة والممانعة على “المشروع الصهيوني”، التي اوقعت مئات آلاف القتلى من العرب ودمّرت بلداناً بأكملها، دون أن يهتزّ جفن “الصهاينة”؟

على الرغم من تزايد الحديث عن تنسيق روسي- اسرائيلي في سوريا، إلّا ان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، اكتفى، في لقائه التلفزيوني الأخير على شاشة “المنار”، بالإشارة الى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار موسكو لمعرفة آفاق التدخّل الروسي في الحرب السورية، لا أكثر ولا أقل. ماذا كان على السيّد أن يقول؟ هل يردّد، وهو صاحب مقولة “انظروا الى ما تقوله الصحف العبرية”، ما ورد في الصحافة الاسرائيلية والروسية، عن اتفاق يقضي بالتنسيق بين الروس والاسرائيليين في الميدان السوري؟ حتى ان المواقع الإخبارية التي تدور في فلك “حزب الله”، حاولت يومها التستّر على حقيقة الأمور، فخرجت لتتحدّث بسذاجة عن انتكاسة استراتيجية لإسرائيل بعد مجيء الروس! وراحت مواقع اخرى في خيالها الى حد القول “إن اشتباكاً جوّياً روسياً – إسرائيلياً حدث في اجواء قبرص”، تناقل على اثرها مناصرون للحزب الخبر وعَلت الهتافات والتكبيرات..”الله أكبر.. يعيش القيصر”!

ضخّ المعلومات الرسمية حول تدريبات جوية اسرائيلية – روسية لتنسيق التحليق فوق سوريا، وإطلاق “خط ساخن” بين مطار “حميميم” (الواقع قرب القرداحة) وبين القيادة الجوية الإسرائيلية، لم يُحرج “حزب الله” فحسب، بل أجبره على كشف اوراقه والتعامل بواقعية مع جديد التحالفات والاولويات والخنادق! هكذا تخلت “المنظومة الإعلامية” لـ”حزب الله” عن الخجل في نقل معلومات عن مصدر في غرفة عمليات الـ”4 +1” (روسيا وايران والعراق وسوريا + “حزب الله”)، تفيد بأن “حزب الله وسوريا مرتاحان للتدخّل الروسي، الذي منع اسرائيل من استهداف هذه القوى، وشكّل حصانة، ومنع تحرّش اسرائيل بالجبهة السورية، بعدما توصّلت موسكو لاتفاق مع تل ابيب على ان حلفاء روسيا لن يستهدفوا المناطق الحدودية، التي لن تكون منطلقاً لعمليات ضد اسرائيل (!) شرط الا تتدخل اسرائيل بمدفعيتها او طائراتها على ارض سوريا”. هكذا بالحرف والفاصلة والنقطة. ما يعني ان صفقة أُبرمت بين الطرفين، تقضي بأن يضمن محور المقاومة والممانعة أمن الحدود الاسرائيلية (شرطي الحدود)، مقابل ان تضمن اسرائيل عدم تعرّض هذا المحور لغاراتها!

لم يعد من الاهمية بمكان التحدّث عن ما هو مُعلن. ليس مهماً مساءلة “حزب الله” عن حربه على “المشروع الصهيوني” في سوريا بينما يحارب في غرفة عمليات (روسية-ايرانية-سورية) متّصلة مباشرة بإسرائيل! ليست المرة الاولى التي يتحالف فيها الحزب “موضعياً” مع اسرائيل. في السابق، وعقب دخوله الحرب السورية، نقل ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الاوسط، رسالة من نصرالله الى الاسرائيليين يتحدّث فيها عن مصلحته في ان تهدأ الجبهة الجنوبية. الأهم اليوم، هو الحديث عن شعور المقاتل الشاب في حزب الله، ممّن توهّم ان طريق القدس يمرّ في سوريا. ماذا يشعر هذا “المقاوم” عندما يستذكر الاساطير عن رعب اسرائيل من مناوراته باللحم السوري الحي؟ كيف لـ”رجال الله”، ممّن قيل لهم انهم قاب قوسين او ادنى من اقتحام الجليل، ان يقتنعوا بعد اليوم بأنهم يقاتلون المشروع الصهيوني في سوريا؟ بل أكثر من ذلك. ماذا سيقول نصرالله عن عمالة “14 آذار” لإسرائيل؟ هل سيخترع نعوتاً جديدة؟ هل ستصبح تهمة التكفير هي البديل الطبيعي عن تهمة العمالة لإسرائيل؟ ماذا سيقول السيّد لـ”شيعة السفارة”؟ هؤلاء الذين هُدِر دمهم لأنهم “خانوا المقاومة”؟

جمهور “حزب الله”، كل الجمهور، يعلم علم اليقين ان حرب السيّد في سوريا هي ليست على الإرهاب ولا حرباً على “المشروع الصهيرني”، بل هي، كما سرّبت المنظومة الإعلامية سابقاً على لسان نصرالله، “حرب على السعودية وتركيا وقطر”، ما يعني انها حرب مذهبية كاملة “وبلا مستحى” على مساحة الشرق الاوسط. في هذه الحرب، يوهم جمهور “حزب الله” ان الحياة الدنيا لا تسع له وللآخرين على أرض واحدة. فليمت “نصفهم او ثلاثة ارباعهم”، ليموت كل الآخرين. قد يمهد ذلك، ليكون مستقبل المنطقة شبيهاً بتاريخ اوروبا ما بين عامي 1914 و1946، قبل ان يستفيق السيّد على حقيقة، وهي ان تسويغ انشغاله بالحروب المذهبية الداخلية، وتحويل وجهة السلاح الى بني جلدته ..” ما كان حرزان”، لكن بعد ان يكون قد مات نصف السنة وثلاثة ارباع الشيعة!

أغلق “حزب الله” جبهة الجنوب عام 2006، ولم يبق من المقاومة إلا ثلاثية خشبية يتلطى بها لنشر قمصانه السود في 7 أيار وغيره. وحين ارسل مقاتليه الى سوريا، باع جمهوره الوهم بأنه ذهب الى هناك ليفتح جبهة بديلة في الجولان، وبأنه يجري مناورات باللحم السوري الحي ليُخيف اسرائيل، وبأن طريق القدس يمر بالزبداني. لم يمر وقت طويل حتى جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليفضح الحقيقة العارية. كان هناك من يسوّق في الايام الاولى لمجيء الروس ان في الامر انتكاسة لاسرائيل، قبل ان تبدأ صحف الممانعة قبل غيرها بكشف الخريطة الجديدة للتحالفات والاولويات والخنادق! هل هناك تعريف آخر للمتاجرة بـ”الشيعة” وبـ” فلسطين”؟!