IMLebanon

عن المحدلة والزفت والعجائب التي تجتاحنا!  (بقلم يورغو البيطار)

elections

 

 

كتب يورغو البيطار:

قد لا يختلف اثنان على ان قرفاً عارماً يصيب اللبنانيين الغارقين في شؤون وشجون الوطن المثقل بجراحٍ وندوبٍ بات التفكير ببسلمتها ضرباً من الجنون! والأنكى ان ابطال وصناع المشهد القاتم لا يخجلون… تراهم يلصقون كل فشلهم بـ “مصلحة الوطن” مكلّلة بدغدغة مشاعر طائفية ومذهبية رخيصة لا تغني عن جوع حتى كادت شعاراتهم التي اطنبونا بها في سنوات حروف مبعثرة في زواريب مصلحية من هنا وصفقات خضراء من هناك.

وها هو الاستحقاق الانتخابي البلدي يأتي ليزيد الاشمئزاز عمقاً! فالاستحقاق الذي من المفترض ان يكون انمائياً اولاً ثم ساحة لأول تنافس ديمقراطي حقيقي بعد وقاحة تمديد النواب لنفسهم مرتين وتعطيل قوى الظلام لانتخاب رئيس للجمهورية رغم سنتين من الفراغ، تحول لما يشبه حلبة جنونية!

فجأة اندفع معظم الاطراف لتجميع انفسهم في لوائح جمعت كل ما في المشهد السياسي من أضّاد، لوائح تبتدع في كل مدينة ومنطقة شعارات رنانة من “فرض الوجود” و”استعادة القرار” و”ليبقى القرار” في عقر داره.. وغيرها من العبارات الممجوجة التي لن تقدم ولا تؤخر. كل ذلك مع استنفار للعصبيات الضيقة حتى بتنا نشعر ان التقسيم حلّ وخطوط التماس رسمت بين ابناء الحي الواحد.

لم يعد غريباً اذن ان نرى تيارات كانت بالامس تتقاذف بعضها بابشع الصفات تتحالف معاً بلوائح انتخابية معلبة وفق منطق “المحدلة” في مناطق تبرز فيها اتجاهات مدنية شبابية حديثة ترغب باحداث فرق في مجتمع ملّ من دوامة الروتين القاتل. اما المستغرب بقوة اننا ما زلنا نرى الجحافل التي تصفق لكل ما تسمعه وهي التي لا تكل او تمل من الشكوى من الحالة الراهنة التي تزداد سوءا شهرا بعد شهر ويوما بعد يوم…

ورغم كل هذا السواد ثمة بصيص من الضوء يلوح في بعض المناطق القليلة ويواجَه بماكينات المال والسلطة والتخويف وطبعا بمنطق المحادل دون اي اعتبار للمبادئ التي صارت في خبر كان.

في بيروت يبدو المثال الاكثر نفوراً! فلائحة “بيروت مدينتي” امست نموذجا يتناقله باعجاب اللبنانيون التواقون لممارسة جديدة. فهذه المبادرة التي تستحق التنويه عرضت برنامجا واضحا ثم اعلنت مرشحيها وفق مقومات الديمقراطية العصرية وبأسلوب يحترم اولاً الناخبين بلا استغباء او استعلاء… هذه اللائحة تواجه بلائحة اخرى “البيارتة” وهي التي تعتبر امتدادا لتجارب سنوات طوال من فشل العمل البلدي الذي ظهر فاضحا في محطات عدة. تلك اللائحة تجمع كل مضادات البلد السياسية في بوتقة واحدة اما الأسوأ هو ان تستمر اطراف في اللائحة بمهاجمة عرابيها الاساسيين رغم ان الجميع مشارك فيها وطرف آخر فيها يدعو الناس للانقلاب على هذه التجربة رغم انه من صلبها والعشرات غيرها من الامثلة الغربية العجيبة! من قال ان العجائب انتهت؟!

وفي طرابلس تبدو عناصر “المحدلة” التي تخطت انقاساماتها الجمّة متكتلة بوجه المجتمع المدني الطامح بالتغيير بعد فشل ذريع منيت به تجربة “التوافق” او المحاصصة سابقاً. وحده الوزير اشرف ريفي تيقن لنبضٍ يتوق لممارسة جديدة منتجة واعلن بوضوح تأييده لما يقرره هذا المجتمع الذي يحتاج لما ينتشله من عسس المحاصصة وآثارها السلبية.

ولا بد من الاشارة ايضاً لتجربة يعول عليها ايجابيا في قضاء زغرتا حيث تم التوصل لتفاهمات اساسها الكفاءات والقدرات الانمائية من دون ابعاد اي طرف سياسي عن المعادلة. لكن المؤسف ان في معظم المناطق الاخرى تحتل العصبيات العائلية والمذهبية والتكتلات السياسية غير المنطقة مشهد الصدارة وفق منطق “اعطيني لاعطيك” وسط شبه غياب لمشاريع ومخططات وبرامج.

يبدو الامتحان امام اللبنانيين صعباً… فهم يغرقون مواقع التواصل بالشكوى والدعوة للتغيير والوصول لنماذج مختلفة وينتقدون “الزفت الانتخابي” الذي يجتاحنا فجأة من كل حدب وصوب! هي مسؤولية تكاد تكون مفصلية فإما محاسبة ولو جزئية لسلطة فشلت سياسياً كما انمائيا وخدماتياً وإما تجديد قد يكون نهائياً لتراكمات رسخت حالة القرف وستزيدها الى اليأس الكامل.