IMLebanon

تضارب الأرقام الإحصائية.. يجرّدها من “الثقة”

Supermarket2
عزة الحاج حسن

تتفاوت الأرقام التقديرية لمستويات أسعار السلع والخدمات ونسب النمو والتضخم وغيرها من المؤشرات المعيشية والإقتصادية، بين المؤسسات والشركات الإحصائية والجمعيات التي تعنى بحماية المستهلك والشأن الإقتصادي العام، حتى أن “مشهد الأرقام” يبدو في بعض الأحيان أشبه بـ”حفلة زجل” إحصائية، ويوحي تفاوتها بعشوائية وضعها، فكيف تتم العمليات الإحصائية في لبنان ومن يراقب دقتها؟

يتقدّم ملف أسعار المواد الإستهلاكية والخدماتية على غيره من الملفات التي تخضع لإحصاءات دورية ومن قبل جهات عديدة، وينال حصة الأسد من الإختلافات بالأرقام الناتجة من إحصاءاته، ولا تقتصر الإختلافات بين الجهات الرسمية والخاصة على الأرقام فحسب، بل على طريقة إجراء الإحصاء، والرؤية العامة له وللمنتجات التي يمكن إدراجها في السجلات الإحصائية.
وللتعاطي مع ملف الأسعار الإستهلاكية تبرز العديد من وجهات النظر، أهمها بين جمعية حماية المستهلك (غير رسمية) ومديرية الإحصاء المركزي (رسمية). فالجمعية ترى أنه من الضروري بناء نسبة تطور أسعار المواد الإستهلاكية والخدمات، وفقاً لتغير أسعار السلع والخدمات التي تشكّل “حاجة يومية” بالنسبة الى العائلات اللبنانية، وليس السلع والخدمات ذات الطابع الترفي أو غير الضروري. ويتراوح عدد السلع والخدمات الأساسية اليومية بحسب ما يقوله رئيس الجمعية زهير برو، لـ “المدن”، بين 140 و160 سلعة، وهي ما ترصد الجمعية تطور أسعارها على مدار الفصل (كل ثلاثة أشهر) وفي مختلف المناطق اللبنانية ومختلف أحياء العاصمة بيروت وضواحيها. ويؤكد برو على “دقة وشفافية الأرقام التي يتم إطلاقها كنتيجة نهائية لنسبة تغيّر الأسعار”.
في المقابل، تتركز نظرية المديرية حول اعتبار “مؤشر الأسعار” عملية متكاملة تتم على السلع والخدمات كافة دون استثناء، ووفق حديث مديرة الإحصاء المركزي ميرال توتليان لـ”المدن”، فإن مديرية الإحصاء هي الوحيدة المخولة تحديد مؤشر الأسعار، نافية وجود أي أرقام موثوقة كتلك التي تصدرها المديرية، “لأن طريقة عملنا تتوافق وطرق الإحصاء الدولية وتعتمد أعلى معايير الدقة والشفافية وتتم بمراقبة ومتابعة صندوق النقد الدولي، وبالتالي فالأرقام التي نخرج بها شهرياً أو سنوياً عن مؤشر الأسعار هي أرقام نهائية لا مجال للشك فيها من قبل أي كان”.
إذاً لماذا تتفاوت نتائج “مؤشر الأسعار” بين الطرفين؟ لاسيما أن التفاوت غالباً ما يكون كبيراً، ويأخذ على الدوام شكل الإرتفاعات الكبيرة بالنسبة الى أرقام جمعية حماية المستهلك، والإنخفاضات أو الإرتفاعات الطفيفة بالنسبة الى مديرية الإحصاء المركزي.
أرقام “مؤشر الأسعار” التي تصدرها مديرية الإحصاء هي بالنسبة الى جمعية حماية المستهلك “أرقام وإحصاءات مشكوك فيها، نظراً الى تسييس عمل المديرية ومراعاتها للسياسات الحكومية، وبالتالي فقدانها ثقة الجمهور”، بحسب برو، الذي يستغرب اعتماد إحصاءات المديرية على المنتجات الإستهلاكية والخدمات كافة بما فيها السيكار، والحلويات الفاخرة، وأسعار السيارات وتعرفات الفنادق والمطاعم وغيرها من المنتجات والخدمات التي لا يستخدمها غالبية اللبنانيين ولا قدرة لديهم على استخدامها بشكل يومي، مصراً على اعتبار مؤشر الأسعار هو نسبة تغير أسعار السلع المستخدمة بشكل يومي فقط لا سيما أنها تحتل نحو 40% من مدخول الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، فيما تحتل نحو 2% فقط من دخل الأسر الغنية.
أما أرقام جمعية حماية المستهلك فهي بالنسبة الى توتليان كغيرها من الأرقام الصادرة عن جمعيات خاصة غير موثوقة، لأنها لا تراعي الطرق العلمية للإحصاء ولا تصدر عن جهة رسمية.
أمام هاتين النظريتين وما تتسببان فيه من فوضى في تحديد النسب الحقيقية لارتفاع الأسعار ومؤشر الأسعار بشكل دوري، يميل المواطنون الى الثقة بالأرقام التي “تشبه واقعهم المعيشي” وتنسجم مع مواكبتهم العملية لتطور الأسعارالإستهلاكية، التي تتجه على الدوام الى الإرتفاع، فلا يمكن للمواطن اللبناني أن يعتبر “نسبة ارتفاع الأسعار نحو 0.2%” رقما موثوقاً في حين انه يتكبّد مبالغ مضاعفة لسد حاجاته اليومية، ومرد ذلك بحسب توتليان هو انعدام الثقافة الإحصائية لدى الجمهور، وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين وليس عدم دقة الأرقام الإحصائية، أما بحسب برو فمرد ذلك هو عدم فصل السلع والخدمات ذات الحاجة اليومية عن سواها من السلع والخدمات الثانوية.
انطلاقاً من عدم وجود مرجع إحصائي ذات ثقة “جامعة”، وفي غياب أي تواصل بين الأطراف المختلفة على أسس الأرقام، وفي ظل عدم إبداء وزارة الإقتصاد أي اهتمام بموضوع الشرخ بالأرقام الإحصائية، لاسيما تلك المتعلقة بمؤشر الأسعار والغلاء، يصبح الحديث عن احتمالات التغطية على حصول غلاء وارداً.