IMLebanon

لقاء “جبّارين” في السعودية!

barak-obama-king-selman

 

تعقد القمة الأميركية السعودية الأربعاء 20 نيسان الحالي في الرياض، في وقت حرج بالنسبة إلى الطرفين، إذ يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل يوم واحد من قمة أميركية خليجية، لمناقشة آخر التطورات في العلاقات بين البلدين، والتي أضيف إليها عامل توتر جديد، يتمثل في محاولات تمرير قانون يمهد لاحتمال محاكمة مسؤولين سعوديين، بتهم تتعلّق بالضلوع في أحداث 11 أيلول 2001.

ومن المتوقع أن تحظى الملفات العالقة في المنطقة، والمتمثلة بمقاربة الأوضاع العراقية والسورية واليمنية، بالأولوية في نقاشات الرئيس الأميركي والعاهل السعودي، بالإضافة إلى استمرار النقاش بشأن الأدوار التي تؤديها إيران في المنطقة قبل أن يجتمع أوباما بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، استكمالاً لما بدأ به في قمة كامب ديفيد في أيار 2015.

الخطر الإيراني

يوجد تناقض حاسم بين الرياض وواشنطن تجاه طهران. فقد طرح أوباما “خطة احتواء” إيران، وذلك بعقد اتفاق نووي “تقني”، بمعنى أنه خال من المقاربة السياسية، يؤجل فرص حصول إيران على قدرات نووية لخمس عشرة سنة، بينما يعوّل على أن رفع العقوبات الاقتصادية ينعش طبقة وسطى تصبح مؤثرة في السياسات الإيرانية، خلال عقد ونصف عقد، ما يتوقع أن يدفع باتجاه تغير في السياسات الإيرانية من الداخل هذه المرة.

في المقابل، يبدو أن سياسات الرياض تجاه طهران، ومنذ وصول العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى سدة الحكم، تُفشل المقاربة الأميركية، إذ إنّ السعودية بمواجهة المخطط الإيراني في المنطقة بشكل مباشر، ستقوم بدفع مختلف أطياف الشعب الإيراني إلى دعم حكومته، باعتبار أن العداء للسعودية هو أهم ما يجمع الأطياف السياسية الإيرانية المختلفة، حتى تلك المعارضة للمرشد الإيراني علي خامنئي وسياسات الحرس الثوري.

ولم يتردد أوباما في لقاء مع مجلة “ذا أتلانتك” قبل أسابيع في دعوة السعودية إلى “تقاسم” المنطقة مع إيران، وهو ما أغضب السعوديين الذين ينظرون لإيران كدولة معتدية تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتدعم سياسات طائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، أدت إلى تفتيت هذه الدول.

وقد حاول الرئيس الأميركي، في قمة كامب ديفيد، التي عقدت العام الماضي، وجمعته بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل غياب العاهل السعودي، إقناع حلفائه الخليجيين بأن إيران لا تمثل خطراً على دولهم، وأن المخاطر التي يواجهونها داخلية، تتعلق بالإصلاح والديمقراطية. كما قدم تعهدات بالدفاع عن الخليج عسكرياً في مواجهة أي تهديد محتمل، في مقابل أن مقاربته تجاهلت مخاطر المليشيات الإيرانية في المنطقة، والتي تنشط في العراق وسوريا ولبنان واليمن، معتبراً أن مواجهتها تقع على عاتق دول المنطقة.

رأت السعودية أنّ هذه المقاربة مجحفة. فالرياض تجد في طهران خطراً حقيقياً يزعزع استقرار المنطقة وتعمل مع حلفائها لمواجهته. ومن هنا كان استخدام السعودية لقوتها العسكرية، لأول مرة، للتدخل في اليمن ومنع إيران من بسط نفوذها على “الحديقة الخلفية” للسعودية، وذلك من خلال إنشاء تحالف عربي موسع، مكوّن من عشر دول عربية، لمواجهة المنقلبين على شرعية الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، من الموالين للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ومليشيات الحوثيين. ويضاف إلى ذلك تقديم دعم واسع للفصائل المعارضة السورية المسلحة، التي تواجه قوات بشار الأسد والمليشيات الأفغانية واللبنانية والعراقية المدعومة إيرانياً. كذلك تعمد السعودية إلى عزل إيران إقليمياً، الأمر الذي نجحت فيه من خلال استصدار إدانات واسعة لإيران وحزب الله من مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، وأخيراً قمة منظمة التعاون الإسلامي. ويرى السعوديون بأن التدخلات الإيرانية زادت بعد الاتفاق النووي، وأن رفع العقوبات سهّل لطهران استثمار ملايين الدولارات لدعم مشروع هيمنتها على المنطقة. الأمر الذي قررت الرياض مواجهته، على الرغم من عدم تقديم البيت الأبيض لأي تسهيلات داعمة للخطوات السعودية في المنطقة.

مقاربات متباينة

وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة والسعودية تتقاسمان العداء لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتطمحان لإنهاء الانقسام الطائفي في العراق، والحرب في اليمن، وإيجاد مخرج للثورة السورية، فإنّ مقاربات البلدين لهذه الملفات مختلفة. مردّ هذا التباين إزاء هذه الملفات هو اختلاف أولويات الرياض وواشنطن. فالرياض تجد إيران التهديد الأول والأبرز للاستقرار في المنطقة، وما تنظيم “داعش” إلّا نتيجة لانهيار الدولة في العراق وسوريا، والذي ساهمت السياسات الأميركية في جزء منه، وتتحمّله طهران بصورة أساسية. أمّا واشنطن، فلا ترى المنطقة، إلا من خلال منظار محاربة الإرهاب. فبينما لا يهددها النفوذ الإيراني في الإقليم بشكل مباشر، يمثل تنظيم “داعش” خطرًا مباشرًا على المصالح الأميركية وقام بتنفيذ ضربات موجعة على أراضي حلفائها الرئيسيين في المجتمع الدولي تحديداً في أوروبا.

وقد انعكس هذا الاختلاف على مقاربة الولايات المتحدة والسعودية التفصيلية للمنطقة. وبينما تحاول الولايات المتحدة إغلاق الملف السوري بأي ثمن لمواجهة “داعش”، تعطي السعودية الأولوية لرحيل الأسد، وانحسار النفوذ الإيراني عن دمشق.

أمّا في العراق، فتدعم الولايات المتحدة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، بينما لا تعول السعودية كثيراً على العبادي، رغم تفاؤلها في البدايات، إذ إنّ طبيعة النفوذ الإيراني في بغداد، لم تتغير مع وصوله إلى رئاسة الوزراء.

في اليمن، وعلى الرغم من مجاملة واشنطن للرياض ودعمها لتدخلها هناك، إلا أنها لم تقدم دعماً “كافياً”، من وجهة نظر المملكة، في البلد التي ترى فيه السعودية احتمالاً لوجود إيراني ممثلاً بمليشيات الحوثيين، بينما تراه الولايات المتحدة مسرحاً لوجود تنظيمي القاعدة و”داعش”، لذا تريد إنهاء الحرب في أسرع من أجل التفرغ لمواجهة التنظيمين.

للخروج من هذه التباينات، طرحت السعودية مقاربة مختلفة تتمثل في إعلان الرياض عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، في كانون الأول الماضي، وكذلك عرضها إرسال قوات برية سعودية لمحاربة تنظيم “داعش” في سوريا، شريطة أن يحصل ذلك تحت مظلة التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والذي تقوده الولايات المتحدة، منذ تشرين الثاني 2014.

يأتي العرض السعودي الأخير، ليكون أهم مقاربة لتجسير الهوة ما بين الرياض وواشنطن، في مقاربة قضايا المنطقة. الولايات المتحدة، والتي لم تُخف ترددها حيال المشروع، والذي يتضمن مشاركة قوات برية واسعة، من دول المنطقة، ووجود قوات أميركية أيضاً، قامت بمناقشته على مدى الأشهر القليلة الماضية.

وقامت الولايات المتحدة أخيراً بزيادة حضور قواتها على المحور العراقي لمواجهة “داعش” مع استمرار ضربات التحالف الدولي لمواجهة التنظيم في العراق وسوريا على حدٍ سواء. ويعني هذا الأمر أن العرض السعودي قابل للتحقق، وهو الأمر الذي ستحكمه المداولات السياسية والعسكرية الحالية وخلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ويتوقع أن يكون المشروع السعودي قد حظي بالنقاش أيضاً، خلال اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، بوزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي أمس الثلاثاء، وذلك قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الأميركي الذي سيلتقي بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، اليوم الأربعاء، ثم يلتقي بقادة دول مجلس التعاون الخليجي، غداً الخميس، لاستكمال ما بدأ في قمة كامب ديفيد، العام الماضي.

مشروع قانون الكونغرس

في هذه الأثناء، تحوّل مشروع القانون الذي يطرحه الكونغرس الأميركي، والذي يقترح إلغاء الحصانة القضائية لـ”الدول التي تتورط بهجمات على التراب الأميركي وتتسبب بمقتل مواطنين أميركيين”، إلى أحدث عامل توتر يزيد من تأزيم العلاقات السعودية الأميركية، ولا سيما بعد تهديدات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بأن تمرير القانون سيضطر السعودية إلى بيع “سندات الخزانة الأميركية التي تملكها، وأصول أخرى” تقدر بـ750 مليار دولار، الأمر الذي سيؤدي إلى هزة اقتصادية لن ينجو منها أحد.

ويتعلق القانون الذي يرغب بعض أعضاء الكونغرس بتمريره، بمطالبات بالكشف عن 28 صفحة من تقرير لجنة التحقيق الأميركية في أحداث 11 أيلول، والتي يشاع أنها تتهم مسؤولين في الحكومة السعودية بالتواطؤ مع منفذي هجمات أيلول.

وكانت المحاكم الأميركية أسقطت دعاوى رفعها أهالي ضحايا هجمات أيلول، ضد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع آنذاك، الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز. كما أسقطت دعوى قضائية ضد رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الأمير تركي الفيصل، والذي تتهمه دوائر أميركية بالضلوع في أحداث أيلول، على خلفية علاقاته مع زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إبان تجنيد الجهاديين في أفغانستان، لمواجهة الاتحاد السوفييتي والمد الشيوعي.

وكانت لجنة التحقيقات الأميركية قد أكدت أن الأوراق المحجوبة من التقرير، والتي جدد الرئيس الأميركي باراك أوباما، حجبها، لا تتضمن أي اتهامات لمسؤولين أساسيين في الحكومة السعودية. الأمر الذي فتح الشكوك حول تورط موظفين حكوميين أقل قيمة.

وسبق أن تسربت اتهامات لسعوديين بالتواطؤ مع مرتكبي هجمات أيلول، ولا سيما مع وجود 15 سعودياً بين الـ19 مختطفاً، بالإضافة إلى حمل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الجنسية السعودية، والتي كانت أُسقطت عنه سابقاً.

وقد تردد اسم المواطن السعودي، عمر بيومي لجهة وجود صلة بينه وبين اثنين من منفذي هجمات أيلول، وهما خالد المحضار ونواف الحازمي. وقيل وقتها إن بيومي قام بتسهيل دفع أموال لأسامة باسنان، المتهم بأنه على صلة مفترضة بالخاطفين، والذي تلقى شيكات من الأميرة هيفاء الفيصل، زوجة السفير السعودي السابق في واشنطن، الأمير بندر بن سلطان. ومما عزز هذا الاشتباه، في وقتها، إقامة المحضار والحازمي في مجمع “باركوود” في كليرمونت ميسا، في مدينة سان دييغو الأميركية، المكان الذي كان بيومي يقيم فيه. ونفت السعودية بشكل قاطع هذا الأمر. كما نفاه بيومي الذي تم التحقيق معه من قبل جهاز الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” والشرطة البريطانية ثم تم الإفراج عنه والسماح له بالعودة إلى بلاده في 2002.

ويُعتقد على نطاق واسع أن كل الاتهامات الموجهة إلى السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، لا تعدو عن كونها تخمينات وتكهنات، تستخدم في الصراعات الداخلية الأميركية أو الخارج عند الحاجة. كما تم اتهام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، بأنّه على صلة بتنظيم “القاعدة” وزعيمه أسامة بن لادن. الأمر الذي يدفع البعض لوضع سيناريوهات خيالية والقول إنّ الاستخبارات الأميركية، ممثلة بالـ”سي آي إيه”، على صلة بالهجمات، باعتبارها كانت داعمة للجهاد الأفغاني.

من المستبعد أن يمرر الكونغرس مشروع القانون الذي يمهد لمحاكمة السعودية على خلفية أحداث سبتمبر، كما أن القانون، سيحتاج لتوقيع الرئيس الأميركي، ليصبح نافذاً. وقد استبق البيض الأبيض الجدل بشأن إمكانية توقيع أوباما على مشروع القانون، بتأكيد المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، أنّ أوباما لا يؤيّد مشروع القانون المقترح ولن يوقع عليه في حال مرّره الكونغرس. وأضاف إرنست “أنا على ثقة بأنّ السعوديين يقدرون – مثلنا تماماً – مصلحتنا المشتركة في الحفاظ على استقرار النظام المالي العالمي”، في رد على التهديد السعودي ببيع “سندات الخزانة الأميركية التي تملكها، وأصول أخرى”.

ويعدّ تمرير القانون مخاطرة أميركية، إذ يُتوقع أنّ تقوم السعودية بالمثل، والتي قد تخطو خطوات أوسع مع حلفائها في المنطقة، ولا سيما دول الخليج، للتضييق على الاستثمارات الأميركية في المنطقة، فضلاً عن حضورها السياسي في المنطقة. الأمر الذي لا يبدو أن الولايات المتحدة ستقوم بالمغامرة به من أجل إرضاء أهالي ضحايا أحداث أيلول.