IMLebanon

تحقيقٌ في التحقيق: أوكار تجّار البشر محمية

prostututes

 

 

كتب رضوان مرتضى في صحيفة “الأخبار”:

 

حرّرت القوى الأمنية عشرات الفتيات المستعبدات لتجار الجنس. خُتِمت “مملكة العبودية الجنسية” في المعاملتين بالشمع الأحمر، لكنّ ممالك أخرى لا تزال تنشط في عالم الدعارة السفلي. تعلم الأجهزة الأمنية أنّ هناك عشرات الأماكن على شاكلة الـ”شي موريس”، لم يُسلّط الضوء عليها بعد، لكنّ انكشاف وجود شبكة كبيرة تستعبد عشرات الفتيات في الدعارة القسرية، طرح ألف سؤال وسؤال؟

هل يُعقل أنّ تزدهر سوق واسعة للاتجار بالنساء وتسخيرهن في تقديم خدمات الجنس من دون علم الأجهزة الأمنية؟ سواء كانت هذه الأجهزة تعلم ومتواطئة أو لا تعلم وغافلة، فذلك لا يُعفيها من المسؤولية. من سهّل هروب الرأس المدبّر لهذه الشبكة؟ هل كان واحداً من أفراد القوى الأمنية أم متنفّذاً أعلمه قبل عملية الدهم؟

هل كانت مجرد صدفة ان يتزامن كشف النقاب عن شبكة الاتجار بالنساء مع فتح ملفات الفساد في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي؟ لماذا ترك عناصر الأمن العام الفتيات والموقوفين إثر عملية الدهم التي حصلت منذ خمسة أشهر؟ هل يُعقل أنّ أيّاً من الفتيات الثلاث والثلاثين اللواتي أوقفن حينها لم تأت على ذكر عمليات التعذيب والاكراه التي يتعرضن لها؟ ما قصة المبلغ المالي الضخم الذي ذكرت إحدى الفتيات في إفادتها أنّ عماد الريحاوي دفعه ليجري إخراجه من الملف؟ لماذا جرت عملية الدهم التي نفّذها عناصر الاستقصاء على مرحلتين؟ اذ تذكر المعلومات، بحسب مصادر التحقيق، أنّ عناصر الاستقصاء دهموا مبنى “الشي موريس”، وهناك سألوا إن كانت أيّ واحدة من الفتيات تمارس الدعارة بالإكراه، فرفعت ست سيدات أيديهن. عندها اصطحبت القوى الأمنية السيدات الستّ، إضافة إلى ستّ حارسات وسبعة حراس جرى توقيفهم. وطلب الضابط المسؤول من الباقيات المغادرة. بعد يومين، وبناء على إشارة القضاء، بعد اكتشاف شكل من الاتجار بالبشر، بدأت القوى الأمنية البحث عن باقي الفتيات. وقد عُثر على معظمهن في أحد الشاليهات في البوار. وهنا يُطرح سؤال: لماذا تُركن هؤلاء الفتيات يغادرن، علماً أنهن جميعهن ذهبن إلى شاليهات يستأجرها عماد الريحاوي. ولماذا أصلاً، قد يبقى أو يُترك الـ”Chez Maurice” الذي يستثمره موريس جعجع مفتوحاً، فيما صاحب الاستثمار الأساسي موقوف منذ أربعة أشهر؟

قد يقول قائل أنّ إقفال الـ”Chez Maurice” سيؤدي حُكماً لتحوّل “الزبائن” إلى بيت دعارة آخر، لتُكمل دورة الاستغلال. نظرية المؤامرة هنا تقول: “إبحث عن المستفيد”، فالتجربة تُثبت أنّ “الدزة” دوماً يقف خلفها “قوّادٌ” آخر سيزدهر عمله بوقف عمل منافسه، لكن هذه الأسئلة قد تجد أجوبة عنها، فيما قد يبقى كثير منها بلا إجابة، علماً أن معلومة وحيدة في هذا السياق قد تشفي الغليل. فالمصادر الأمنية، ومن باب الحرص والمتابعة، تكشف أنّ مراقبة الحركة الجغرافية لهاتفي عماد الريحاوي وعلي حسن رصدت انتقالهما إلى الأراضي السورية، إذ تُشير المعلومات إلى أن الرصد التقني أظهر أنّ آخر نقطة كان فيها هاتفاهما شغّالين هي عند الحدود اللبنانية السورية قبل أن يُقفلا نهار الإثنين الماضي. وامس، امر قاضي التحقيق بيتر جرمانوس باقفال 13 ملهى على ساحل كسروان، وذلك بسبب ورود معلومات عن اجبار الفتيات على العمل بالدعارة وعدم اجراء الفحوص الطبية الدورية لهن وظهور “الايدز” بينهن.

منذ أسابيع، أُقفل الـ”Chez Maurice”. أُنقذت ٤٧ فتاة يُستغللن في أعمال الدعارة بالإجبار، ومن دون مقابل أحياناً. سُلِّمت الفتيات إلى جمعيات لدعمهن نفسياً. فيما أُلقي القبض على سبعة حرّاس وست حارسات، كنّ فتيات هوى قبل أن يتقدّم بهن العمر ويتراجع طلب الزبائن عليهن. يومها “أشفق” عليهن عماد الريحاوي، وبدلاً من رميهن في الشارع، عيّنهن حارسات على الفتيات الجديدات.

لم يكن الـ”Chez Maurice” أقل من مركز اعتقال. في بقعة نائية متفرعة من شارع المعاملتين، حيث يقع حصن الدعارة. مبنى أبيض بقضبان حديدية تزنِّرُ طابقيه كما غرف السجن. وُزِّعت بعناية ست كاميرات مراقبة لترصد الزوّار، وربما أيضاً، العاملين والمتطفلين على حدٍّ سواء. زوايا الكاميرات كفيلة بتحديد هوية الأشخاص وأرقام سياراتهم حتى. وأكثر ما يشدّ الانتباه أنّ زجاج نوافذه طُلي بالأسود. يُريد القيِّم عليه عزل من فيه عن العالم الخارجي. لم يستخدم زجاجاً مزوّداً بعازلٍ للرؤيا، بل وضع الطلاء ليطمئن إلى أنّه لن يُثقب أو يُزال.

تعود قصة الـ”Chez Maurice” إلى سنوات خلت. فقد كان موريس جعجع يملك مطعماً في منطقة غزير يحمل اسم “Chez Maurice” منذ سنوات، لكنه اشتهر بعدما صار يستخدم الشقق القائمة فوق المطعم لتسهيل الدعارة لزبائنه. وبعدما ذاع صيته، وتحت ضغط شكاوى الجيران، أُغلق المطعم وخُتِم بالشمع الأحمر. حصل ذلك منذ ست سنوات تقريباً. انتقل بعدها جعجع للاستثمار في منطقة المعاملتين، فاستأجر المبنى الذي يُعرف باسم “شاليهات المير”، وهو المكان الذي سُجِنت فيه الفتيات، والذي دوهِم أخيراً. وأبقى التسمية نفسها “Chez Maurice” للحفاظ على زبائنه. ثمّ ضمّن المبنى لكل من عماد الريحاوي وعلي حسن (وهما سوريان) اللذين توليا إدارة أعمال الدعارة هناك، علماً أنّ المذكورين كانا يعملان لدى “أبو غارو”، أحد أشهر القوّادين، الذي توفي منذ أربع سنوات. غير أنّ اسم “أبو غارو” بقي يُتداول للشهرة التي يتمتع بها المكان في أوساط الشباب، ولقدرته على جذب الزبائن، بحسب أحد المصادر الأمنية.

أوقف مكتب حماية الآداب موريس جعجع منذ أربعة أشهر تقريباً. اتُّهِم الرجل بـ”الاتجار بالبشر”، علماً أنّ مذكرة التوقيف الصادرة بحقه أتت على خلفية إفادة فتيات كنّ يعملن في الدعارة بتسهيل من جعجع نفسه. الفتيات كنّ يترددن إلى مقهى في الكسليك تعود ملكيته إلى طوني خ.، شريك جعجع. فجرى توقيفهن حيث أفادت إحداهن بأنّ جعجع كان يحتجزهن في شاليه بالبوار ويمنع عنهن الخروج، إلا بمرافقة للعمل في الدعارة. وذكرت الفتاة نفسها أن السوري “غياث الضفدع” هو من أوصلها مع زميلاتها إلى جعجع، كاشفة أن “الضفدع” يعمل في تهريب الفتيات عبر الحدود السورية.

في المحصّلة، لا يختلف اثنان على أن قرار مكافحة استغلال النساء في الدعارة غير متّخذ أصلاً في بلد السياحة. على الأقل، هذا ما يُصرّح به قادة الأجهزة الأمنية، ليُترجم ذلك بفرز ٢٢ عنصراً فقط لمكتب مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الآداب، مهمتهم تغطية كامل الأراضي اللبنانية ليلاً ونهاراً. بـ ٢٢ عنصراً فقط يُريد القيّمون على الأجهزة الأمنية مكافحة الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر… وحماية الآداب.

تكاد تتشابه إفادات جميع الموقوفين في قضية الـ “Chez Maurice” . ١٣ موقوفاً وموقوفة (لبنانيون وسوريون) يسردون قصصاً تكاد تكون متشابهة، باستثناء إفادة السائق الذي كان ينقل الفتيات ويُحضرهن من “أبو النور”، “تاجر البشر” الأشهر بين سوريا والبلدان العربية. ورغم أنّ معظم أفراد الحراسة السبعة، كانوا يتقاضون مبلغ ٦٠٠ دولار أسبوعياً، إلا أنّ هؤلاء يكررون أنهم لم يكونوا على علم بما يجري داخل المبنى. إذ إنّ مهمتهم كانت تقتصر على إخراج الزبون السكران أو الذي يؤذي الفتيات. ويروي أحد هؤلاء أنّ نظام العمل الذي وضعه عماد الريحاوي كان يحظر عليهم التواصل مع الفتيات في الداخل تحت طائلة الطرد. وبالسؤال عن أسلوب تعامل الريحاوي مع الفتيات، أبلغ أحد الحراس الموقوفين أنّ الريحاوي كان يأتي يومياً عند الساعة الخامسة والنصف فجراً، أي قبل نصف ساعة من مغادرتهم (دوام عملهم بين السادسة مساء والسادسة فجراً). وردّاً على على سؤال أحد العناصر الأمنية في مفرزة الاستقصاء عن سبب قبوله عملا كهذا، قال أحد الحراس الموقوفين : لم أجد عملاً. كنت عاطلاً من العمل. فخيّرت نفسي بين السرقة والقتل وترويج المخدرات وحراسة بائعات الهوى، فاخترت الأخيرة لأنّها الأفضل”.