IMLebanon

مناورات البنوك المركزية تنذر بمزيد من تقلب الأسواق

G20shanghai
محمد العريان

بالنسبة للأسواق يوجد على المحك الآن أكثر من مجرد تعزيز قيمة الأسهم، لأن الاقتصاد العالمي يفشل في تحقيق التحسن والحكومات تكافح للانتقال من الاعتماد المفرط على البنوك المركزية.

إن توافر السيولة لدعم وظيفة الأسواق وجعلها تعمل بشكل جيد، إضافة إلى التوازن المناسب بين التنظيم والكفاءة، هما أيضا أمران مهمان. وكل ذلك يجعل من توقعات الأسواق عنصرا مهما بالنسبة لآفاق النمو الاقتصادي، وفرص العمل، وعدم المساواة، والاستقرار المالي -كل هذا في وقت تعمل فيه خيبة الأمل الشعبية على توفير وقود للحركات المناهضة للمؤسسة على جانبي المحيط الأطلسي.

في اجتماعهم في الصين قبل عشرة أيام، أشار مسؤولو “مجموعة العشرين” إلى المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي الضعيف، الذي لا يزال مثقلا بالديون المفرطة. وفي تقييمهم لما تتطلبه سياسيتهم الجماعية، شددوا على الحاجة إلى التحول عن الاعتماد المفرط والمطول على السياسة النقدية غير التقليدية، والانتقال إلى تدابير “نقدية ومالية وهيكلية” شاملة.

مع ذلك، هذ إقرار مهم بأن مجموعة العشرين لم تمض قدما في صياغة وتنفيذ السياسات المعززة. وكانت الالتزامات السياسية في الاجتماع مجرد إعادة صياغة لما قيل من قبل، وكانت هذه حبرا على ورق إلى حد كبير، لأن الاستقطاب السياسي والخلل الوظيفي في البلدان الرئيسة يشكل قيودا تحول دون إحراز أي تقدم. علاوة على ذلك، عندما تصرفت الصين بعد ساعات فقط من انتهاء اجتماع مجموعة العشرين لتحفيز اقتصادها المتباطئ، لجأت مرة أخرى إلى السياسة النقدية بتقديم مبلغ إضافي يقدر بـ106 مليارات دولار.

من المرجح أن يكون أثر استمرار الاعتماد المفرط على السياسة النقدية أقل حتى في تحقيق النمو المستدام، مع زيادة خطر الأضرار الجانبية المدمرة والعواقب غير المقصودة. وعلى هذا النحو، سيكون هناك خطر أيضا على أسعار الأصول التي تعززت بالفعل بسبب الحقن الكبير لسيولة القطاعين العام والخاص، والتي تتحرك بمعزل عن العوامل الأساسية. وهناك حاجة الآن إلى أساسيات اقتصادية ومؤسسية أفضل من أجل التحقق من صحة الأسعار الحالية للأصول الخطرة، أهمها الأسهم، ومن أجل رفعها إلى مستوى أعلى.

ويتعين أيضا إيجاد استجابة سياسية أكثر شمولا على صعيد الاقتصاد الكلي لدعم فاعلية الأسواق. ففي أكثر من مناسبة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك “نوبة الانسحاب التدريجي” في أيار (مايو) من عام 2013 والمخاوف المتعلقة بالرفاه الاقتصادي في الصين، كان توافر السيولة في السوق غير كاف للسماح بإعادة ترتيب منظمة لمراكز المحافظ الاستثمارية. وزاد هذا من نسبة التقلب في كثير من قطاعات السوق.

هذه الأيام، حتى التغييرات الصغيرة في نماذج الأسواق تسبب تحركات أسعار ضخمة، وعدوى، وزعزعة في العلاقات المتبادلة بين فئات الأصول. وتبرز هذه الظاهرة من خلال النقص الموجود اليوم في “رأس المال الصبور”، سواء أكانت استثمارات من صناديق الثروة السيادية أو صناديق الاستثمار المؤسسية طويلة الأجل في كل من أوروبا والولايات المتحدة، التي كانت من قبل قادرة ومستعدة للتصرف بشكل دوري معاكس. في مثل هذه الظروف يكون الوسطاء التجاريون حتى أقل ميلا للتدخل، خشية حدوث رد فعل عنيف من كل من الجهات المنظمة ومساهميهم من ذوي الآفاق الأقصر أجلا.

إن تهديدا مثل هذه الحالة من عدم الاستقرار في السوق يفترض أيضا بعدا تنظيميا آخر، خصوصا أن عناصر المخاطرة تغيرت وأصبحت خارج القطاع المصرفي. على هذا النحو، يمكن أن تشجع مزيدا من الاهتمام التنظيمي في القطاعات غير المصرفية وزيادة في متطلبات الإفصاح، سواء بالنسبة لصناديق إدارة الأصول، أو صناديق التحوط، أو “تمويل شركات التكنولوجيا”.

وهذا يفرض إمكانية وجود آثار جانبية وآثار عرضية. فيما لو حدث ذلك، فإن الضعف الاقتصادي العالمي واستجابة السياسة الجزئية جدا قد يشكلا ضغطا على أسعار الأصول. ومع إمكانية حدوث قصور في السوق وزيادة في التنظيم، قد يمتد أثر ذلك ليصل إلى النشاط الاقتصادي عن طريق تراجع الاستهلاك القوي، ومزيد من الوساطة المالية الأكثر صعوبة، والاستثمارات المؤسسية الموقوفة.

من دون أسس اقتصادية ومؤسسية أفضل تتحقق من صحة أسعار السوق الحالية وتزودها بدعامة أقوى، سيجد الاقتصاد العالمي نفسه أمام خطر تلوث أكبر بكثير، ناتج عن أسواق مالية أكثر تقلبا وتعاني خللا أحيانا. وستكون النتيجة تهديدا متزايدا بتراجع أكثر عمقا في النمو يعمل على تغذية عدم المساواة، ويضيف إلى عدم الرضا الشعبي عن العملية السياسية ويجعل تحقيق الانتعاش المستدام أكثر صعوبة.