IMLebanon

مفاعيل “المصالحة المسيحية” تفرض “متغيرات” لبنانية

 

geagea-aoun

 

 

كتبت مارلين خليفة في صحيفة “السفير”:

تستنسخ المصالحة بين المكوّنين المسيحيين الرئيسيين، «التيار الوطني الحرّ» وحزب «القوات اللبنانية»، نظيرتها التي حصلت في شباط 2006 إثر إقرار «ورقة التفاهم» بين «التيار الوطني الحرّ» من جهة و «حزب الله» من جهة ثانية.

وإذا كانت بعض الأطراف المحلية ذات الحسابات اللبنانية الضيقة تتخوّف من أن يستبدل العماد ميشال عون «ورقة التفاهم» بـ «إعلان النوايا»، فإنّ العارفين بتفكير الجنرال يدركون أنّ بنود «ورقة التفاهم» ليست حبراً على ورق بل هي قناعات راسخة في ذهنه.

تستذكر أوساط ديبلوماسيّة غربيّة عاملة في بيروت تلك «المصافحة التاريخية بين المسيحيين والشيعة»، كما يحلو لها التعبير، معتبرة أنّ كثرا قللوا من تأثيرها قبل 10 أعوام، لكن ما حدث في الأعوام العشرة الأخيرة أثبت أنها غيّرت التوازنات السياسية الداخلية وانعكست أيضا على سلوك لبنان حيال محيطه العربي وبدّلت مقاربته للعديد من القضايا المحلية والإقليمية.

تعتبر هذه الأوساط أن مصافحة عون ـ جعجع من جهتها ليست سطحيّة، ولا يمكن وضعها في خانة الإصطفاف المسيحي المذهبي الضيّق، بل سيكون لها تأثير أساسي على مجريات الحياة السياسيّة في لبنان في الأعوام المقبلة.

ولعلّ هذه المصافحة شكلت محاولة لاستعجال إتمام الإستحقاق الرئاسي بعد توافق المسيحيين الأقوياء على مرشح واحد، لكنّ الأوساط الغربية تتوقع ألا يبلور «حزب الله» موقفا صريحا وسريعا حيال ذلك آنيا، لأنه ـ من وجهة نظرها ـ يريد انتظار تبلور الأوضاع الميدانية في سوريا، والتأكد من وضعية إيران وقدرتها على التأثير السياسي في الداخل السوري وسط منافسة استراتيجية روسية فاعلة.

وتذهب الأوساط الى القول إنّ مقاربة «حزب الله» للموضوع اللبناني مختلفة، فهو لا يريد حربا مع السنّة اللبنانيين لكنّه متشبث بإدخال الطائفة الشيعية ضمن اللعبة الدستورية اللبنانية.

وتتوقف الأوساط الغربية عند نقطة مشتركة بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحرّ» تتعلق بالمطالبة بقانون انتخابات بحسب النظام النسبي، والذي يضمن مشاركة المسيحيين بالسلطة التشريعية وعدم ارتهان قسم كبير من نوابهم لأصوات المسلمين، وخصوصا في المناطق ذات الغالبية السنية، وبالتالي فإن السؤال المطروح هو: هل سيتخلى «حزب الله» عن فكرة «المؤتمر التأسيسي» لصالح ترتيبات دستورية «موضعية»، أبرزها قانون الإنتخابات والحكومة وهما ضمن «السلة المتكاملة» التي تحدث عنها أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله؟

تقرأ الأوساط الديبلوماسية الغربية في اتفاق عون ـ جعجع «مقدّمة مسيحية» تشبه الى حدّ بعيد «المؤتمر التأسيسي» العتيد، «لكنّه يهدف الى المطالبة بتعديلات دستورية تعيد صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي وتمهّد لعودة المسيحيين كشركاء في الحكم بعدما تمّ تهميشهم لأعوام طويلة منذ إقرار اتفاق الطائف عام 1990».

وتذكر الأوساط الغربية بأحد بنود «إعلان النوايا» الذي أقر في 2 حزيران الماضي عقب زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى العماد عون في مقرّه في الرابية وفيه: «التأكيد على أن وثيقة الوفاق الوطني قد طبّقت، منذ إقرارها خلال عهد الوصاية وحتى اليوم، بشكل مجتزأ، مما يوجب تصويب المسار من خلال العودة الى مرتكزات الميثاق الوطني وأحكام الدستور المتعلقة بالمناصفة الفعلية، وصحة التمثيل النيابي الفعلي والشراكة الصحيحة بين مكونات المجتمع اللبناني كافّة، بما يحفظ قواعد العيش المشترك، وترجمة ذلك في قانون انتخابات يؤمّن القواعد المشار إليها أعلاه، وفي انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكوّنات الأخرى، والإيفاء بقسمه وبالالتزامات الرئاسية، بما يؤمّن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا».

وعلى عكس ما يراهن البعض، وفقاً لتلك الأوساط الديبلوماسية، فإن هذه المشاركة «لن تكون على حساب المكوّن السنّي، لأنه سيحافظ على صلاحياته الواسعة في الحكومة وعلى قدرته في التأثير العددي المرشح للتزايد مع وجود عدد كبير من النازحين السوريين ومع الدعم المتنامي للسعودية التي لن تتخلى عن السنّة اللبنانيين، لكنّها لن تستغني البتّة عن حلفائها المسيحيين ايضا الذين أثبتوا قدرة كبرى في المناورة السياسية الفعالة، وأيضا في مواجهة «حزب الله» في مفاصل أساسية.

وبالتالي ترى الأوساط الديبلوماسية الغربية العاملة في لبنان أن «الحركة المسيحية هي تمهيد لمبادرة وطنية ستقلب التوازنات السياسية التي هي بالأصل عرضة للتغيير. فإصرار المسيحيين على الرئيس القوي يعني، من وجهة نظر غربية، رئيسا ذا صلاحيات قوية، بغض النظر عن الشخص الذي سيتم التوافق عليه لهذا المنصب..»، وقد بات «الرئيس القوي» مطلبا غربيا وإقليميا أيضا.