IMLebanon

القصة الكاملة لخطف هنيبعل ودور ريفي في حماية قضية الصدر

Hannibal-Gaddafi

منذ أن وصَل هنيبعل القذافي إلى الأراضي اللبنانية وسُلّم إلى شعبة المعلومات بعد تعرّضِه للضرب الشديد، استنفرت الأجهزة الأمنية والقضائية لكشف ملابسات القضية على أكثر من مسار.المسار الأوّل مرتبط بقضية العصر المتمثّلة في إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، في ظلّ انسداد في المعلومات عن الملف قبل سقوط معمّر القذافي وبعده، ويُعتبر هنيبعل مصدر معلومات قيِّماً في هذه القضية، ليس فقط كونه ابنَ القذافي، بل لكونه لعبَ أدواراً في القيادة الليبية وهو يعرف معلومات كثيرة.

المسار الثاني مرتبط بكشف طريقة اختطاف القذافي واقتياده من دمشق إلى لبنان، وهذا بحدّ ذاته فعلٌ يفترض بالأجهزة الأمنية والقضائية أن تُحدّد المسؤولين عنه وأن تضعَهم بتصرّف القضاء.

كانت التوجيهات منذ تسَلُّم شعبة المعلومات لهنيبعل أن يُسلَّم إلى القضاء، وأشرفَ وزير العدل اللواء أشرف ريفي على متابعة الملف الموجود لدى المحقّق العدلي في إخفاء الإمام الصدر القاضي زاهر حمادة، الذي باشَر التحقيق مع القذافي.

كان التحقيق يسير على المسارَين بشكل طبيعي، إلى أن أتى طلب الاسترداد من سوريا، حيث بادَر ريفي إلى درسه ورفضِه لمخالفته اتّفاقية التبادل الموقّعة بين البلدين في أوائل الخمسينات. فهنيبعل كما قالت السلطات السورية لاجئ لديها، وليس مجرماً مطلوباً استرداده، وبالتالي رفض ريفي القرار في الشكل، أمّا في المضمون، فأتى الرفض استكمالاً لِما بدأه ريفي منذ توَلّيه وزارة العدل، بتحرير القضاء اللبناني من آثار التبَعية للوصاية السورية، التي كانت تُسَخِّر القضاء لإصدار قرارات على قياس النظام الأمني.

أمّا الامر الأهم الذي أخَذه وزير العدل في الاعتبار رفضاً لتسليم هنيبعل إلى النظام السوري، فهو قضية الإمام موسى الصدر بحدّ ذاتها التي لا يمكن التلاعب بها أو المساومة عليها، كما لا يمكن حِرمان القضاء اللبناني من فرصةِ الاستماع إلى هنيبعل، لكشفِ ملابسات القضية، والتوسّع في التحقيق، جلاءً للحقيقة.

لقد شكّلت مذكّرة الاسترداد السوريّة، ما يشبه الفضيحة في تعامُل النظام السوري مع قضية الإمام موسى الصدر. فالإمام المخطوف في ليبيا، هو أحد رموز الطائفة الشيعية الكبار في لبنان والعالم، وقضيّته لم تعُد مطلباً شيعياً بل عربياً وإسلامياً، وهي القضية نفسُها التي أحرجَت حلفاء النظام

وخصوصاً “أمل” و”حزب الله”، اللذين تعاطيَا مع خطف هنيبعل ومن ثمّ توقيفه في لبنان بتحفّظ، وسط تساؤلات كبرى عن دور النظام السوري في حمايته وتأمين الملجَأ الآمن له، من دون الاستماع إليه عمّا يملكه من معلومات، قد تفيد التحقيق في كشفِ ملابسات إخفاء الصدر.

كيف حصلت عملية الخطف ومن ثمّ التوقيف؟

تكشف مصادر مطلعة أنّ القصة بدأت عبر السيّدة فاطمة هـ. أ، وهي زوجة أحد ضبّاط الجيش السوري الذين قتِلوا في سوريا، والتي تربطها علاقة معرفة بهنيبعل، وفاطمة كانت صِلة الوصل بين هنيبعل والنائب السابق حسن يعقوب، الذي كانت تطلب منه أن يتوسّط لها لدى “حزب الله” لكي تدفعَ بعض الجهات الإيرانية أموالاً كانت لزوجها معهم.

تضيف المصادر أنّ فاطمة أرادت مساعدة هنيبعل على الدخول إلى لبنان لتخليص بعض المعاملات التي تخصّه، فلجَأت إلى يعقوب الذي أبدى استعداداً للمساعدة طالباً الاجتماع بهنيبعل، ومساعدته في معرفة أيّ معلومات قد تكون بحوزته، عن اختفاء الإمام الصدر ورفيقيه، وساهمَت فاطمة عن حسن نيّة بترتيب هذا التواصل.

وتشير المصادر إلى أنّ يعقوب توَجَّه إلى دمشق للقاء هنيبعل مع مجموعة من سيارتين، وتمّ استدراجُه للنزول من فندق “شيراتون” حيث تمَّ وضعُ كيس في رأسه، ووضعُه في صندوق إحدى السيارتين، ومن ثمّ اقتياده إلى لبنان عبر الخط العسكري، كلّ ذلك بغير عِلم النظام السوري، وبغير قصدٍ مِن فاطمة الأسد التي فوجئَت بالخطف.

بعد وصول هنيبعل إلى الاراضي اللبنانية وتعرُّضه للضرب الشديد، وانكشاف أمر الخطف، تعاطى “حزب الله” مع الملفّ بطريقة التنصُّل ورفع الغطاء عن الخاطفين، وما لبثَ هؤلاء أن وضَعوه في أحد المنازل في إحدى البلدات البقاعية، وتمَّ إبلاغ شعبة المعلومات، التي استلمته، من دون أن تقوم بأيّ مداهمة لتحريره من خاطفيه.

وتشير المصادر إلى أنّه بناءً على هذه المعطيات المثبَتة بالأدلّة والاعترافات وتحليل داتا الاتصالات ووجود شرائط مسجّلة، تمَّ توقيف النائب السابق يعقوب، الذي يخضَع للتحقيق في خطف هنيبعل، أسوةً بالتحقيق الذي يجري مع هنيبعل نفسِه في قضية الإمام الصدر، الذي روى في إفادته أمام القضاء بعضَ ما يعرفه عن القضيّة.

تقول المصادر إنّ هنيبعل أكّد أنّ مجموعة من النظام الليبي تابعة لعبد السلام جَلّود اقتادت الصدر من الفندق الذي مكثَ فيه في ليبيا، حيث كان من المقرّر أن يشارك في احتفالات “الفاتح”، إلى فيلا مخصّصة للإقامة الجبرية للشخصيات.

وينفي هنيبعل في التحقيق أيَّ مسؤولية لوالده معمّر القذافي، “الذي ليس من شيَمِه اختطاف ضيوفه”، ويضَعها على جَلّود الذي، وحسب إفادته، استاءَ من الإمام الصدر، بسبب قيام الإمام لدى حضوره إحدى خطَب الجمعة لمعمّر القذافي، بتصحيح بعض ما أوردَه من وقائع (تتّصل بالدين الإسلامي).

وتضيف المصادر أنّ هنيبعل كشفَ أنّ جَلّود وأحد معاونيه، تنَكَّرا بعد الإخفاء، بثياب تشبه ثياب الإمام الصدر وسافرا إلى إيطاليا بجوازات سفر مزوّرة، وترَكا أغراضاً عائدة له في الفندق، وذلك بهدف التضليل، والتأكيد أنّ الصدر غادر الأراضي الليبية، إلى إيطاليا.

كتبت صحيفة “الأخبار”: “فيما يرجّح «متفائلون» إطلاق سراح هنيبعل القذافي في الأيام المقبلة، لا يزال النائب السابق حسن يعقوب قيد التوقيف للاشتباه في تورطه بخطف القذافي، وربما يدّعي عليه القضاء بهذا الجرم. هكذا، وبسبب تصرف غير واضح الدوافع حتى الآن، انقلبت الآية بين نجل الضحية ونجل الجلاد”.

وأضافت: “بات النائب السابق حسن يعقوب أمس ليلته الثانية لدى فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الأشرفية، موقوفاً على ذمة التحقيق، بناءً على إشارة النائب العام التمييزي في قضية اختطاف هنيبعل القذافي. الدقائق القليلة التي تعهد ضباط الفرع بأخذها من وقت يعقوب صباح الخميس الفائت، بسبب تداول اسمه في الإعلام إثر انتشار خبر الاختطاف، صارت ساعات. من المنتظر اليوم أن يبتّ مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود مصير يعقوب بانقضاء المهلة القانونية للتوقيف على ذمة التحقيق. مصادر قضائية رجّحت إصدار مذكرة توقيف بحقه. رقعة التحقيقات تمددت إلى مرافقيه الذين استُدعي أربعة منهم. حتى مساء أمس، ترك ثلاثة وأبقي على الرابع موقوفاً قيد الاستجواب.

كل التحقيقات مع المشتبه فيهم تدور في فلك ما أدلت به اللبنانية فاطمة هـ.، أرملة الشهيد هلال الأسد (القائد السابق لقوات الدفاع المدني في اللاذقية). في اليوم التالي لانتشار الشريط المسجل لهنيبعل، ليل الجمعة الفائت، توجهت فاطمة إلى أحد الاجهزة الأمنية، وأدلت بكل ما تعرفه.

مصادر مواكبة للتحقيقات نقلت لـ»الأخبار» قولها إن «صداقة تربطها بهنيبعل، وبيعقوب، كل على حدة. تعرفت إلى هنيبعل عبر أخته عائشة، فيما ربطتها بيعقوب علاقة ودّ واحترام بعد أن آزرها الأخير عند استشهاد زوجها في الحرب السورية.

حتى إنه ألقى كلمة في حفل تأبينه».نقلاً عن إفادتها، أقنعها يعقوب بأن في استطاعته «مساعدة هنيبعل الذي طلب دعمها في حل مشكلات لديه». تجزم الصديقة المشتركة بأنه «لم يخطر ببالها القاسم المشترك بين صديقيها، والد هنيبعل (معمّر القذافي) أخفى والد يعقوب (الشيخ محمد يعقوب مع السيد موسى الصدر الصحافي عباس بدر الدين». هنيبعل نفسه أكد خلال إفادته بأن اسم يعقوب «لم يعن له شيئاً استثنائياً أكثر من كونه سياسياً لبنانياً» قالت المصادر. بدأت الاتصالات بين الرجلين، عبر فاطمة، قبل ثلاثة أشهر من الخطف. «وعد يعقوب بتقديم القذافي إلى شخصيات لبنانية» قالت فاطمة.

مطلع الشهر الجاري، حُدّد الموعد على طريق المزة في دمشق حوالى الساعة الثامنة والنصف ليلاً، بطلب من يعقوب. «ترك هنيبعل سيارته وسائقه وصعد إلى السيارة التي أرسلها يعقوب وتوجه مع الأشخاص الذين كانوا بداخلها نحو طريق غير مأهول، إلى أن توقفوا وأنزلوه ووضعوه في صندوق السيارة ثم ساروا به نحو البقاع». بعد مرور ساعات على الموعد، اتصلت فاطمة وزوجة هنيبعل للاطمئنان عليه، لكن هاتفه كان مقفلاً. بعد اتصالات عدة، أجاب يعقوب قائلاً إن «هنيبعل بخير وبأيد أمينة». وقالت إن يعقوب وعدها بأن يجعل هنيبعل يتصل بزوجته. مرّت الأيام على فاطمة وهي تتأرجح بين الاطمئنان والريبة، إلى أن شاهدت التسجيل على وسائل الإعلام. عندها أدركت «الفخ الذي نصبه يعقوب»، فقررت البوح بما تعرفه، متّهمة يعقوب بتوريطها.
المصادر تحدثت عن شخص علم بعملية الخطف بعد أيام، وبالمكان الذي يحتجز فيه هنيبعل، فسارع إلى «دهم» المكان حيث وجده مقيّداً، وحاول انتزاعه من أيدي خاطفيه، قبل تسليمه إلى فرع المعلومات. وبحسب المصادر، رفض الخاطفون تسليمه إلى ذلك الشخص، محاولين إقناعه بـاستخدام هنيبعل للتفاوض عليه لقاء فدية تبلغ مليوني دولار، يتقاسمونها معه.