IMLebanon

لا ترفعوا العباءة عن لبنان (بقلم هيثم الطبش)

king-salman

 

كتب هيثم الطبش

للمرة الأولى في تاريخ لبنان تتدهور العلاقات مع دولة عربية أساس إلى المستوى الذي هو عليه اليوم مع السعودية. والحق يُقال أن صبر المملكة قد طال على الأذى الذي لحق بها من جراء تطاول البعض وولدنات البعض الآخر وسط عض نظر الجانب الرسمي في كل زمان ومكان وعن كل موقف وإهانة.

في كل مرة كان أمين عام “حزب الله”، السيد حسن نصرالله، يوجه فيها خناجر شتائمه المسمومة في اتجاه المملكة، كانت القيادة السعودية تتغاضى وتسمو إنطلاقاً من تقديرها لذاتها أولاً ولقيمتها المعنوية كقيادة إقليمية وإسلامية، وربما في مكان ما تقديراً لعلاقاتها التاريخية مع لبنان الدولة، وليس انطلاقاً من أي حسابات أخرى، علماً أن القيادة السعودية غالباً ما كانت تتعرض لضغوط داخلية يعبّر عنها كتّاب وصحافيون مطالبين بخطوات قاسية وملموسة ضد لبنان وجاليته المقيمة في المملكة.

لكن صبر المملكة طال، ففي فهم دول العالم لا صوت يعلو على صوت الدولة، والديموقراطية الحق لا تكفل التطاول على الدول، لكن الدولة اللبنانية الفاشلة في كل ملف داخلي أثبتت فشلها في صون ولو بند واحد من دستورها قائل بحفظ العلاقات مع الدول وخصوصاً العربية منها.

“حزب الله” الملوثة يداه بدماء اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين والعراقيين واليمنيين لا يمكن أن يكون مرشداً صالحاً لدولة، لأنه مثال لكل خروج على القانون في كل سلوكياته، وهو إن استطاع التطاول بالكلام على دول الخليج فإن عليه أن يدرك أن حدوده هي هذه الرقعة الجغرافية التي سمح له الظرف التاريخي بالتواجد فيه، وأن التسامح العربي مع ظاهرته منذ تأسيسه سمحت له بالصوصل إلى ما هو عليه اليوم من فائض قوة يضعه في موقع يؤهله لمصادرة القرار الرمسي الللبناني.

الخطوة السعودية بتعليق المساعدات للجيش والقوى الأمنية تأخرت فعلاً وهي ليست مستغربة وإن عطفناها على خطوة خروج البنك الأهلي السعودي من لبنان، والذي سبق أن علل خطوته بأن أعماله المحلية لم تعد ذات جدوى، إضافة إلى ما يُحكى عن استعداد بعض الشركات السعودية لنقل أعمالها إلى دبي تحديداً إشارات لا يمكن الاستهانة بها أو بمعانيها السياسية من جهة ومفاعيلها الاقتصادية من جهة أخرى.

ما إن صدر القرار السعودي، الذي أشار علانية إلى وجود سلسلة خطوات، حتى رحبت به الإمارات والبحرين وإذا ما اتخذت أبوظبي خطوات فعلية فإنها ستكون مؤلمة جداً بالنظر إلى حجم العمالة اللبنانية فيها وحجم استثماراتها عندنا. لم يكن ممكناً للسعودية السكوت أكثر عن وقاحة “حزب الله” وبالدرجة ذاتها إنصياع وزارة الخارجية لقرار الحزب ليس في عهد الوزير جبران باسيل وحسب بل ومن قبله عدنان منصور.

لكننا الآن وصلنا إلى هنا، فماذا بعد؟ السيناريو السيئ هو أن تأتي الضربة الثالثة سعودية أو إماراتية كما أسلفنا، لكن الأسوأ هو أن يكون هناك قرار مركزي خليجي بالتخلي كلياً عن لبنان الذي لم يعد له أي قيمة مضافة بالنسبة لمجلس التعاون. فلا سياجة لبنان مغرية في ظل انهيار البنية التحتية ولا المناخ الجميل جذاب في ظل انتشار النفايات والكسارات التي تهش الخضار، ولا العقار استثماراً مجزياً وسط غياب الاستقرار، لقد خسر لبنان كل عناصر الجذب ليتمتع بكل مقومات الوقاحة السياسية التي تخدم مشروع إيران في المنطقة.

المخيف هو أنّ وجود قرار خليجي بالخروج من لبنان سيتركه ساحة مفتوحة للتمدد الإيراني وللسقوط الكامل في يد “حزب الله” وهذه المرة عملياً وليس كلامياً فقط. فمباشرة بعد القرار السعودي، صدرت بعض “الأصوات المنكرة” الداعية إلى التعاون مع إيران المستعدة في تزويد الجيش بكل حاجاته.

الخوف اليوم لم يعد على الاستثمارات السعودية التي تجاوزت في 2011 مستوى خمسة مليارات دولار ولا على الوديعة السعودية الموجودة في المصرف المركزي ولا على 400 مليون دولار من الصادرات اللبنانية السنوية إلى المملكة، الخوف الحقيقي اليوم هو على خروج لبنان من العباءة العربية ليجد نفسه على السجادة الإيرانية.