IMLebanon

سكك حديد الهند.. محاولة لتصحيح مسار بيروقراطية راسخة

 IndiaRailways
هيني سندر

عندما أصبح سوريش برابو وزيرا للسكك الحديدية الهندية قبل أكثر من عام بقليل، ورث إمبراطورية مع 1.3 مليون موظف، وعدد أكبر حتى من ذلك من المتقاعدين؛ ومسارات تمتد على ما يُعادل مرة ونصف ضعف محيط الكرة الأرضية؛ و21 ألف قطار.

للأسف بالنسبة لبرابو وبلاده، مثل هذا الوصول الكبير – جيش التحرير الشعبي في الصين هو واحد من عدد قليل من الهيئات التي لديها عدد أكبر من العاملين – ترافقه بيروقراطية سيئة السمعة.

على سبيل المثال، استغرق الأمر 18 شهرا لتقرير ما إذا كانت الأكواب في غرف الغسيل لمقصورات الطبقة الثانية في القطارات، ينبغي أن توصل بالجدران عن طريق السلاسل، في حين أن القرار فيما يتعلق بنقاط الشحن للأجهزة الخلوية يجب اتخاذه من قِبل الذين هم في أعلى التسلسل الهرمي.

برابو، المُنغمس في ما يعتبر بمثابة حالة دراسية تنظيمية ذات أبعاد ضخمة، يعترف بالحاجة إلى المزيد من السرعة. يقول: “هذه هي المسائل الخفيفة حيث علينا تسريع عملية صُنع القرار”. وغيرها الكثير يعتمد على تقدّمه. يقول أنانت سواروب، المدير التنفيذي الذي يشغل المنصب ذا المسمّى الرائع، المظالم العامة لوزير السكك الحديدية: “وحده الوزير هو من يستطيع القضاء على مثل هذا الروتين”.

إذا كانت الهند ستتمكن من تنظيم أوضاعها الاقتصادية، وأن تُصبح حملة “صُنع في الهند” التي أطلقها رئيس الوزراء ناريندرا مودي حقيقة وليست مجرد كلام، فإن الهند بحاجة إلى تحسين البنية التحتية فيها، لكن ليس هناك مجال هو أكثر حاجة إلى التحسين من السكك الحديدية.

أحد الأسباب الرئيسة في أن التصنيع في الهند يفتقر إلى القدرة على التنافس هو عيوب شبكة النقل فيها. دراسة أجراها البنك الدولي تذكر أن النفقات اللوجستية في الهند هي أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات من تقييم البنك، لما ينبغي أن تكون عليه.

قطارات الشحن البالغة ثمانية آلاف في البلاد تُسافر بمتوسط سرعة تبلغ 25 كيلومترا في الساعة فقط، ويجب على الزبائن دفع بعض من أعلى الرسوم في العالم، جزئيا لأنها تهدف إلى دعم خطوط نقل الركاب.

يقول برابو: “حملة “يُصنع في الهند” يُمكنها تسريع معدل النمو ويُمكنها تغيير وضع النمو. علينا زيادة الكفاءة وخفض التكاليف”.

الموارد المالية للسكك الحديدية هي في وضع سيئ لأن 55 في المائة من الإيرادات تذهب إلى موظفيها على شكل أجور ومزايا (بارتفاع من 36 في المائة قبل خمسة أعوام) و62 في المائة من المشاريع الأخيرة كان لديها معدل سلبي من العوائد.

ذكر أكشاي سوني، المحلل في بنك مورجان ستانلي، أخيرا: “كان هناك اتجاه من الوعود المُفرطة وعدم تحقيقها”، مُجادلا بأن التغيير يُمكن أن يكون مقبلا الآن بعد وصول برابو. وقال: “لقد جلب التفكير الجديد لوزارة السكك الحديدية المُحتضرة نسبيا التي في التاريخ، كانت تُستخدم أساسا لصرف السخاء السياسي”.

في الواقع، مقارنة بالوزراء السابقين الذين كان إجراؤهم الأول عادة هو بناء محطات لامعة في دوائرهم الانتخابية، يلاحظ برابو أن “لا أحد يستطيع معرفة من أين أنا”.

واحدة من أولويات برابو هي التنازل عن السلطة من خلال إلغاء مركزية صُنع القرار ومنح المزيد من السلطة للذين يتبعونه، وهذا أمر نادر في شبه القارة الهندية. “حكومة أقل وحوكمة أكثر” هو واحد من شعاراته المفضلة، وهي لازمة يُمكن أن تُسمع أيضا على لسان رئيسه، رئيس الوزراء.

مع ذلك، فهو يواجه مهمة شاقة. في تقرير حكومي صدر أخيرا، ذكر الوزير: “في حقبة سابقة، كانت السكك الحديدية الهندية تُوصف بأنها “إمبريوم إن إمباير”، إمبراطورية داخل إمبراطورية”. منذ ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية تتراجع، بشكل ميؤوس منه.

بالنسبة لزوار اليوم، هناك عدد قليل من العلامات البصرية التي تشير إلى أن الزمن قد تطوّر كثيرا، باستثناء التلفزيون بشاشة مُسطحة وشاشات الكمبيوتر التي على مكتب برابو. لافتة خشبية عليها قائمة بالوزراء الذين يعودون إلى حقبة الحكومة البريطانية مُعلّقة وراء المكتب. وهناك تيار مستمر من المُتملّقين، والمهنّئين وغيرهم ينتظرون بصبر دورهم مع الوزير.

مثل معظم المسؤولين الحكوميين، برابو وموظفوه عادة ما يرتدون الزي الهندي بدلا من البذلات على الطراز الغربي. على الرغم من أن هذا الزي ليس مؤثرا عند مخاطبة جماهير كبيرة، إلا أنه مع مجموعة صغيرة ينقل العاطفة والإلحاح الذي يُعتبر نادرا، في بلد حيث معظم المسؤولين فيه يبعثون شعورا بالتهاون.

من ناحية أخرى، هناك مجال أقل للتهاون عندما يتعلّق الأمر بمجال عمله. كان النظام مُتعطّشا للاستثمارات منذ عقود. في عام 1951، كانت السكك الحديدية الهندية أكبر 2.3 مرة من الشبكة الصينية.

منذ ذلك الحين، انعكس الوضع. السكك الحديدية في الصين هي الآن 1.6 مرة ضعف حجم السكك الحديدية في الهند، التي توسّعت بنسبة 21 في المائة فقط.

برابو يُخطط لبرنامج طموح لعكس هذه العقود من الإهمال، حيث كتب في التقرير الحكومي، أن السكك الحديدية الهندية هي “عملاق يخرج من سُبات عميق”. بين هذا العام وعام 2019، ينوي إنفاق أكثر من 130 مليار دولار، وهو أكبر بكثير من مبلغ الـ 34 مليار دولار التي أنفقتها وزارة السكك الحديدية في الأعوام الخمسة السابقة. سيتم تقسيم الكثير من تلك الأموال بالتساوي بين توسيع الشبكة و”تخفيف احتقان” الخطوط القائمة.

لتمويل برنامجه، لا يرغب برابو ببساطة في الاعتماد على سخاء وزارة المالية، حيث شرع بمبادرات إصدار سندات غير عادية، وجمع 25 مليار دولار من شركة التأمين على الحياة الهندية، وهي شركة التأمين المملوكة للدولة، من أجل تمويل لمدة 30 عاما، مع توقيف دفعات الفائدة لمدة خمسة أعوام، وهي فترة أطول بكثير مما قد يُقدّمها أي بنك.

ويملك التزاما من البنك الدولي للحصول على قرض آخر بقيمة 30 مليار دولار. كما وقّع اتفاقيات مع شركات تزويد الكهرباء لتخفيض فواتير مرافق السكك الحديدية. وينوي بيع محطات السكك الحديدية وحقوق التطوير حولها إلى القطاع الخاص، حيث يقول: “إذا كان هناك أي شخص مهتم، فليخاطبني مباشرة”.

لأعوام، يقول الوزير إنه كان هناك ممر شحن مُخصص من دلهي إلى كل من الغرب والشرق “موجود على الورق لكن ليس على أرض الواقع”، مُشيرا إلى أن جعله حقيقة واقعة سوف يتطلب تنفيذ أكبر مشروع للبنية التحتية للسكك الحديدية.

الطلبات التي تم وضعها من أجل قاطرات ومعدات جديدة، والتخطيط لإجراء تحسين في خدمة الركّاب، يُمكن أن توجد عديدا من فرص العمل في مجال التصنيع والخدمات في وقتٍ، حيث القطاع الخاص لا يستثمر. كل من شركتي ألستوم وجنرال إلكتريك تلقّتا عقودا لبناء قاطرات في ولاية بيهار الكئيبة.

كذلك أعد برابو اتفاقية مع وكالة التعاون الدولي اليابانية، المختصة بالمساعدات، من أجل تمويل المعبر المخصص للشحن بين دلهي ومومباي على طول الجانب الغربي للهند، واستعان باليابانيين لإنشاء خط حديدي سريع بين أحمد أباد (في جوجارات المزدهرة) وبين مومباي.

ما يدعو للمفارقة أنه حتى في الوقت الذي يفوض فيه الصلاحيات، فقد أصبح هو نفسه عامل الخطر الرئيس أمام الخارجين. يلاحظ سوني من “مورجان ستانلي” أن: “من المهم تماما أن يبقى سوريش برابو في المنصب فترة طويلة، بما يكفي كي تكتسب عمليته الفكرية الطابع المؤسسي.”

في زيارة إلى الهند قام بها أخيرا جيف إيميلت، رئيس مجلس إدارة شركة جنرال إلكتريك، قال إنه انخرط خمس مرات في تقديم عطاء بخصوص برنامج لتحديث شبكة السكك الحديدية الهندية: “وهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها فعلا أنه سيتم تنفيذها”.