IMLebanon

الشركات اليابانية الأكثر إنفاقا على عمليات الدمج والاستحواذ

japanese-street
ليو لويس وكانا إناجاكي

الشركات اليابانية التي تعاني القنبلة السكانية الموقوتة في الداخل، ومع تعرضها لضغوط لبذل مزيد من الجهد بأموالها، وفي مواجهة المنافسة المتزايدة، تنفق كثيرا حول عمليات الاستحواذ في الخارج.

في ذروة الفقاعة الاقتصادية اليابانية في ثمانينيات القرن الماضي، أثار أكيو موريتا، المؤسس المشارك لشركة سوني، التي كانت قد دفعت لتوها 3.4 مليار دولار للاستحواذ على شركة أفلام كولومبيا، موجة من القلق الشديد بين مجموعة الشركات الأمريكية المتوترة أصلا. وقال موريتا: “إذا كنت لا تريد من اليابان شراءها، فيجب ألا تبيعها.”

بعد أكثر من 25 عاما تسللت هذه الجملة الشائنة مرة أخرى إلى مجالس الإدارة اليابانية عام 2015، حيث حفزت المشاعر في الوقت الذي تجاوزت فيه قيمة الصفقات الخارجية 10 تريليونات ين (82 مليار دولار) للمرة الأولى.

في طليعة عمليات الشراء هناك جيل جديد من الرؤساء التنفيذيين – القادة الذين يبدو هذه المرة أنهم مدفوعون بحكم الضرورة أكثر من كونهم مدفوعين بمشاعر الغرور.

لقد رأوا المخططات السكانية التي تعد بانخفاض على المدى الطويل في الداخل، ويتم التدقيق عليهم الآن من قبل المساهمين الذين لم يعودوا يقبلون المشتريات البسيطة.

طفرة الاستحواذ في الخارج تسبق وصول برنامج آبي الاقتصادي عام 2013، لكنها تضخمت تحت نفوذه. ميثاق حوكمة الشركات الجديد من شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني، يعني أن الشركات تتعرض لضغوط مكثفة لرفع العائد على حقوق المساهمين وتبرير مخزوناتها الضخمة من النقدية.

بعض الشركات نفذت عمليات إعادة شراء الأسهم، وقامت شركات أخرى بزيادة توزيعات الأرباح، وكثير منها اختارت القيام بعمليات الاستحواذ. وكانت نتيجة ذلك اندفاع جماعي من قبل الشركات اليابانية للاستحواذ على شركات تراوح بين البنوك والعلامات التجارية المتخصصة بالسجائر، إلى شركات الخدمات اللوجستية وصحيفة فاينانشال تايمز. في قطاع التأمين وحده، أبرمت الشركات اليابانية صفقات بقيمة 25 مليار دولار خلال 2015.

التركيبة السكانية تقود عمليات الدمج والاستحواذ

يغلب على عمليات الإنفاق في الخارج أن تستمر حتى في الوقت الذي تعترف فيه اليابان بسمعة التبذير التي أدت ببعض النقاد إلى السخرية من أنها إذا دفعت 10 تريليونات ين لمختلف الجوائز، فإنها ربما تكون دفعت مبلغا زائدا عن اللازم بمقدار 5 تريليونات ين. يعود تاريخ النقد إلى عمليات الاستحواذ القائمة على النزوات في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن إذا قامت الشركات اليابانية بدفع مبالغ زائدة في الشهور الـ12 الماضية فإن الدافع لذلك يبدو واضحا: بقاء الشركات على قيد الحياة في عالم الأعمال. أكثر من ربع سكان اليابان يبلغ من العمر أكثر من 65 عاما، ومعدل المواليد هو من بين أدنى المعدلات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وكانت شركات التأمين من أوائل القطاعات التي تشعر بالتأثير الكامل لهذا التحول الديموغرافي، وهذا يفسر مكانتها باعتبارها المشتري الأكثر نشاطا في الخارج هذا العام.

وكانت الهجرة على نطاق واسع مستبعدة تاركة الشركات في قطاعات البنوك وتجارة التجزئة والمنتجات الاستهلاكية تواجه خطر التراجع في السوق المحلية وفي النمو الاقتصادي على المدى الطويل. وسط هذه التوقعات الصارخة العلاوة المدفوعة مقابل الأصول في الخارج، كما يقول مستشارو الصفقات، ينظر إليها على أنها السعر الدارج من أجل البقاء في الأعمال.

يقول يوشيهيكو يانو، رئيس عمليات الدمج والاستحواذ في جولدمان ساكس في طوكيو: “إنه كابوس بالنسبة للرؤساء التنفيذيين عندما يكون نمو الأرباح آخذا في الانخفاض”. وأضاف: “الجميع يريد أن يجري عملية استحواذ في الخارج. حتى شركة لديها قيمة سوقية تبلغ مليار دولار فقط ، قد ترغب في الاستحواذ على شركة أخرى أكبر منها”.

وراء عاقدي الصفقات، وبصرف النظر تماما عن بيئة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، هناك قطاع مصرفي هو بأمس الحاجة إلى فرص الإقراض طويل الأجل.

الصفقات اليابانية تأتي على خلفية عام مزدهر في عمليات الاندماج والاستحواذ في جميع أنحاء العالم، بلغ مجموعها 4.9 تريليون دولار، ولكن السؤال الأساسي في طوكيو هو ما إذا كان صانع الصفقات اليابانية، الذي عاد إلى الحياة، مفيدا لعقد الصفقات.

الإحساس الغريزي، كما اعترف المصرفيون المختصون في عمليات الدمج والاستحواذ، هو أن ننظر إلى عمليات الاستحواذ التي اختلت على نحو فظيع، مثل عملية شراء شركة كيرين عام 2011 للشركة البرازيلية شينكاريول Schincariol، وشراء شركة ليكزيل في 2015 الكارثي لإحدى الشركات الصينية الاحتيالية، وألا نفترض ذلك.

وكان تعليق موريتا في ذروة القسوة. في السنوات التي تلت ذلك، انفجرت فقاعة اليابان، تراجعت الرغبة في المخاطرة، وضمرت سمعة اليابان باعتبارها صائدا متعجرفا للغنائم.

الآن، وبعد ربع قرن من الزمان، اليابان مختلفة إلى حد ما -عادت على شكل مشتر شره خارج حدودها- بفعل خزائنها التي أعيدَ شحنها عن طريق خفض التكاليف، والين الضعيف، ودوافعها التي تغيرت بقوة بفعل ازدهار الصين وتركيبتها السكانية الخاصة.

عدد متزايد من الشركات بما في ذلك شركة اليابان للتبغ وسنتوري وأجينوموتو لديها إدارات لعمليات الدمج والاستحواذ في داخلها. شركاتها الحذرة من بيئة دولية تنافسية بازدياد أكثر من أي وقت مضى سعيا وراء الأصول ذات النوعية العالية، تعلمت أيضا أن تكون أكثر فطنة.

ويقول إد كول، العضو المنتدب في شركة المحاماة فريشفيلدز بروكاهاوس ديرينجر: “الاتجاه الكبير خلال السنوات القليلة الماضية هو أن الشركات اليابانية لا تسمح للكمال أن يكون عدوا للخير”.

يجادل مصرفيون ومحامون أن اليابان لم تدفع مبالغ زائدة بصورة غير معقولة مقابل الأهداف التي استحوذت عليها بين عامي 2012 و2015، وأن عقدها للصفقات لا ينبغي الحكم عليه بنفس طريقة عمليات الاستحواذ الخارجية التي تقوم بها الشركات الأمريكية أو اللاعبون في أوروبا.

يقول بيتر إيدون كلارك، رئيس الاستراتيجية اليابانية في ماكواري: “[الشركات اليابانية] تريد الأصول ذات النوعية الجيدة، وتريد أن تبقي فريق الإدارة القائم دون تغيير”. وأضاف: “ما تراه هو قيام الشركات اليابانية بدفع الثمن بالكامل لتحقيق ذلك”.

التهديد الصيني

الأرقام من وكالة ديلوجيك، شركة تزويد البيانات، تبين أن متوسط العلاوة [استنادا إلى سعر السهم المستهدف ما قبل الاتفاق] الذي تدفعه الشركات اليابانية للصفقات في الخارج تجاوز 35 في المائة هذا العام، وهو ضعف الرقم الذي يدفعه المشترون في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، عندما نحكم على أساس قيمة الشركة إلى الأرباح قبل خصم الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء – فإن المشترين اليابانيين والأمريكيين دفعوا نفس المبلغ للاستحواذ على أهدافهم.

لدى الشركات اليابانية، كما يقول ماتياس هورباتش، وهو محام مختص في عمليات الدمج والاستحواذ في سكادن، وأربس، وسليت وميجر وفلوم، استثمار طويل المدى للغاية، ويمكن أن تدفع أسعارا أعلى مما تدفعه الشركات الآتية من دول أخرى أو صناديق الأسهم الخاصة التي نتوقع تحقيق عوائدها على نحو أسرع كثيرا.

يقول آخرون إن الصفقات اليابانية بالمثل ليست مدفوعة دائما بالتكلفة، ولكن في كثير من الأحيان بالإيرادات والمنتجات.

يقول شينسوكي تسونودا، الرئيس العالمي لعمليات الدمج والاستحواذ في بنك نومورا: “عمليات الدمج والاستحواذ اليابانية لا تزال غير مدفوعة بفكرة زيادة قيمة حقوق المساهمين”. وأضاف: “يغلب على تفكيرهم عنصر يدور حول ما إذا كانت الصفقة جيدة للشركات وموظفيها على المدى الطويل”.

انعدام النمو المحلي القوي -توسع الاقتصاد بمعدل سنوي قدره 1 في المائة في الربع الثالث- هو مجرد واحد من عديد من التهديدات طويلة الأجل التي دفعت الشركات اليابانية إلى الخارج.

اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ الذي تمت الموافقة عليه أخيرا، واتفاقية التجارة الحرة متعددة الأطراف التي من شأنها إزالة بعض الحماية التي تتمتع بها الشركات اليابانية، تعتبر محفزا آخر.

بالنسبة للشركات اليابانية التهديد من الصين الصاعدة هو الأفق المرهق. منذ أكثر من عقد من الزمان كان من الواضح أن السوق المحلية في الصين كبيرة بما فيه الكفاية لدفع الشركات في البلاد للتفوق على أعلى ثلاثة لاعبين كبار عالميين، في كل قطاع ابتداءا من الصلب إلى البنوك.

انفجار عمليات الدمج والاستحواذ نحو الخارج، في جزء كبير منه، كان ردا على ذلك: تأمين موقع لليابان في المرتبة العليا قبل أن يصبح الطموح مستحيلا.

شركاتها، كما يقول تسونودا، تريد استخدام عمليات الدمج والاستحواذ في الخارج لتأمين مواقعها حيث لا تصبح أهدافا بحد ذاتها: “لتوسيع أعمالها وأرباحها، الاعتماد على اليابان ليس له معنى”.

الحاجة إلى النمو – التأمين ضد المستقبل

أكثر من ربع عدد السكان فوق سن الـ65، ويشعر قطاع التأمين بالقوة الكاملة للتحول الديموغرافي مدفوعا بأسعار الفائدة المنخفضة والحاجة إلى التنويع في سوق محلية آخذة في الانكماش، استأثر قطاع صناعة التأمين بما يقارب 30 في المائة من قيمة الصفقات الخارجية الصادرة عن الشركات اليابانية لهذا العام، وفقا لوكالة ديلوجيك.

يمثل الإنفاق استجابة متزامنة لأزمة آخذة في الاقتراب. تم الإعلان عن صفقة في كل شهر ما بين حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر) الماضيين، من قبل أكبر اللاعبين في القطاع: وكان أكبرها الاستحواذ بقيمة 7.5 مليار دولار على شركة إتش سي سي من قبل توكيو مارين.

عملية الاستحواذ بقيمة 5 مليارات دولار على مجموعة ستان كورب المالية من قبل شركة التأمين على الحياة ميجي ياسودا، وعملية الشراء بقيمة 3.8 مليار دولار لمجموعة سيميترا المالية من قبل شركة سوميتومو للتأمين على الحياة، لم تتخلف بمسافة بعيدة وراءها.

وحيث إن جميع تلك الصفقات منحت الشركات اليابانية إمكانية أكبر للوصول إلى الولايات المتحدة، أكبر سوق للتأمين على الحياة في العالم. اختُتِمت موجة النشاط بعرض قيمته 5.3 مليار دولار لشركة التأمين آملين، المدرجة في المملكة المتحدة، من قبل ميتسوي سوميتومو، وهي شركة تابعة لشركة إم إس آند إيه دي.

تعمل بعض شركات التأمين أيضا على تدعيم مواقعها في الوطن قبل المغامرة في الخارج، حيث نلاحظ أن شركة نيبون لايف أنفقت مبلغ 2.3 مليار دولار لشراء الشركة المنافسة الأصغر ميتسوي لايف.

كان الدمج المحلي موضوعا ثابتا هذا العام، حيث إن الشركات المنافسة في النفط، والنشاط المصرفي الإقليمي والإلكترونيات الاستهلاكية دخلت في عمليات اندماج أيضا.

يعول المصرفيون على مزيد من النشاط في سوق التأمين، لكن أيضا في غيرها من القطاعات التي تواجه نفس المعضلة طويلة الأجل. نومورا، أكبر شركة سمسرة في البلاد، وافقت يوم الإثنين على دفع مليار دولار مقابل حصة بنسبة 40 في المائة في شركة American Century Investments في الولايات المتحدة.

يقول أحد مصرفيي الاندماج والاستحواذ في إحدى شركات الوساطة الأمريكية: “بالنسبة لشركات التأمين، الحكومة بنفسها تضغط عليها من أجل شراء الأصول الأجنبية. خلافا لذلك، ربما لن يكون حملة بوالص التأمين في اليابان محميين خلال السنوات الـ50 القادمة”.

يحذر بعض المستشارين من أن الاندفاع الياباني نحو متابعة الإقران في صفقات الاستيلاء الرئيسة، يمكن أن يؤدي إلى تهاون في عمليات الحرص الواجب.

يقول محامي الاندماج والاستحواذ في شركة مقرها الولايات المتحدة، مسلطا الضوء على الصعوبة في تقييم نوعية بعض الأصول المشتراة: “لدي شكوكي بشأن ما إذا كانت بعض هذه الصفقات ستكون ناجحة”.

المال للاستهلاك – دفع العلاوة

وأضاف: “الجميع يريد أن يفعل عملية استحواذ في الخارج. حتى شركة لها رسملة سوقية تبلغ فقط مليار دولار”

شعر المستثمرون بالتهيب عندما دفعت اليابان للتبغ 5 مليارات دولار الأقسام غير الأمريكية لشركة Natural American Spirit. تراجعت الأسهم في الشركة اليابانية بنسبة 9 في المائة، خلال الأيام الثلاثة أيام التي جاءت عقب الإعلان عن الصفقة في أيلول (سبتمبر).

ويبدو أن رد الفعل مبرر. لم تكن الشركة قد وضحت تماما مبرراتها للمال المدفوع للحصول على شركة رينولدز أمريكان، في حين قدر بنك كريدي سويس بسرعة سعر الشراء على أنه يبلغ 65 مرة ضعف أرباح العلامة التجارية قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء.

تساءل المستثمرون اليابانيون ما إذا كانت الشركات اليابانية قد دفعت مبلغا زائدا مرة أخرى.

يقول مستشارو عمليات الدمج والاستحواذ إن الشركات اليابانية تعمل على مقاييس مالية مختلفة، وفترات زمنية استثمارية يمكن في كثير من الأحيان أن تفسر السبب في العلاوات الكبيرة.

عندما يتحدث التنفيذيون حول أوجه التآزر، على سبيل المثال، تهدف الشركات اليابانية إلى توسيع حصتها في السوق وملف المنتجات، في حين تركز الشركات الأمريكية على الضغط على التكاليف.

بعض المشترين اليابانيين مثل بريدجستون، التي اشترت شركة صناعة الإطارات الأمريكية فايرستون عام 1988، على استعداد للانتظار عشر سنوات لاسترداد تكاليف الاستحواذ، وهو أفق زمني لا يعطى للشركات التي تواجه ضغط المساهمين في بلدان أخرى. ويقول المسؤولون التنفيذيون في اليابان للتبغ إنهم يتوقعون استرداد ما قيمته 6 مليارات دولار من الاستثمار على مدى خمس سنوات، ما يساعد ذلك تحقيق وفورات تصل 22 في المائة في الكفاءة الضريبية المتعلقة بمحاسبة اسم الشهرة.

قدمت الصفقة أيضا إلى اليابان للتبغ فرصة نادرة لشراء العلامة التجارية الممتازة التي تنمو بسرعة في السوق المحلية الخاصة بها. المبيعات المتوقعة في اليابان وحدها، بحسب المسؤولين، تكفي لتبرير السعر المرتفع.

ويقول ناوهيرو مينامي، المدير المالي للشركة: “هذا ما يعتبر صفقة من شأنها أن تعزز بوضوح إمكانات النمو في اليابان للتبغ”. بعد التراجع الأولي لأسعار الأسهم، تعافت أسهمها وأصبحت الآن 13 في المائة أعلى مما كانت عليه عندما تم التوصل إلى هذا الاتفاق.

استحواذ اليابان للتبغ على جالاهر ومقرها في المملكة المتحدة مقابل 7.5 مليار جنيه استرليني في عام 2007، وشراؤها عام 1999 لأقسام التبغ غير الأمريكية من شركة RJR نابيسكو كان أيضا منتقدا، ولكن ينظر إلى هذه الصفقات الآن كأمثلة نموذجية للكيفية التي يمكن من خلالها لشركة يابانية أن تنمو لتصبح قوة دولية.