IMLebanon

“الثنائي الماروني” يصدّع التحالفات

geagea-aoun-rabieh

 

كتب المحرر السياسي في صحيفة “السفير”:

بالنكايات والمكايدات السياسية، يؤخذ لبنان اليوم إلى حقبة كان يفترض أنه قد طواها قبل ربع قرن من الزمن، بكل ما تضمنته من موت وجروح وآلام وتهجير ودمار وصفحات حالكة السواد..

في الشارع المسيحي، تنبري تعبئة سياسية غير مسبوقة، موجهة بالدرجة الأولى ضد كل من يشارك في جلسة مجلس النواب غداً. أي أنها موجهة ضد النواب المسلمين الذين توافقت مرجعياتهم فجأة، ومن خارج سياق الاشتباك الإقليمي المفتوح، على «تشريع الضرورة»، وكل من يقف معهم من النواب المسيحيين الذين سيصار إلى تصنيفهم بدءاً من جلسة الخميس بين «ابن ست» و «ابن جارية»!

وللمرة الأولى منذ اتفاق الطائف، يجري الحديث عن «هبّة شعبية مسيحية» ستترجم غداً بإضراب شامل من كفرشــيما حتى المدفون، ولا بأس أن تمتد إلى «الحواضر المسيحية» في زحلة وجزين، مع ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات «النزول العفوي» إلى الشارع!

فهل كان على اللبنانيين أن يحتفلوا في نيسان الماضي بمرور ربع قرن على طي حروبهم الأهلية أم كان عليهم أن يحتفلوا بقدرتهم على تكرار أخطاء الماضي التي تجرّ بلدهم إلى الفتنة بكل مسـمياتها البشـعة؟

من يطالب بوضع القانون الانتخابي على جدول الأعمال النيابي، ومن يرفض، مقتنع كل الاقتناع أن القانون لن يمر. في أحسن الأحوال، ثمة شبهة موجودة ليس عند الرئيس نبيه بري وحده، بل حتى عند حلفائه، من أن التسرّع قد يؤدي الى تمرير القانون المتفاهم عليه بين «القوات» و «المستقبل» و «الاشتراكي»، بدليل أن سمير جعجع جاهر صراحة بأننا أمام مشروعين لا ثالث لهما حتى الآن، أي هذا المشروع والثاني المقدّم من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

اذاً نحن أمام حفلة مزايدات سياسية مغلّفة بعناوين ميثاقية ودستورية ووطنية وطائفية وتحديداً مسيحية، لكن المضمون لا علاقة له بأي من هذه المسميات.

لم يكن «حزب الله» مضطراً لانتظار جلسة الغد، حتى يحاول إصلاح ذات البين بين حليفيه اللذين لا يريد أن يخرج منهما. الحزب يدرك منذ زمن بعيد أن الأمور تتراكم والخلافات تتعمق وما يزيد الطين بلة عدم وجود حد أدنى من الكيمياء الشخصية بين الرئيس بري والعماد ميشال عون. لذلك، كان لا بد أن تنفجر علاقتهما المفخخة بعشرات الملفات المفتوحة على مصراعيها منذ عشر سنوات حتى الآن.

ولم يكن «تيار المستقبل» بحاجة لاختبار سمير جعجع مجدداً حتى يكتشف أن الرجل وضع لنفسه «أجندة» يريد من خلالها أن يجعله تحالفه مع الرئيس سعد الحريري على الصورة التي يشتهيها لنفسه، وهي صورة طبق الأصل عن علاقة العماد عون بالسيد حسن نصرالله.

«المستقبل» يرد على جعجع

منذ لحظة مبايعة جعجع لـ«القانون الأرثوذكسي»، بدأت الهوة تتسع بينه وبين الحريرية السياسية. كلام «الحكيم» الأخير الذي يطالب به سعد الحريري بأن يقتدي بوالده الشهيد، سرعان ما استوجب «رداً ناعماً» في افتتاحية جريدة «المستقبل»، أمس، عبر القول له: «مصيب تماماً من يراهن على حكمة الرئيس نبيه بري، مثلما هو مصيب في رهانه على تمسك الرئيس سعد الحريري بإرث والده الشهيد رفيق الحريري، لأن مقتضيات الحكمة عندهما تقضي بعدم التفريط في اقتصاد لبنان واستقراره النقدي ولقمة عيش أبنائه بحجة وجود أزمة سياسية كبرى لا أحد قادر على حلّها وحده».

ولولا تدخلات سعد الحريري ومعاونه السياسي نادر الحريري، لانبرى أكثر من نائب في «المستقبل» أو من حلفاء التيار للرد على معراب، ومن أبرز هؤلاء نائب رئيس المجلس فريد مكاري الذي شعر بمهانة كبيرة من مواقف جعجع، وكاد يقول في تعليقه أمس كلاماً أقسى، لولا إلحاح «بيت الوسط» عليه بوجوب عدم تكبير الأزمة مع «القوات».

يقود هذا الواقع للاستنتاج أننا أمام تداعيات كبيرة على مستوى بنيتي «8 آذار» و «14 آذار»، لعل مصدرها الأساس هو «إعلان النيات». بين «الجنرال» عصبيته مسيحياً على رزمة من الشعارات، افتقد أولها بانفتاحه على «حزب الله» وسوريا وخسر آخرها بالذهاب نحو مشروع حلف إستراتيجي مع «القوات».. وما أدراك ما كان تاريخ العلاقة بين هذين المكونين المسيحيين.

اكتشف الرجلان أنهما قادران على الاستفادة من تغيير قواعد اللعبة من دون أن يخلا بتموضعهما السياسي الأساسي. فقد تقبل «حزب الله» الفكرة على مضض، على جاري عادته بعدم معاندته «الحليف العنيد»، لا بل استعداده الدائم لـ «تدليعه» على حساب المصالح والحساسيات والتحالفات والصداقات اللبنانية، طالما أن «الجنرال» يتبنى خيارات الحزب الإستراتيجية، وآخرها انخراطه في الحرب السورية.

جعجع يطمح الى الندية

غير ان المعادلة عند جعجع كانت أصعب، ذلك أن نظرة «المستقبل» إليه فيها الكثير من الدونية، لا بل هم يعتبرون أنه لولا دماء رفيق الحريري لما خرج الرجل من الحبس ولما أعاد تجميع صفوفه، ولولا المال الحريري لما استطاع إيصال نائب واحد إلى الندوة النيابية. هذه المعادلة جعلت «التيار الأزرق» يترحّم على كل قرش دفعه، وعلى كل جهد بذله، لتوسيع مروحة علاقات حليفه المسيحي الأول وتكبير حجمه النيابي.

في المقابل، يريد جعجع معاملة ندية. أن يكون «ميشال عون 14 آذار»، وهذه قضية جعلته يضرب عصفورين بحجر واحد: أولاً، التركيز على القانون الانتخابي وصولا إلى احتمال خوض الانتخابات بلوائح موحدة مع «التيار الوطني الحر» في كل لبنان. ثانياً، الانفتاح على ميشال عون انطلاقاً من قناعة مفادها أنه الوحيد القادر على وراثته مسيحياً، في ظل واقع التشظّي داخل «البيت البرتقالي». ومن هنا، جاءت الاندفاعة ليس باتجاه «إعلان النيات»، بل محاولة الالتصاق أكثر فأكثر بالقواعد العونية وخصوصا الشباب والطلاب لأن المستقبل سيكون له وليس لغيره من الزعماء المسيحيين.

عندها يصبح مطلب التحالف محكوماً بقواعد مختلفة. لا تختلف عندها نظرة «المستقبل» إليه فقط، بل حتى تتغير رؤية «حزب الله» إليه أيضاً، ويكون لزاماً على الأخير أن يعيد النظر بقرار الابتعاد عن «القوات»، التي لطالما حاولت أن تقترب منه، إلى حد أنها صارت في مناسبات كثيرة تستجدي موعداً على المستوى النيابي أو الوزاري!

عون وباسيل.. وفوائد التحالف مع «القوات»

أما في «التيار الوطني الحر»، فثمة مناخ عام آخذ بالتصاعد يميل أكثر فأكثر إلى تطوير العلاقة مع «القوات». «الجنرال» نفسه، لم يغادر مربّع الرئاسة، وهو يعتقد أنه بمقدوره أن يغري خصمه المسيحي بفوائد التحالف، بشكل يجعل فرصة تبنّيه ممكنة، وهذا الأمر يسحب حجة سعد الحريري عندما نصحه منذ اللقاء الأوروبي قبل سنتين بأن يسعى لإقناع مكونات «14 آذار» بترشيحه وخصوصاً «القوات» و «الكتائب».

لا يقتصر الأمر على «الجنرال». جبران باسيل نفسه، وهو رئيس «التيار الحر» والممسك بمفاصل البيت الداخلي، لن يجد فرصة للوصول إلى الندوة النيابية إلا عن طريق تقاسم المقعدين المارونيين في البترون مع «القوات» على حساب بطرس حرب..

الأمر نفسه يسري على دوائر كثيرة، والنتيجة ستكون تكبير حجم كتلة عون النيابية.. وحتما لن يقبل رئيس «القوات» بكتلة أقل من ضعفي وزنه النيابي الحالي.. والأمثلة كثيرة من البترون والكورة وبشري وكل الأقضية المسيحية وصولا إلى جزين.

بطبيعة الحال، تستشعر «الكتائب» بالخطر الوجودي، لأن «الثنائي الماروني» الجديد سيكون على صورة «الثنائي الشيعي» قادرا على الإطباق على معظم الدوائر المسيحية، تبعاً للقانون الانتخابي الجديد.

ولا يمكن تفسير التقارب المتصاعد بين زعيم «المردة» سليمان فرنجية ورئيس «الكتائب» سامي الجميل إلا من باب الاحتجاج الضمني على ما يجري من تحول مسيحي غير مسبوق.. ومن توطيد لأواصر العلاقة بين «التيار» و «القوات». الفارق بين بنشعي وبكفيا أن فرنجية يلعب «على المكشوف». أوراق الزعيم الماروني الشمالي كلها بالسياسة عند حليفيه الإستراتيجيين: الرئيس بشار الأسد والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله. اذا ربحا أو خسرا.. هو شريكهما حتما في هذه أو تلك، وبلا ساعة مندم.

أما سامي الجميل، فمشكلته متعددة الأبعاد من الإرث الحزبي الثقيل الى العلاقة المشوّهة مع حليفه المسلم في «14 آذار».. وصولاً إلى ترحّم «8 آذار» على كل من سبقوه الى الزعامة في الصيفي وبكفيا!

الكل بحاجة إلى قارب للنجاة.. الجلسة التشريعية ستعقد حتماً سواء يوم غد أو بعد أسبوع. القانون الانتخابي لا بد أن يدرج على جدول الأعمال. لا مصلحة لأحد بكسر الرئيس نبيه بري أو باستثارة الشارع المسيحي. الرئيس سعد الحريري «على الخط» مع رئيس المجلس. السيد حسن نصرالله سيقول كلاماً استثنائياً اليوم. سليمان فرنجية قد يرمي اقتراحاً في مقابلته المقررة الليلة مع الزميل وليد عبود عبر شاشة «أم تي في»، ومن يعرف الرئيس نبيه بري يدرك أنه من الصنف الذي يكسب في لعبة الهجوم والدفاع.. وحماية البلد.

غير ذلك، سيترحم اللبنانيون على زمن غازي كنعان ورستم غزالة.