رويدا رويدا تقترب فنزويلا فعلاً من حافة الانهيار الاقتصادي، في ظل سيطرة شبح السياسات الاقتصادية الفاشلة في بلاد تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم، غير أن الصورة السوداوية اليوم تقلب الموازين رأساً على عقب في أصعب محنة اقتصادية يشهدها الشعب الفنزويلي على الإطلاق.

فإلى جانب الهبوط الحاد في أسعار النفط، الذي يعتبر محرك النشاط الاقتصادي في البلاد، تعاني فنزويلا من أزمة سياسية كبيرة مع سعي المعارضة التي تشغل غالبية مقاعد البرلمان الى تنظيم استفتاء لعزل رئيس الدولة نيكولاس مادورو.

هذان العاملان يشكلان جوهر الأزمة الفنزويلية، في وقت تشير التقديرات إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 500%، هذا العام و1600% في 2017، بينما يواجه السكان نقصاً خطيراً في مواد أساسية وغذائية إلى جانب فقدان أكثر من 70% من الأدوية، مع استهلاك احتياطي العملات الأجنبية المخصص للاستيراد، ما يدفع بالشعب إلى الوقوف في طوابير طويلة لساعات لشراء احتياجاتهم من المتاجر في مشهد أقل ما يمكن وصفه بالمأساوي.

وبحسب تقرير أعدته صحيفة “نيويورك تايمز” ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق في السوق السوداء في ظل استمرار نقصان المنتجات والاصطفاف في الطوابير، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة.

فقد ارتفعت أسعار دقيق الذرة 10 مرات والدجاج13 مرة، إذ وصل سعر كيلوغرام الدجاج المجمد منذ فبراير 2015 إلى 85 دولاراً، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

والأغرب من ذلك، أن المؤسسات الحكومية لا تعمل إلا يومين فقط من الأسبوع في محاولة من الحكومة الفنزويلية خفض فاتورة استهلاك الكهرباء والمياه.

العجز يلامس 20%

وبحسب ما ورد في وكالة الصحافة الفرنسية، فقد بلغ العجز العام في البلاد بين 18 و20% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2016. ووسط هذه الحالة، تتراجع قدرة البلاد على الدفاع عن عملتها وتسديد ديونها بشكل متسارع.

وتشير الأرقام إلى أن إجمالي الديون المترتبة على فنزويلا تقارب 120 مليار دولار، يجب تسديد دفعة بنحو 7 مليارات دولارات هذا العام، وسط ارتفاع التكهنات بأن فنزويلا قد تتخلف عن السداد والتقصير في الدفع في العام المقبل، خصوصا إذا ظلت أسعار النفط منخفضة.

وقد أنفقت فنزويلا قرابة 4 مليارات دولار من احتياطيها من العملات الصعبة في الاشهر الأربعة الماضية، ليتراجع هذا الاحتياطي الى 12.7 مليار دولار، أي ما يوازي ثلث ما كان عليه في عام 2009.

ويحول عجز المؤسسات عن إجراء حساباتها بالدولار دون تمكّنها من استيراد مواد أولية ومعدات، ما يؤدي الى نقصها في المتاجر والمحال والصيدليات.

ومن تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية، تمثلت بانخفاض قيمة البوليفار الفنزويلي، وهي العملة الرئيسية لفنزويلا، بشكل حاد حيث فقد تقريباً كل قيمته أمام الدولار الأميركي. فمنذ بداية العام 2012 وحسب أسعار السوق السوداء، فإن البوليفار انخفض بنسبة 99% أمام الدولار الأميركي.

وقد خلقت هذه الأوضاع سوقا سوداء للعملة، ويعتبر سعر السوق السوداء هو السعر الذي يستخدمه العديد من سكان فنزويلا، بسبب صعوبة الحصول على موافقة لصرف العملات وفقاً للأسعار الرسمية.

ويعتبر النفط محرك النشاط الاقتصادي في فنزويلا، ويشكل 96% من إجمالي إيرادات الصادرات النفطية للدولة. فبين عامي 2004 و2015، حققت فنزويلا عائدات بقيمة 750 مليار دولار.

وتبيع فنزويلا، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، 40%، من صادراتها من المحروقات الى الولايات المتحدة.

غير أن الوضع معاكس اليوم تماماً في ظل هبوط أسعار النفط بأكثر من 70% منذ حزيران 2014، ما أدى إلى خسارة فنزويلا 40% من إيراداتها النفطية هذا العام.
انطلاقاً مما سبق، يطالب الرئيس “مادورو” منظمة الدول المُصدرة للبترول “أوبك” التي تنضم فنزويلا لعضويتها بخفض معدل الإنتاج لرفع الأسعار إلى 88 دولاراً للبرميل على الأقل.

وأيضا من تداعيات الأزمة الفنزويلية، أعلنت شركة طيران دويتشه لوفتهانزا الألمانية الأسبوع الفائت أنها ستوقف رحلاتها بشكل مؤقت إلى فنزويلا ابتداء من الشهر المقبل بسبب صعوبات اقتصادية في فنزويلا ومشكلات في تحويل عملتها المحلية إلى الدولار.

وبحسب وكالة رويترز، تواجه شركات الطيران الدولية صعوبة منذ سنوات في استعادة عائدات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات محتجزة بالعملة الفنزويلية المحلية البوليفار بسبب قيود على الصرف الأجنبي مما دفع شركات كثيرة للحد من خدماتها وإلزام الركاب بدفع قيمة التذاكر بالدولار.

تجدر الإشارة إلى أن الخطوط الجوية الأميركية أعلنت في مارس، أنها ألغت خط طيران مباشر كان قد أعيد تشغيله في الآونة الأخيرة بين كراكاس ونيويورك بسبب قلة الطلب.