IMLebanon

هل النسبية هي الأنسب للبنان؟

 

election

 

كتبت مي عبود أبي عقل في صحيفة “النهار”:

“قانون الانتخاب الذي يؤمن التمثيل الصحيح” هو عنوان المرحلة السياسية الراهنة التي يخوضها مختلف الأطراف السياسيين. وللتمثيل الصحيح بعدان:

1 – التمثيل الصحيح للطوائف الذي يطالب به المسيحيون، والذي يمكّنهم من اختيار نوابهم، تطبيقا لمبدأ المناصفة المنصوص عليها في الدستور.

2 – التمثيل الصحيح لمختلف التوجهات داخل كل طائفة، ما يكسر الأحادية واحتكار تمثيل فئة أو جهة واحدة للطائفة.

يتم التركيز السياسي والاعلامي منذ فترة على النظام الانتخابي النسبي كوسيلة فضلى لتحقيق التمثيل الصحيح المرجو. وفي التداول داخل مجلس النواب وخارجه، ولدى الأفرقاء السياسيين قوانين وصيَغ عدة تعتمد النسبية كنظام انتخابي، يكمن الاختلاف الاساسي بينها في تقسيمات الدوائر الانتخابية، ومن ابرزها التقسيمات على أساس: 13 دائرة الذي طرحته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، و15 دائرة الذي طرحه اخيرا العماد ميشال عون وقال انه نوقش في اجتماعات بكركي، والدائرة الواحدة الكبرى الذي يطالب به الرئيس نبيه بري و”حزب الله”، علما ان رئيس المجلس طرح أيضاً مشروعاً مختلطاً بين النسبية والاكثرية.

تعريف النسبية

النظام الانتخابي النسبي يهدف الى منح مختلف التوجهات السياسية عدداً معيناً من الممثلين في الندوة البرلمانية وفق نسبة الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات. هو نظام بسيط في مبدئه، وانّما معقّد في تطبيقه، يقوم على الاقتراع للوائح وليس لأشخاص، ويتمّ التصويت على أساس برامج وأحزاب وليس أشخاصاً، وتفوز كل لائحة بعدد من المقاعد يساوي النسبة المئوية التي تنالها من أصوات مجموع المقترعين.

وللنسبية ايجابيات أبرزها انها تسمح بتمثيل مختلف الاحزاب والتيارات السياسية داخل المجلس النيابي؛ اما أبرز سلبياتها فهي انها تؤدي، نتيجة تمثيل توجهات عدة، الى عدم امكان تكوين أكثرية واضحة لتحكم من دون اللجوء الى ائتلافات، ما يضع الحكومات غالباً تحت تسلط الأقلية التي شاركت في الائتلاف، والمثال على ذلك ازمات الحكم المتعددة في بعض البلدان التي تتبع النظام النسبي مثل ايطاليا وبلجيكا، وهي المشكلة ذاتها التي عاناها لبنان في حكومات الوفاق والوحدة والمصلحة الوطنية التي تتمثل فيها مختلف الجهات السياسية. فما الفائدة التي يمكن ان يجنيها لبنان من اعتماد النسبية، خصوصا ان نظامه قائم على الديموقراطية الطوائفية؟

الخبراء في العمليات الانتخابية يؤكّدون ان الحلقة الأساسية في أي قانون انتخابات في لبنان هي التقسيمات الادارية، فاذا كانت التقسيمات هي التي تتحكّم بالنظام النسبي، فبماذا سيختلف عن النظام الأكثري؟ واذا كان قانون النسبية مطلب الجميع، فعلام يختلفون إذاً؟ وهل التقسيمات الادارية في النظام الاكثري هي التي تتحكم بموضوع التمثيل الصحيح الذي يبدو انه مشكلة أيضاً في النظام النسبي؟

المطلب الاساسي في وضع قانون انتخاب اليوم هو ضمان التمثيل الصحيح، لا سيما بالنسبة الى المسيحيين، وهنا تبرز الخلافات بين الصيغ المتداولة والتي تتمحور على تقسيم الدوائر، مع الاشارة الى انه اذا بقيت التحالفات كما كانت في عام 2009 أي بين قوى “8 و 14 آذار” أمر، واذا كانت على اساس مذهبي وطائفي امر آخر. فما هي نقاط الاختلاف بين تقسيمات 13 و 15 دائرة؟

بيروت

وتقسم دائرتين، الأولى تضم الاشرفية – الرميل – المدور – المرفأ – الصيفي -، والثانية تضم رأس بيروت – عين المريسة – ميناء الحصن – زقاق البلاط- المزرعة- المصيطبة . وهناك صيغتان لتقسيم بيروت محورهما منطقة الباشورة التي قد تلحق بالدائرة الأولى أو بالدائرة الثانية. تضمّ الباشورة(1) نحو 25 ألف شيعي، و21 ألف سني، و6 آلاف مسيحي. فاذا أدخلت في الدائرة الاولى حيث الثقل المسيحي يعد نحو 120 ألف ناخب، تصبح الباشورة ذات الثقل السني والشيعي والأقلية المسيحية،عنصرا مقررا في هذه الدائرة كون مسلمي الباشورة يمثلون نحو 40% من المقترعين فيها وتكون لهم كفة الترجيح، في حين أن الدائرة الثانية تضم 167 ألف ناخب سني و39 ألف شيعي، وبالتالي تنحصر المعركة بين المسلمين. فكيف يحافظ على الدور المسيحي في هذا الاطار؟

بعبدا – المتن

الاختلاف الاساسي بين الصيغ المطروحة يكمن في جبل لبنان حيث الوجود المسيحي الاكبر. ففي صيغة الـ15 دائرة اعتبر المتن دائرة انتخابية، أما في صيغة الـ 13 فتمّ ضمّها الى منطقة بعبدا. ويعود الاعتراض على ضمّ المتن الى بعبدا نظرا لوجود 50 ألف صوت ماروني في المتن، و26 ألف أرمني ارثوذكسي، و4500 شيعي، و2881 سنياً، و2277 درزياً، في مقابل 82 ألف صوت مسيحي في بعبدا، و 26500 درزي، و36500 شيعي وعلوي، و9 آلاف سني. وقد أدى إضعاف الصوت المسيحي نتيجة ضمّ المتن الى بعبدا، الى مطالبة مسيحية باعتماد المتن دائرة انتخابية مستقلة.

عاليه – الشوف

في صيغة الـ 13 دائرة وضعت منطقتا عاليه والشوف معا، بينما صيغة الـ 15 دائرة اعتمد الشوف وحده دائرة انتخابية، وضمّت عاليه الى بعبدا. في الشوف يتساوى تقريبا عدد الموارنة (54 ألفاً) والسنّة (52 ألفاً) والدروز (58 ألفاً)، وبالتالي يوجد توازن معيّن. لكن في حال ضمّ عاليه الى الشوف تصبح الارجحية للصوت الدرزي، ما ادّى الى فصل الشوف عن عاليه في صيغة الـ 15 دائرة، وهذا ما قد لا يطمئن الحزب التقدمي الاشتراكي اليه.

كسروان – جبيل

في كل الصيغ المقترحة اعتمدت هذه المنطقة دائرة واحدة، لكن تجدر الاشارة الى ان غالبية أهالي منطقة كسروان هم من الموارنة، وتعد نحو 87 ألف مسيحي، و1500 شيعي، أما جبيل فتضم 59 ألف مسيحي و15 ألف شيعي وعلوي. وبالتالي الصوت الشيعي الذي كان وازنا في جبيل سيعطى وزناً في اختيار نواب كسروان الموارنة الخمسة. وقد يتمّ الاعتراض على هذا التقسيم في مرحلة ما تحت عنوان التمثيل الصحيح للمسيحيين.

الجنوب

في قانون الـ 13 دائرة قُسّم الجنوب دائرتين: جزين – صيدا- صور- الزهراني، وبنت جبيل – النبطية- مرجعيون – حاصبيا، أما في صيغة الـ 15 دائرة فقسم 3 دوائر: صيدا – الزهراني – جزين، وصور – بنت جبيل، والنبطية – مرجعيون – حاصبيا.

في صيدا يوجد 47 ألف ناخب سني يمثلون غالبية المقترعين، اضافة الى 5 آلاف شيعة وعلوي، و4 آلاف مسيحي. في الزهراني يوجد 24 ألف ناخب مسيحي، و70500 شيعة وعلويون، و2800 سني. أما جزين فتضمّ 42500 ألف ناخب مسيحي، 11 ألف شيعي وعلوي، وألف ناخب سني.

قد تكون لـ”تيار المستقبل” ملاحظات لا بل اعتراض على الصيغتين معا، لعدم كون الصوت السني مقرراً في أي منهما.

النسبية على اساس الدائرة الواحدة

واضح من الصيغ المقترحة، أنهّ لتأمين تمثيل أفضل للمسيحيين في قانون الـ 15 دائرة، تمّ اللجوء الى تقسيم أصغر لبعض الدوائر، لا سيما في المناطق التي يتركّز فيها الوجود المسيحي. وفي هذا السياق، يصحّ التساؤل عما اذا كان اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة سيضمن المطلب الأساس للقادة المسيحيين اليوم. فالنسبية تعطي الأحزاب أو المجموعات تمثيلا يتناسب مع حجمها، وفي حال اعتماد الدائرة الواحدة الكبرى، سيكون لعامل الديموغرافيا اللبنانية حيث الاكثرية مسلمة، التأثير الاساس في اختيار النواب المسيحيين، ولن يكون الصوت المسيحي بمستوى فاعلية الصوت المسلم الذي ستكون له الارجحية، واحيانا القرار، في كل لبنان.

استنتاجات

1 – على المستوى التقني، لا يكفي ان نقول نسبيّة، بل يجب أن نحدد عن أي نسبية نتكلّم؟ النظام النسبي سهل في مبدئه ولكنه معقّد في تطبيقه، وبالتالي ينبغي التنبّه الى عدم السماح للشيطان بأن يكمن في التفاصيل كما هو حاصل اليوم في ظل اختلاف القوى السياسية اللبنانية حول عدد من الصيغ التي تعتمد النسبية. ولتحديد اي نسبيّة نريد، من الضروري تحديد الأهداف المرجوة من اعتمادها.

2 – لا يكفي ان نقول نسبية لكي نضمن صحة التمثيل في نظام كالنظام اللبناني قائم على تعايش عدد من الطوائف والمكونات، وما اختلاف الاطراف السياسيين تحت عنوان التمثيل الصحيح حول الصيغ المطروحة لتقسيمات الدوائر الانتخابية الا إثبات لذلك.

3 – انّ تقويم أي قانون انتخاب في لبنان من حيث تأمينه التمثيل الصحيح يجب أن يمرّ باختبارين:

مدى تأمينه التمثيل الصحيح لمختلف المكوّنات، وهو المطلب الذي يرفع لواءه المسيحيون اليوم والذي لم تناقَش أو تُنكر مشروعيّته من أي جهة. يبدو واضحا، أنّ النسبية في ذاتها لا تكفي لتأمين هذا المطلب، وبالتالي لضمان التمثيل الصحيح في بعده هذا. وخير دليل على ذلك كما سبق وأشرنا، الاختلاف على مستوى تقسيم الدوائر بين مختلف الصيغ المقترحة. وبالتالي، من الواضح أنّ لتقسيم الدوائر الانتخابية، والذي يؤدي فيه العامل الطائفي والديموغرافي دوراً حاسماً، دوراً أساسياً في تأمين هذا التمثيل الصحيح.

ومدى تأمينه تمثيل مختلف التوجّهات ضمن هذه المكوّنات، وتالياً الغاء الأحادية في التمثيل وتعزيز الديموقراطية بموازاة المحافظة على التنوّع الطائفي الذي يتميّز به لبنان. ولاعتماد النسبية في هذا الاطار دور كبير وفائدة واضحة لجهة تأمين التنوّع في التمثيل لا يمكن تجاهلها.

(1) الارقام الواردة وفقا لاحصاءات غير رسمية عام 2011.