IMLebanon

أستراليا تطوّر منصة في الشمال للانقضاض على آسيا

Coal-Mine-Australia
ستيف جونسون وجيمي سميث

يشرق وجه تيري أوكونور بالمشاعر التي تجدها لأب فخور، وهو ينظر إلى مساحة مقدارها 170 ألف متر من الأراضي البور التي تم استصلاحها حديثا.

سلم الرئيس التنفيذي لميناء داروين في الإقليم الشمالي في أستراليا مهمة الإشراف على خطط التوسع الطموحة لمجموعة لاندبريدج الصينية، التي دفعت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي 506 ملايين دولار أسترالي (368 مليون دولار) لعقد إيجار لمدة 99 عاما لتشغيل وتطوير المرفق.

إذا سارت الأمور وفق الجدول الزمني، فإن هذه الأرض القاحلة ستشتعل قريبا بنشاط البناء في الوقت الذي تتضاعف فيه مساحة رصيف الميناء لاستيعاب السفن الكبيرة وتزداد قدرته على التبريد، ما يعمل على تعزيز الروابط التجارية في زاوية تم تجاهلها إلى حد كبير من أستراليا.

وكما يقول أوكونور: “سيتوجب علينا مضاعفة نشاطنا ثلاث مرات، على الأقل، لتبرير التوسع”. ويضيف: “نحن نبني تحسبا للطلب، وليس كرد فعل”.

بالنسبة للمؤيدين، الاتفاق يتيح فرصة لفتح الميناء أمام الأسواق الآسيوية المتنامية، لكن المنتقدين يرون أنها خطوة تجاوزت الحد اللازم.

جاءت أولا ادعاءات من معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، وهي مؤسسة أبحاث مختصة بشؤون الدفاع، أن الشركة ومقرها شاندونغ، لديها علاقات مع القوات المسلحة الصينية، جيش التحرير الشعبي – وهو ادعاء يمكن أن يثير جدلا واسعا لا سيما بالنظر إلى أن القاعدة البحرية المجاورة تضم وحدة من مشاة البحرية الأمريكية، وهو النشر الذي أثار غضب بكين عندما أعلن عنه في عام 2011. وقد نفت شركة لاندبريدج ادعاءات أن لديها روابط مع جيش التحرير الشعبي الصيني.

كان هناك مزيد من الانتقادات عندما اتضح أن الصفقة لم تتلق تدقيقا كاملا من قبل مجلس مراجعة الاستثمارات الأجنبية في البلاد.

شعرت الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لأستراليا، أيضا بالاستياء، ما دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أن يطلب من رئيس الوزراء مالكولم تيرنبول في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، “إعلامنا في المرة المقبلة”.

ردة الفعل القوية لا تهدد فقط بتعكير العلاقات مع بكين، ولكنها يمكن أيضا أن تقوض جهودا طموحة من قبل حكومة تيرنبول لبدء التنمية في الشمال الأسترالي ذي الكثافة السكانية القليلة. هذه المبادرة تعتبر أساسية لطموح كانبيرا لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الذي يتباطأ، في مواجهة أكبر انخفاض في أسعار السلع الأساسية خلال جيل واحد.

شمال البلاد، الذي يمتد عبر ولايات كوينزلاند، والإقليم الشمالي وغرب أستراليا، يضم 40 في المائة من كتلة اليابسة، ولكنه لا يضم سوى 5 في المائة من سكانها. السيد تيرنبول الذي يواجه انتخابات العام المقبل، يريد زيادة الخدمات والصادرات الزراعية إلى آسيا. للقيام بذلك فإنه يحتاج إلى طرق جديدة وسكك حديدية وبنية تحتية للموانئ في الشمال. إذا نجحت خطته، فإنها ستعمل على توسيع النشاط الاقتصادي من مراكز التعدين في بيلبارا غرب أستراليا إلى الشمال الوعر.

ضعف الدولار الأسترالي يساعد على هذا التحول، ولكن الاستثمارات الصينية والوصول إلى سوقها – جنبا إلى جنب مع أسواق جيرانها في شرق آسيا، أي اليابان وكوريا الجنوبية – لا غنى عنها لتحقيق خططه.

يقول أندرو روب، وزير التجارة والاستثمار في أستراليا: “الشمال أصبح قابلا للحياة فحسب، لأنها المرة الأولى منذ 200 عام تلت الاستيطان الأوروبي هناك، نتوصل فيه الآن إلى الانفتاح على السوق”.

أزمة السلع

تتمتع أستراليا بطفرة استمرت عشر سنوات، تغذيها شهية الصين التي لا يشبع نهمها لابتلاع السلع الصلبة مثل خام الحديد والفحم لبناء مدنها، لكنها اليوم وبسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، تعمد إلى خفض أسعار خام الحديد والفحم إلى أكثر من النصف منذ الذروة التي بلغتها في عام 2011، ما خفض من قيمة اثنين من أكبر صادرات أستراليا، وبالتالي ما يؤثر سلبا في أرباح الشركات والموازنة العامة للدولة.

ويقول كريس ريتشاردسون، الخبير الاقتصادي في شركة ديلويت آكسس إيكونومكس: “علينا ألا نستهين بمقدار صعوبة هذا الأمر، في الوقت الذي تستمر فيه طفرة الميزانية خلال العقد الماضي لتصبح انهيارا في الميزانية”.

ويضيف: “إن العالم يدفع أقل مقابل صادراتنا، كما أن مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية آخذون في التقاعد. الضغط الناجم عن ذلك على مستويات معيشتنا يترجم إلى ضغط مطابق على تحصيلات الضرائب”.

توسع الناتج المحلي الإجمالي الأسترالي 2.5 في المائة في العام المنتهي في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، أقل بكثير من معدل النمو المعتاد في البلاد من 3 إلى 3.5 في المائة.

ومن المتوقع أن يبلغ العجز في الميزانية الآن 37.4 مليار دولار أسترالي في 2015-2016، ما يغرق توقعات وزارة الخزانة البالغة 2.3 مليار دولار أسترالي في نيسان (أبريل) الماضي، ويؤكد الحاجة الملحة لتنويع الاقتصاد.

تريد الحكومة أن تضاعف أكثر من ثلاث مرات عدد سكان الشمال ليصل إلى خمسة ملايين نسمة بحلول عام 2060، كجزء من حملتها لتحويل قطاعات السياحة والزراعة والطاقة في المنطقة.

وقد التزمت بتقديم قروض ميسرة مقدارها خمسة مليارات دولار أسترالي و1.2 مليار دولار أسترالي من الأموال الفيدرالية للإنفاق على البنية الأساسية، مع أمل أن هذا سيؤدي إلى استثمار خاص إضافي من آسيا.

المؤيدون يدعون أن المحور نحو آسيا يجني المكافآت منذ الآن، مع تجاوز الصين للولايات المتحدة لتصبح أكبر مستثمر أجنبي في أستراليا في 2013-2014. وتقدر قيمة تصاريح على العقار والصناعة وغيرها من المشاريع بمقدار 27 مليار دولار أسترالي.

عندما تهبط مسافة بسيطة تحت السطح، تجد أن المخاوف من الاعتماد الاقتصادي المتنامي على بكين منتشرة على نطاق واسع. استطلاع للرأي صدر أخيرا عن معهد لوي الفكري في سيدني توصّل إلى أن 56 في المائة من الأستراليين، يعتقد أن هناك كميات تفوق الحد من الاستثمارات الصينية في البلاد.

كما يقول عامل متجر في مدينة كيرنز في ولاية كوينز لاند: “لا ينبغي لنا بيع الأراضي للصينيين، ينبغي لنا أن نؤجرها لهم فحسب”. ويضيف: “ينبغي ألا يسمح لهم بجلب العمال الصينيين، لمجرد أنهم أرخص من الأستراليين.”

سياسة الهوية

باعتبارها مستعمرة بريطانية سابقة تقع على حافة آسيا، تعترك أستراليا مع هويتها منذ أكثر من قرن من الزمان. تعهدت الحكومات المتعاقبة بتعزيز العلاقات مع آسيا، ولكن السياسيين ليسوا غافلين عن مخاوف الناس حول الاستثمارات الصينية.

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، منعت الحكومة الفيدرالية عدة عطاءات صينية لشراء شركة إس كيدمان وشركاه، التي تسيطر على الأراضي الزراعية التي استأجرتها الحكومة عبر 101 ألف كيلومتر مربع من المناطق النائية، وذلك جزئيا بسبب أن واحدة من محطات ماشية كيدمان تقع جزئيا داخل منطقة بروميرا المحظورة، أكبر مجموعة لاختبارات الصواريخ في العالم، في جنوب أستراليا.

يقول كيري براون، أستاذ الدراسات الصينية في كلية كينغز في لندن، الذي عمل سابقا في جامعة سيدني: “هناك انعدام ثقة في الشركات المملوكة للدولة الصينية، والدولة الصينية بشكل عام [في أستراليا]”. ويضيف: “أظن في المستقبل أن الاستثمار الصيني لن يكون قادرا على التحرك دون المصلحة العامة المباشرة والتدقيق”.

التحول في تركيز الاستثمارات الصينية من التعدين نحو القطاعات الأكثر حساسية مثل الأراضي الزراعية والبنية التحتية والصناعات الزراعية دفع السلطات لتشديد قواعد الاستثمار.

في تموز (يوليو) الماضي، خفضت الحكومة – تحت ضغط من اللوبي الزراعي القوي – الحد الأدنى الذي عنده تحتاج المقتنيات الخاصة للأراضي في المناطق الريفية من قبل معظم المشترين الأجانب، الحصول على موافقة مجلس مراجعة الاستثمار الأجنبي من 252 مليون دولار أسترالي إلى 15 مليون دولار أسترالي. تم خفض الحد الأدنى لصفقات أعمال الزراعة إلى 55 مليون دولار أسترالي.

وكانت هناك أيضا حملة على قوانين ملكية العقارات، التي تمنع معظم غير المقيمين من شراء العقارات القائمة. مكتب الضرائب الأسترالي يحقق في 500 انتهاك محتمل لقوانين الاستثمار الأجنبي، التي تنطوي على أكثر من مليار دولار أسترالي في الاستثمار العقاري.

أولى الضحايا الرفيعة المستوى كانت شركة عقارات تعود لصاحب المليارات الصينى هوي كا يان، الذي تم توجيه أمر له لبيع قصر على الواجهة البحرية بقيمة 39 مليون دولار أسترالي في بايبر بوينت، سيدني، لخرق القواعد المحلية.

وكما يقول مايكل تشو، وكيل عقاري لدى “هاوس 18” التي تبيع العقارات الفاخرة للمشترين الصينيين: “إن بيع بايبر بوينت [القسري] أرعب المستثمرين”. ويضيف: “جنبا إلى جنب مع التباطؤ في الاقتصاد الصيني وقواعد الاستثمار الأجنبي الأكثر صرامة، تراجع الطلب الصيني”.

وتنفي الحكومة أنها اختصت الاستثمارات الصينية من أجل التدقيق الخاص. ويمكنها أن تشير إلى سلسلة من الصفقات الأخيرة بما في ذلك استيلاء شركة الصين للاتصالات والبناء، على شركة البناء جون هولند مقابل 1.15 مليار دولار أسترالي، وشراء شركة هويتس، ثاني أكبر سلسلة سينما أسترالية، من قبل إمبراطور العقارات صن شوانج مقابل 900 مليون دولار أسترالي.

وكما يقول روب: “إن تاريخ أستراليا منذ كانت مستوطنة هو تاريخ يقوم على الاعتماد على رأس المال الأجنبي، لأن لدينا أسواق رأسمال رقيقة مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى”. ويضيف: “في البداية كانت بريطانيا، ثم الولايات المتحدة ثم اليابان، ولكن في كل حياتي لم أر مزرعة تغادر أستراليا”.

لم تكن العلاقات التجارية مع الصين تتسم دائما بالسلاسة. في عام 2012 احتجت بكين عندما استبعدت الحكومة، تحت ضغط الولايات المتحدة، شركة هواوي من تقديم العطاءات لبناء شبكة وطنية عريضة النطاق في أستراليا، لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وعلى الرغم من أنه قد تم بناء النمو الأسترالي على الطلب الصيني على السلع، فقد تبين أن بعض الاستثمارات التعدينية مثيرة للجدل. في عام 2009 أدت المخاوف الرسمية في النهاية إلى تفكك التحالف المقترح من شركة تشينالكو مع شركة ريو تينتو مقابل 21 مليار دولار أسترالي، ومقترح استحواذ شركة مينميتالس الصينية على شركة أوز للمعادن مقابل 2.6 مليار دولار أسترالي.

يقول دوج فيرجسون، من شركة KPMG أستراليا: “الصينيون مستثمرون من ذوي الخبرة، ولن يتراجعوا بسبب عدم قبولهم وتشديد التدقيق عليهم”. وأضاف: “إنهم يعرفون أن مراجعات الاستثمارات الأجنبية ليست سوى جزء من هذه العملية”.

وسيتم اختبار هذا الشعور في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي تُعرَض فيه للبيع أصول البنية التحتية العامة الحساسة من ميناء ملبورن، الأكبر في أستراليا، إلى حصص مسيطرة في شركتين للكهرباء في نيو ساوث ويلز.

الدرس المستفاد من التاريخ

آدم جايلز، رئيس وزراء الإقليم الشمالي، الحكومة الإقليمية التي فاوضت على صفقة ميناء داروين مع شركة لاندبريدج، يصر على أن ذلك هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله لمنطقة تصرخ مطالبة بتشجيع الاستثمار.

وكما يقول: “كل اقتراعاتنا تخبرنا بأننا ينبغي ألا نبيع الميناء إلى الصينيين، لكننا مضينا في قرارنا وكان أفضل قرار اتخذناه على الإطلاق”.

ويقول مكتب جايلز إن “لاندبريدج” التزمت باستثمار بقيمة 35 مليون دولار أسترالي خلال السنوات الخمس الأولى، واستثمارات متوقعة تبلغ أكثر من 200 مليون دولار أسترالي على مدى السنوات الـ 25 المقبلة.

كذلك تطمح الحكومة الاتحادية أن يصبح شمال أستراليا “سلة الغذاء” في آسيا، وأن يبيع منتجات “نظيفة، خضراء” إلى الطبقة الوسطى الآسيوية المتنامية بسرعة، التي شعرت بالخوف بخصوص المواد الغذائية، وخاصة الواردة من الصين.

المحاولات السابقة لتطوير شمال البلاد انتهت بالفشل، وروب في حالة تأهب لدرس التاريخ. “الناس يأتون من مناطق أخرى من العالم، ويعتقدون أنه آخر الحدود، ولكنهم أنفقوا الكثير من المال وأصيبوا بالإفلاس”.

يجادل وزير التجارة أن ظهور ما يسميه “الأسواق الممتازة عند عتبة دارنا” – في إشارة إلى الطبقة المتوسطة الآسيوية التي يتوقع لها معهد بروكينغز أن تنمو من 600 مليون نسمة إلى ثلاثة مليارات نسمة بحلول عام 2030 – يعطي هذه المبادرة فرصة أكبر للنجاح.

وكما يقول: “هذه هي أكبر منطقة في العالم المتقدم التي تعتبر متخلفة”، ويضيف: “حين تعود (إلى داروين) بعد 10 أعوام، فإنك لن تتعرف عليها”.