IMLebanon

جنبلاط منسحباً: خَلَصْ ما بقى تْسِمّوني! 

walid-jumblatt

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

آنَ الأوان لتيمور على ما يبدو. ويقول القريبون من النائب وليد جنبلاط: إذا كان المطلوب أن نتجرَّع كأس الانتخابات البلدية في موعدها المقرّر، فلتكن لها إيجابية على الأقل: إيصال تيمور. فهذه هي الفرصة الفضلى لضمان دخوله النادي النيابي من دون معارك مزعجة.قبل عام، بدأ النائب وليد جنبلاط تنفيذ سلسلة خطوات لتوريث نجله تيمور سياسياً، في شكل تدريجي. فأخلى له كرسيَّه في صالون قصر المختارة ليستقبل الوفود الشعبية ويتعرَّف إليه الناس، وبدأ يَصحبه في شكل مكثّف إلى لقاءاته السياسية المهمّة ليختبرَ هذا المعترك ويتعرّف إليه السياسيون.

وفي آب، زارَ الأب والإبن باريس حيث التقيَا الرئيس فرنسوا هولاند في الإليزيه.

ولأنّ بين باريس والبيت الجنبلاطي علاقة تاريخية وطيدة، أراد وليد أن يعرِّف الرئيس الفرنسي إلى الوريث، وأبلغَه بقراره التنحّي عن التفاصيل السياسية ليتفرّغ للتوجيه السياسي بعناوينه وخطوطه الكبرى.

وردَّ هولاند على جنبلاط بأنّ المرحلة شديدة الدقّة، ولا بأس في أن تبقى بعض الوقت في ممارسة العمل التفصيلي، وخلالها يكون تيمور قد تلقّى المزيد من الخبرة. وشهدت تلك المرحلة اضطراباً في أوضاع دروز سوريا، والسويداء تحديداً. وكان رأي الرئيس نبيه برّي مماثلاً لرأي هولاند، فاستجاب جنبلاط للنصائح، وجمَّد خطوته.

وفي الزيارة التي قام بها هولاند لبيروت، الأسبوع الفائت، اصطحبَ وليد نجله الشاب إلى حفل الاستقبال الذي أقامه الصديق الفرنسي في قصر الصنوبر. وهذه المرّة، بعد 8 أشهر على اللقاء السابق، كان قرار وليد بالتوريث أكثر تبلوراً. وتوقيت إجراء انتخابات بلدية ملائم لإجراء انتخابات فرعية في الشوف، على غرار انتخابات جزين.

بالنسبة إلى جنبلاط، الانتخابات البلدية كأسٌ مُرَّةٌ يحاول أن يتجنّبها في ظلّ تفاهم عون – جعجع في البلدات المسيحية وعدم تفاهمه مع «المستقبل» في إقليم الخروب وتجاذب بعض الأنصار في الشوف وعاليه على أسُس عائلية ومصلحية.

ولكن، إذا لم يكن أحد يَجرؤ على تَحمُّل المسؤولية عن تعطيل الانتخابات، فعلى الأقلّ يجب الخروج منها بالحد الأدنى من الأضرار وما يمكن من مكاسب. ومن ذلك، الإفادة من فترة الهدوء الانتخابي، نيابياً، لإيصال تيمور إلى المجلس النيابي بعيداً من المعارك الصاخبة والمساومات التي تَغلب على المعارك الانتخابية الشاملة.

لذلك، سارَع جنبلاط إلى الإعلان عن نيتِه تقديم استقالته من المجلس النيابي عند أوّل جلسة تشريعية. وهو بذلك يفرض انتخابات فرعية في الشوف لمصلحة تيمور الذي لن يكون له منافِس جدّي. ولبلوغ الهدف، يُفترض أن تُعقد الجلسة التشريعية قبل الانتخابات البلدية في جبل لبنان، في 15 أيار… إلّا إذا طرأ ما يعطل هذه الانتخابات وفق ما تشتهي قوى أساسية عدة!

ولكن، بالانتخابات البلدية أو من دونها، يريد جنبلاط لتيمور أن ينخرط في العمل السياسي. ويقول العارفون إنّ الشاب ليس من النوع المولع حماسةً بالسياسة على الطريقة اللبنانية، لكنّ موقعَه وواقعه يفرضان على رجال آلِ جنبلاط هذا المسار «قَدَرياً». والخطوة التالية للمقعد النيابي ستكون، في وقتِها المناسب، زعامة الحزب الاشتراكي.

ومنذ أن أطلق وليد أمنيتَه الشهيرة: «زبّال في نيويورك»، وفي داخله تتفاعل رغبة الخروج من معترك التفاصيل الصغيرة وإخلاء الساحة للوريث السياسي تيمور. وفي الفترة الأخيرة – يقول المقرّبون – سيطر عليه القرَف الشديد من كلّ شيء، وبات يشعر بالحاجة إلى الانسحاب في أوّل فرصة.

لكنّ تيمور الحامل بعضَ جينات جنبلاط السياسية ليس نسخة عن والده. ويقول العارفون إنّه أقلّ حبّاً للمغامرات، ويفضّل العملَ الهادئ والصامت. وفي أيّ حال، إنّ تيمور في عامِه الـ 33. وهذه السنّ ليست مبكّرة بالنسبة إلى تجربة وليد الآتي إلى الزعامة قسراً، بعمر 28، بعد اغتيال والده كمال عام 1977.

يبدو وليد اليوم خائباً إزاءَ كلّ ما يجري حوله: في سوريا تأكّد له أنّ الرئيس بشّار الأسد لن يسقط. وفي الداخل تزداد مخاوفُه الشخصية ومخاوف طائفته من المنحى الذي يتّخذه لبنان، لجهة اختلال معادلات التنوّع التي تميِّزه وتوفِّر الأمان لكلّ مكوِّناته، ومنها الأقلّية الدرزية.

وحتى لعبة التجاذب وتقاسُم المصالح التي كانت تراعي وضعَ المسيحيين والدروز تقليدياً، باتت اليوم تتجاوزهم بسبب شراسة الصراع المذهبي الإقليمي، ما يغيِّر صورةَ لبنان. ومن النماذج ما يمكن أن يصيب الدروز العاملين في الخليج من إجراءات لا ناقة لهم فيها ولا جَمل.

يريد جنبلاط أن يحمي نفسَه بالرابط الذي يجمعه والرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري، وتحييد «حزب الله». وعلى رغم السجالات الملتهبة بينه وبين بعض أركان «المستقبل»، فإنّه يَطمئنّ إلى علاقة وطيدة مع الحريري الذي يقول: مهما حصل، وليد هو الذي أقام مأتماً لوالدي!

وفيما الكيمياء مفقودة بين جنبلاط وبعض الطاقم المحيط بالحريري، هناك ارتياح في «بيت الوسط» إلى جنبلاط ونهجِه، وإلى اختياره الوزيرَين وائل بو فاعور وأكرم شهيّب ليكونا معاونيه، وتالياً معاونَي تيمور. فدور غازي العريضي محصور بجلسات الحوار. ويقول البعض إنّ مِن أزمات جنبلاط في الانتخابات البلدية عدم التنسيق بين أنصار كلّ من شهيّب والعريضي في بلدات عاليه.

ولكنّ جنبلاط يبدو أكثر ارتياحاً، في معارك الشوف البلدية، إلى علاقته بالنائب دوري شمعون. وهو يعتقد بأنّه قادر على تشكيل ثنائي معه لمواجهة الثنائي عون – جعجع في البلدات المسيحية. فشمعون وجنبلاط متضرّران من تفاهم معراب. ومشكلة شمعون هي مع عون تحديداً، إلى حدّ أنّه تمنّى له الموت قبل أيام!

وأدّى الاتصال أخيراً بين الحريري وجنبلاط إلى حصر مضاعفات السجالات بين الجانبين. وطلبَ الحريري من الوزير نهاد المشنوق وقفَ التصعيد مع جنبلاط، فأعلن أنّ جنبلاط لم يفاتحه بطلب تأجيل الانتخابات البلدية.

لذلك، يفكّر جنبلاط في خلق أجواء هادئة تلائم دخول تيمور إلى المجلس النيابي. وينقل العارفون عن جنبلاط قوله: لقد عاصرتُ الرئيس كميل شمعون والرئيس صائب سلام والشيخ بيار الجميّل الجدّ، وآنَ الأوان لنتركَ المجال للجيل الجديد. فلكلّ مرحلةٍ تاريخية جيلها. وعلى الجيل الجديد أن يتولّى إدارةَ الأمور، فهو الأقدر على ملاءمة المتغيّرات التي فرضتها المرحلة الجديدة.

ويروي العالمون أنّ وليد جهَّز في كليمنصو مجموعات من الكتب ليمضيَ بها أوقاته في فترة ابتعاده عن الممارسة السياسية. وهو أيضاً رتّبَ مكتبته الخاصة في منزله الباريسي، ويستعدّ للانتقال إليها وقضاء فترات من الهدوء النسبي برِفقة الأصدقاء، ولا سيّما منهم الوزير السابق غسان سلامة.

وفي الوقت عينه، باتَ جاهزاً لنشرِ قسمٍ مِن مذكّراته التي يروي فيها وقائع من محطات مهمّة من مسيرته السياسية. وستكون مذكّراته الشاملة موضعَ اهتمامه في مرحلةٍ لاحقة. فهو يَرغب في الاحتفاظ بروايتها لنفسه، وفي الظروف المناسبة لذلك.

وفي شكل تدريجي، سيستفيد وليد جنبلاط من الظروف للتقدُّم في تسليم وريثه السياسي مسؤوليات حزبية. وهو اليوم يحمل صفة «عضو مرشد»، ما يخوِّله سلوك الآليّة التي تقوده إلى رئاسة الحزب. وإذ يتمّ تأجيل انعقاد الجمعية العمومية في السنوات الأخيرة، فقد بات واضحاً أنّ الأمر يرتبط بتهيئة الأجواء لتسليم تيمور صلاحيات حزبية قيادية.

يقول البعض إنّ التوتّر الاستثنائي والمعارك التي يخوضها وليد جنبلاط على جبهات عدة في آنٍ واحد ربّما تكون جزءاً من عدّة الشغل. فهو غالباً ما يشعل غضبَه ويطلق النار في كلّ الاتجاهات للتمويه. ثم يصوِّب سرّاً على هدف محدّد. إنّه أسلوب جنبلاطيّ بامتياز، وقد أثبتَ مفاعيله حتى الآن.