IMLebanon

آخر جرس إنذار قبل معاقبة لبنان دولياً وعزله عن النظام المصرفي العالمي

parliament

 

موريس متى

تفتح أبواب مجلس النواب هذا الاسبوع وتتجدد معها الآمال بإقرار قوانين ملحة وضرورية للحفاظ على ما تبقى لهذا البلد من سمعة وثقة أمام المجتمع الدولي، وحماية قطاعه المصرفي والمالي من انهيار قد يكون محتماً في حال فشل هذه الجلسة التشريعية، التي يحمل رئيسها نبيه بري، جدول أعمال يضم، بعد إضافة القوانين والمشاريع التي تم ترحيلها من جلسات تشريعية سابقة، 38 مشروعاً واقتراح قانون، معظمها مالي.

شارك لبنان في أعمال مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم “داعش”، ومشروع مجموعة “إغمونت” لوحدات الإخبار المالي عن “داعش”، بالاضافة الى التزامه تسريع تبادل المعلومات بين الجهات المختصة في ما يتعلق بقضايا هذا التنظيم. ولكن يبدو أن جميع الخطوات التي اتخذها لبنان قد لا تبعد عنه كأساً مرّة قد يواجهها في الاسابيع المقبلة، في حال عدم إقرار مجلس النواب لسلسلة تشريعات ضرورية، ومعاهدة الامم المتحدة.
عقدت لجنة العمل المالي “غافي” اجتماعها الدوري في منتصف تشرين الأول الماضي، وبحثت خلاله في كل ملفات الدول التي لم تقر بعد القوانين والتشريعات المطلوبة بما يتعلق بعملية تجفيف مصادر تمويل الارهاب وتبييض الاموال. لبنان شارك في هذه الاجتماعات بصفته عضوا مؤسسا في مجموعة MENAFATF وهي مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتم الاتفاق على انشائها عام 2004 وهي تتكوّن من غالبية الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما تحظى دول اخرى ومنظمات اقتصادية دولية بصفة مراقب مع وجود السكرتارية في البحرين. خلال هذا الاجتماع، اتخذ قرار إدراج لبنان في لائحة الدول غير المتعاونة في ما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال. يومها، تدخل حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف على الخط بشكل طارئ، لشرح أسباب هذا التأخير الناتج من الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد وأدت تالياً الى تعطيل العمل التشريعي فيه. بعد سلسلة مراسلات، تمكنت السلطات النقدية والمصرفية اللبنانية من الحصول على تمديد جديد، وللمرة الاخيرة، للمدة التي يجب أن يقر فيها لبنان، التشريعات المطلوبة، وتحدد تاريخ 31/12/2015، تاريخا نهائيا لإتمام هذه المهمة. بعد انتزاع هذه المهمة الجديدة بصعوبة، عقد حاكم مصرف لبنان سلسلة اجتماعات شاركت فيها جمعية المصارف، وتم الاتفاق خلالها على إجراء لقاءات مع المسؤولين السياسيين ورؤساء الكتل لحثهم على التعجيل في إقرار القوانين، بهدف تفادي وقوع الكارثة.

لقاءات ماراتونية
التشريع أصبح ضرورة أساسية لكي يبقى لبنان منخرطاً في العولمة المالية، وحتى لا يتم إدراجه ضمن لائحة الدول غير المتعاونة. قرع سلامة جرس الانذار في نهاية الاسبوع المنصرم، من عين التينة والسرايا بعد لقائه الرئيسين بري وتمام سلام، مؤكدا ضرورة كسر الجمود السياسي الذي يُلحق ضرراً بالاقتصاد، وإنجاح الجلسة التشريعية عبر إقرار القوانين المصرفية والمالية المطروحة. وتزامنت لقاءات سلامة مع اجتماعات عقدها مجلس إدارة جمعية المصارف برئاسة الدكتور جوزف طربيه، مع قيادات حزبية وسياسية، لمطالبتها بإنجاح الجلسة وامرار القوانين المصرفية وهي: مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 7982 المتعلق بالتصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8002 المتعلق بتبادل المعلومات الضريبية، ومشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 8200 والخاص بتعديل القانون رقم 318 تاريخ 20/4/2001 لمكافحة تبييض الأموال.

إقرار المعاهدة إلزامي
رغم خطورة إمكان عدم إقرار القوانين الثلاثة المدرجة في جدول أعمال الجلسة، يبقى الخطر الاكبر في عدم إقرار الهيئة العامة موافقة لبنان على الانضمام الى المعاهدة الدولية لتجفيف مصادر تمويل الارهاب التي أقرتها الامم المتحدة يوم 9 كانون الاول 1999 وحملت الرقم 109/54،
(International Convention for the Suppression of the Financing of Terrorism).
هذه المعاهدة جاهزة منذ أشهر في أدراج مجلس النواب، ولم تقر حتى اليوم نتيجة الخلافات التي تدور بين الافرقاء السياسيين حول تعريف مفهوم “الارهاب”، فيما يبقى لبنان والصومال فقط بين الدول العربية التي لم تصادق على المعاهدة بعد.
عند اعلان جدول أعمال الجلسة التشريعية، كان لافتا عدم إدراج بند امرارها، ما إستدعى، بحسب ما علمت “النهار”، استنفاراً لبعض النواب وأركان القطاع المصرفي، على رأسهم حاكمية مصرف لبنان، لإيجاد حل للمشكلة. وفي هذا السياق، عُلم ان نوابا تقدموا في نهاية الاسبوع الماضي بمشروع قانون معجل مكرر يرمي الى إدراج هذه المعاهدة ضمن ملحق للجدول الاساسي، وهذا ما تم فعلاً.

هكذا سيعاقب لبنان
عدم إقرار هذه المعاهدة يعني حكما إنزال أشد العقوبات الاقتصادية والمالية في حق لبنان وعلى رأسها عزله عن النظام المالي العالمي، وتاليا منع مصارفه من التعامل مع المصارف المراسلة، كما يؤدي الى وقف كل العمليات المالية المتعلقة بالعملات الاجنبية وبالعمليات مع الخارج. وفي حال عدم إقرار هذه التشريعات يصبح لبنان، في نهاية السنة الجارية، الدولة الوحيدة مع جزر القمر خارج الشرعية المالية الدولية، ما يعرضه لخطر انقطاع تحويلات المغتربين، ووقف عمليات التصدير والاستيراد منه واليه، ووقف التعامل مع مصارفه، وتالياً جفاف سيولتها. كل هذه الأمور لا يستطيع بلد في العالم تحملها، وهذه اقصى عقوبة اقتصادية تقع على بلدان تفرض عليها عقوبات اقتصادية.
طبعا، إقرار هذه التشريعات ضروري أيضا لما يتعلق بمدى التزام لبنان قرار مجلس الأمن الدولي 2199 الخاص بمكافحة “داعش” و”النصرة” عبر تبادل المعلومات مع الجهات الإقليمية والدولية. مع التذكير بأن مجموعة “إغمونت”، وهي منتدى دولي لوحدات المعلومات المالية، ولبنان عضو فيها، قررت انشاء مشروع لتبادل المعلومات المتعلقة بـ”داعش” بهدف تحديد وتعقب الوجوه المالية للإرهابيين المحتملين ووسائل تمويلهم.
باختصار، في القاعدة الشرعية الضرورات تجيز المحظورات، ولبنان في حاجة ماسة الى هذه القوانين والى امرار المعاهدة، لتبقى التحاويل سهلة منه واليه، وليبقى من فيه قادراً على استعمال العملات الاجنبية، ومنخرطا في النظام المالي والمصرفي العالمي.