IMLebanon

موجبات ترشيح فرنجية بين الحريري وجعجع

samir-geagea-saad-harireh-riad

 

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

تصرّ أجواء الرئيس سعد الحريري على تقديم مبادرته بترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ضمن إطار أنها «صُنِعَت في لبنان»، وأنّ الإقليميين والفرنسيين رحبوا بها ولم تكن جزءاً من سلة تسويات إقليمية.نقطة الجدل الحادة وغير الظاهرة التي تثيرها مبادرة الحريري داخل تياره ومحافل غير مسترئسة في ١٤ آذار، تكمن في أنها تقترب من أن تكون «سين ـ سين» أخرى، وذلك لناحية أنّ انتقاء فرنجية صديق الرئيس بشار الاسد ليكون حجرَ رحاها، يجعلها تحاكي في رمزيتها زيارة الحريري الشهيرة لسوريا.

غير أنّ انتقادات حليفه المسيحي الأكبر لمبادرته لم تكن أوّل غيث الخلافات بينهما. فقبيل جلسة تشريع الضرورة التي دعا لها رئيس مجلس النواب نبيه بري أخيراً، اصطفت «القوات اللبنانية» الى جانب «التيار الوطني الحر» ليشكلا اعتراضاً مسيحياً ضدّ خطوة أيّدها تيار «المستقبل» و«حزب الله» وحركة «امل».

آنذاك قادت «القوات» خطاباً سياسياً مسيحياً عابراً لاصطفافات ٨ و١٤ آذار. ذهب حينها قريبون من «القوات» في معرض شرحهم لخطوة جعجع بالاقتراب من التيار البرتقالي، الى التذكير بما سمّوه العبرة التي استخلصها «الحكيم» من تجربة البطريرك صفير مع محور ١٤ آذار.

فعلى رغم أنّ الأخير ظلّ طوال ولايته المديدة في بكركي مؤيّداً هذا المحور، إلّا أنّ الجانب المسلم داخله حجب عنه أيّ «هديّة سياسية « تقوّيه داخل القاعدة الشعبية المسيحية، بدليل أنّ صفير خرج من بكركي ولم ينجح في الحصول على قانون الانتخاب الذي يريده المسيحيون.

وفي نظر هؤلاء فإنّ صفير كان له من الرصيد الشعبي المسيحي ما يجعله يتحمّل إحراجات إهمال ١٤ آذار لمطالبه الخاصة بالمسيحيين. أما «القوات اللبنانية» فإنّ رصيدها الشعبي المسيحي لا يتحمّل أن يكرّر معها حليفها المسلم في ١٤ آذار، تجربته نفسها مع صفير.

وتكشف المصادر عينها ضمن هذه الجزئية عن إحصاءات تتّسم بأنها ليست للنشر، موجودة في أدراج زعماء موارنة، تبيّن النسب الحقيقية لتوزّع الزعامة المسيحية للشارع المسيحي في هذه اللحظة. وتظهر أن أكثر من نصف المسيحيين يوجدون الآن في المربّع غير المنتمي حزبياً (مستقلون)، فيما يتساوى، الى حدٍّ ما، التيار العوني و»القوات» في حصد نسب المسيحيين الحزبين.

وتخطّط «القوات» لاتباع استراتيجية التحوّل الى أكبر حزب مسيحي في خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا يدفعها الى تبنّي سلة برامج عمل وسياسات داخلية حتى سنة ٢٠٢٥، تعطي اولوية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

وضمن هذه الاستراتيجية ذهب جعجع الى الاقتراب من عون، لإقتناعه بأنّ التقارب بين حزب «القوات» و»التيار الوطني الحر» يخدم مصلحته، لأنه يساهم في تغيير صورة نمطية موجودة لدى «المستقلّين المسيحيين» عن «القوات» تظهرها «إلغائية» وتمثل «حزبية ضيّقة» وليس لديها «تطلع للمصلحة المسيحية العامة».

والأمر الآخر الذي جعل «القوات» تلتقي مع العونيين حول معارضة جلسة تشريع الضرورة هو شعورها بأنّ الدعوة الى الجلسة أتت تحت ضغط خارجي، بهدف تمرير تشريع بند مكافحة تبييض الأموال الذي تريده واشنطن. وهذا ما جعلها تراهن على وجود فرصة لتحقيق مكسب للشارع المسيحي عبر إدراج بند إعطاء الجنسية للمغتربين على جدول أعمال هذه الجلسة المطلوب عقدها دولياً.

وشكلت موافقة الحريري المتأخرة على هذا المطلب إزعاجاً لـ«القوات» التي رأت أنه كان يجب عليه مساندتها به منذ البداية كإشارة منه الى أنه يسعى لمساعدة استراتيجيّتها لتعزيز حضورها داخل الساحة المسيحية من ناحية، وأنه لا يكرّر تجربة ١٤ آذار مع البطريرك صفير من ناحية ثانية.

ثمّة رسالة أُخرى أرادت «القوات» عبر تشاركها مع العونيين في الموقف من جلسة التشريع توجيهها الى حليفها المسلم والإقليميين من ورائه، وهي أنها قادرة على إنتاج تعبير مسيحي عام في حال استمرّ التمادي في إهمال حيثيّتها ومصالحها داخل الساحة المسيحية.

والواقع أنّ «القوات» في سياق تكتيكاتها الراهنة لمعارضة ترشيح فرنجية، تعطي الإشارات الى أنها قد تذهب الى بناء التعبير المسيحي العام بالتشارك مع عون في حال لم يحترم تيار «المستقبل» رغبتها بطيّ صفحة ترشيحه.

ولا شكّ أنّ من بين العقد الأخطر التي تواجه مبادرة ترشيح فرنجية هو أن يتمّ انتخابه بلا موافقة «القوات» والعونيين، لأنّ هذا سيخلق في وجه عهده المتشارك مع الحريري معارضة مسيحية عامة، ما يهدّد بولادة انقسام جديد في البلد يمنح مطلب الفيدرالية مسوِّغَ أنه حلّ يمليه الأمر الواقع السياسي السائد في لبنان.

بماذا ترد أجواء الحريري؟

ومن أجواء الحريري أنّ مبادرته لترشيح فرنجية صيغت انطلاقاً من مجموعة «اعتبارات ملحة» أملتها قراءة خاصة تصبّ في مصلحة ثلاث قنوات: الأولى، مشروع ١٤ آذار بجناحيه المسيحي والمسلم. والثانية، اجراء مراجعة للمرحلة الماضية من تجربة تيار «المستقبل» السياسية الداخلية منذ العام ٢٠٠٥ حتى الآن. والثالثة، استباق احتمالات سياسية يحملها المستقبل القريب.

وتتلخّص أبرز هذه الاعتبارات المعبّرة عن القنوات الثلاث بالنقاط الآتية:

ـ أوّلها، رغبة الحريري بالعودة الى البلد، وذلك بعد تأكده من أنّ العمل من الخارج ليس مجدياً، خصوصاً إذا طالت مدّته، وتأكده أيضاً من أنه ليس مجدياً أيضاً لتيار «المستقبل» ممارسة السياسة داخل مناخ الحروب الصغيرة كما كان الحال في معظم فترات العامين ٢٠٠٥ و٢٠١٠.

ـ ثانيها، أنّ مبادرة الحريري راعت بحرص انتقاء مرشح من بين أربعة أقطاب موارنة تشاركوا في تسمية بعضهم في كنف بكركي. ويعكس ذلك حرص الحريري على عدم اتهام المبادرة بأنها تنزع الى جعل المسلمين يسمّون الرئيس المسيحي.

ـ ثالثها، انتقاء إسم فرنجية جاء بعد إخضاع كلّ مرشح من الأربعة لعملية تمحيص سياسية استُبعد بنتيجتها ترشيح جعجع لأنه، تقنياً على الأقل، لا يمكنه نيل أكثر من ٤٨ نائباً، إضافة الى أن ليس مضموناً نيله أصوات المستقلّين.

أما النائب ميشال عون فسُجِّل عليه موقفه السلبي من «إتفاق الطائف»، ما يهدّد في حال وصوله الى قصر بعبدا بالإطاحة بالتوازنات الموجودة ويهدّد المناصفة ويجعل الفيدرالية او المثالثة احتمالاً قائماً. كما أنّ وصول عون بسماته الآنفة سيجعل «حزب الله» أكثر اندفاعاً الى حصد مكاسب أكبر على مستوى السلطة. فهو الآن لديه مكانة قوّة مميّزة رغم امتلاكه ثلثَ النصف، فكيف سيكون الحال لو امتلك ثلثاً كاملاً؟

واستبعدت عملية التمحيص أيضاً الرئيس أمين الجميل، لكون تجربته الرئاسية منحته صفة أنه الأعلم بملف اتفاق ١٧ أيار ومعادلات التسوية بين لبنان وإسرائيل. ولو أنّ اللحظة الاقليمية تتّجه الى تسوية مع إسرائيل لكان الأوفر حظاً، ولكنّ هذا الأمر غير وارد الآن.

 

وبقي فرنجية «فوق الغربال» لكونه المرشح الوحيد من بين الأقطاب الأربعة الذي تتوافر فيه مواصفات تناسب اللحظة الداخلية والإقليمية، فهو داعم لإتفاق الطائف ويطمئن حزب الله وأطراف أخرى، و يؤسس لتوازن بين الخطين الإقليميَّين المتنازعين في لبنان، وذلك على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب». كما أنّ طرحه جاء بالتناغم مع ما طالب به الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابيه قبل التفجيرَين الارهابيين اللذين حصلا في برج البراجنة وبعدهما.

ـ رابعها، ليس من مصلحة ١٤ آذار ولا تيار «المستقبل» أخذ البلد الى لحظة يصبح فيها انهاء الشغور الرئاسي في حاجة الى ٧ أيار آخر و»دوحة» أخرى، وذلك لاسباب عدة أبرزها أنّ أحداثها ستجرى في مناطق مناصرة لـ»المستقبل» و١٤ آذار.

زد على ذلك أنّ الحريري يستشعر بأنه معنيٌّ بإجراء معالجة عاجلة لرسائل اجتماعية حادة أطلقتها في الآونة الأخيرة قاعدته الاجتماعية السنّية المحتاجة الى الاستقرار والتنمية، وأبرزها أنّ بين ٦٠ و٧٠ ألف مواطن من شمال لبنان هاجروا عبر البحر خلال فترة قصيرة الى أوروبا، وأنّ مثلهم فيما لو سدت بوجههم الهجرة غير الشرعية وبقيت اوضاعهم الاقتصادية على حالها من الرداءة، سيهاجرون الى التطرّف، الخ.. وعليه فإنّ ترك البلد يذهب في هذا الاتجاه لن يفيد ١٤ آذار، ولا بدّ من المبادرة لقطع مساره.

آخر الاحتمالات

 

يبقى أنّ مبادرة الحريري لترشيح فرنجية سترحل الى ما بعد الأعياد، لتتفاعل بين ثلاثة احتمالات:

اولاً، تأخير البتّ بها الى شباط المقبل وهو الموعد المحتمل لعقد طاولة المفاوضات السورية – السورية والانتهاء من إعداد اللائحة الدولية عن القوى الإرهابية في سوريا.

ثانياً، المبادرة الى عدم انتظار وضوح المسار السوري والذهاب الى تأمين نصاب بمشاركة «القوات» ناقص عون وحزب الله. وفي هذه الحال يصبح انتخاب فرنجية مضموناً بنصاب ٧٥ – ٧٩صوتا، ولكنّ نتيجته قد تؤسس لاحقاً لبروز مشاريع فيدرالية.

ثالثاً، سرقة هدنة في لبنان في أيّ وقت خلال مطلع السنة الجديدة، وذلك من داخل مناخ التدخل الروسي في سوريا الذي رغم كلّ الملاحظات عليه، إلّا أنه أنتج أفقاً لحلّها، وعليه يصبح فرنجية جزءاً من أفقها المتبلور على مدى زمني محدَّد بثلاث الى أربع سنوات، وذلك انطلاقاً من أنه يشكل نقطة وصل في لبنان بين الإقليميّين المشتبكين.