IMLebanon

“الأخضر” سمة تحويلات المغتربين

Money-Transfer
عزة الحاج حسن

7.49 مليارات دولار هو الحجم التقديري “المُعلن” لتحويلات المغتربين اللبنانيين الى بلدهم، وهو الرقم الذي احتل الحيّز الأكبر من نقاشات وهواجس المصرفيين والقيّمين على الوضع الإقتصادي في لبنان هذا العام، وفيما أعرب البعض عن رضاه عن “استقرار” حجم التحويلات بالمقارنة مع العام 2014، حذّر البعض الآخر من تراجع أموال المغتربين عما كانت عليه في السنوات السابقة، وذهب آخرون الى التحذير من استمرار تراجع حجم التحويلات لما له من انعكاسات خطرة على الإقتصاد اللبناني.

المواقف والتحليلات المختلفة والمرتبطة بحجم تحويلات المغتربين، مهما كان توجهها، لا بد وأن تلتقي جميعها على أن تحويلات المغتربين اللبنانيين تُعدّ مصدراً أساسياً للدخل القومي اللبناني، وتعد من المؤشرات “الخضراء” في معظم الأحيان، في مقابل تراجع غالبية المؤشرات الإقتصادية واتسامها باللون الأحمر. فاللون الأخضر يشير إلى الإرتفاع في جداول المؤشرات المالية، أما الحمراء فتدل إلى انخفاض.
ولكن ماذا عن تذبذب مؤشر تحويلات المغتربين على مدى السنوات الإثنتي عشرة السابقة وما مدى تأثره بالأحداث العالمية والإقليمية والداخلية؟.

لا يمكن فصل أوضاع المغتربين اللبنانيين عن محيطهم سواء في دول الخليج العربي، أو أوروبا أو أميركا الشمالية، فحجم تحويلاتهم المالية الى لبنان يرتبط بالأوضاع الإقتصادية المحيطة بهم، وهو ما يفسّر بحسب مدير إدارة البحوث والدراسات في إتحاد المصارف العربية الدكتور علي عوده، تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين هذا العام من دول الخليج العربي لتأثر هذه البلدان بانخفاض أسعار النفط العالمية ومن الدول الأوروبية التي لا تزال تتخبط بزيول الأزمة المالية العالمية، في مقابل ارتفاع التحويلات من أميركا الشمالية تأثراً بالنمو الإقتصادي الحاصل في هذه المنطقة.

كل هذه المتغيرات العالمية تركت أثراً بحجم أموال المغترب اللبناني المحولة الى لبنان ولكنها وفق حديث عودة لـ “المدن” لم تذهب بالتحويلات الإجمالية الى الإنخفاض، إنما لجمت ارتفاعها على غرار سنوات سابقة، فلامست 7.5 مليارات دولار للعام 2015 مرتفعة بشكل طفيف نحو 0.7% عما كانت عليه العام 2014 أي نحو 7.44 مليارات دولار، وهي بذلك لم تتخل عن “اللون الأخضر” في سلّم المؤشرات والإقتصادية الذي يطغى عليه اللون الأحمر في العام الحالي.

وفي عرض موجز لمسار تحويلات المغتربين خلال السنوات الإثنتي عشرة السابقة يظهر جلياً تطور حجمها رغم تأثرها بالأحداث المتنقلة، ولكن ذلك لا ينفي ضرورة العمل على تنويع مصادر الدخل القومي وإعادة هيكلة الإقتصاد اللبناني في سبيل تفادي مخاطر تراجع احتمال تحويلات المغتربين.
سلكت تحويلات المغتربين اللبنانيين مسارها الصعودي منذ العام 2002 حيث بلغت 2.54 مليار دولار وتطورت الى 4.74 مليارات دولار عام 2003 و 5.59 مليارات دولار عام 2004 وقد شكلت نحو 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2002، و 23.6% عام 2003، و25.7% عام 2004، وهي من أعلى النسب المسجلة عالمياً.
ومع التطورات الخطيرة التي رافقت عامي 2005 و2006 لاسيما باغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري تراجعت التحويلات في العام 2005 لتبلغ 4.9 مليارات دولار قبل أن تعاود الإرتفاع في العام 2006 الى 5.2 مليارات دولار.

وبانقضاء العام 2006، بدأ لبنان يشهد فترة من عودة الأوضاع الإقتصادية إلى التحسن، وبدأت معظم المؤشرات الإقتصادية الكلية تدريجياً، بتسجيل تحسن ملحوظ، ثم أتى العام 2008 الذي شهد إندلاع الأزمة المالية العالمية، فأعطى المزيد من الدفع للاقتصاد اللبناني وتابعت المؤشرات الإقتصادية منحاها الإيجابي حتى نهاية العام 2010، فشهدت تحويلات المغتربين زيادة في العام 2007 لتبلغ 5.77 مليارات دولار، و7.18 مليارات دولار عام 2008، و 7.56 مليارات دولار عام 2009 قبل أن تنخفض الى 6.91 مليارات دولار في عام 2010.
أما في الأعوام التي تلت العام 2011، فكان لبنان من أكثر الدول العربية تأثراً بإندلاع الإضطرابات والحراك في عدد من دول المنطقة، خصوصا سوريا، وطاول تأثير الحراك العربي جميع الأوضاع الإقتصادية والمالية والمصرفية فيه من دون إستثناء، الأمر الذي أحجم التحويلات عن الإرتفاع لكنها تمكنت من المحافظة على ثباتها عامي 2011 و2012 لتبلغ 6.91 مليارات دولار و6.92 مليارات على التوالي، قبل أن تعاود الإرتفاع بشكل ملحوظ عام 2013 الى نحو 7.5 مليارات دولار.
أما في العامين الأخيرين 2014 و2015 وبعد تراجع اسعار النفط بشكل درامتيكي وانعكاسها سلباً على مستوى النمو في دول الخليج وهي المصدر الأساسي لأموال المغتربين اللبنانيين، فحافظت التحويلات على استقرارها وإن بصعوبة، الأمر الذي مكّن مؤشرها من استعادة لونه الأخضر.