IMLebanon

استقالة وزير… لا يريد أن يستقيل!

sejaan-kazzi

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

 كان ينقص حكومة الرئيس تمام سلام سابقة جديدة تضيفها الى سلسلة رافقتها منذ تأليفها. لا تمطر المشكلات عليها من فوق فحسب، بل تنبت ايضاً من تحت كي تصدق نبؤته ــــ وإن لم تعد كذلك بعدما تأخر في اطلاقها ــــ انها الاسوأ.

اولى سابقات حكومة الرئيس تمام سلام تأليفها بعد 11 شهراً وكان سبقها الخلاف على تصنيف الحقائب واشتراط الوزير حقيبته، مروراً بالتوافق على البيان الوزاري في اليوم 27 من مهلة الشهر، الى الخلاف على تقاسم صلاحيات رئيس الجمهورية وتوقيع الوزراء الـ24 مراسيم مجلس الوزراء وتلك العادية، مروراً بتباين السياسة الخارجية، معرّجة على اصدار وزرائها قرارات تأجيل تسريح مسؤولين عسكريين وامنيين تحلّ محل تصويت الثلثين في مجلس الوزراء، من دون اغفال الخلاف على صلاحية وضع جدول الاعمال وفيتو كل وزير على حدة، ذهاباً الى تحوّل الوزير رئيساً للجمهورية وتعليق المادة 65 المنوط بها التصويت على قرارات مجلس الوزراء كي يُزف اليها التوافق شرطا رئيسيا.

السلسلة تطول، وقد لا يكون آخر السابقات استقالة احد وزرائها من دون ان يستقيل. بعض هذه المشكلات خبرتها حكومات سابقة، لكن الكلفة التي تتكبدها الحكومة الحالية ليست قليلة.

احدثها استقالة الوزير اشرف ريفي، ثم من بعده قبل اربعة ايام الوزيران سجعان قزي والآن حكيم. انقطع ريفي عن حقيبته، فحلت محله في التوقيع الوزير بالوكالة اليس شبطيني. لم يحتمل، فعاد الى الحقيبة من دون ان يقدّم استقالة خطية فيما هو يعدّ نفسه وزيراً مستقيلاً لا يحضر مجلس الوزراء. لم ينتظر قزي وحكيم مَن يوقع عنهما تبعاً لمرسوم الوزراء الوكلاء الذي تزامن اصداره مع مرسوم تأليف الحكومة، فسارعا من اليوم الثاني الى مكتبيهما والمثابرة على التوقيع من دون ان يحضرا مجلس الوزراء. ما لبث ان تنبه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل للثغرة، فردم حفرة كي يفتح اخرى: اكد استقالة وزيريه نهائياً وانقطاعهما عن الوزارتين تماماً كما عن مجلس الوزراء، لكنهما لا يقدمان استقالة خطية الا الى رئيس الجمهورية. ثالثة الاثافي ما اقدمت عليه حكومة سلام باقتدائها بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 على اثر استقالة خمسة وزراء شيعة، عدّت انقطاعهم ــــ رغم اصرارهم على انهم مستقيلون ــــ غياباً عن مجلس الوزراء فحسب.

تكرر ذلك الخميس، مع فارق جوهري، ربما كمن في تصرف حكومة السنيورة من دون ان يبرره، هو ان الوزراء الخمسة المستقيلين انتموا الى طائفة واحدة، وباعتزالهم فقدت طائفتهم تمثيلها. لم يسعها قبول الاستقالات، ولا تعيين وزراء شيعة خلفاً لهم بلا العودة الى قيادات الطائفة نفسها. فإذا المأزق محكم. مع حكومة سلام لم يُفقد استقالة الوزير السني تمثيل طائفته، ولا الوزيران المارونيان. مع ذلك ارتأت تكرار التصرّف على انهم غائبون فقط وسيعودون.

بيد ان استقالة الوزيرين الكتائبيين تعيد طرح مشكلة اثارتها حكومة السنيورة عام 2006. حينذاك تحمّس في صفوفها ــــ وكانت اصبحت حكومة الفريق الواحد ــــ مَن يدافع عن ميثاقيتها بقوله انها قائمة في مرسوم تشكيلها في تموز 2005 وإن غادرها خمسة وزراء شيعة ووزير ارثوذكسي، وظل رئيسها ووزراؤها يعتبرونها كاملة المواصفات الدستورية والتمثيلية ما دام مرسوم تأليفها استوفى الشروط.

بالتأكيد لم تعد آنذاك كذلك بعدما اوصد الرئيس نبيه بري دونها ابواب البرلمان ووضع مشاريع القوانين التي احالتها عليه في الجوارير. اليوم تأتي حجة مقابلة. خرج وزيرا مكوّن رئيسي هو حزب الكتائب، بينما حزب القوات اللبنانية غير مشارك في حكومة سلام، كي يشار الى فقدانها الصفة التمثيلية بعد فقدانها الصفة الميثاقية التي تلحظها المناصفة في مقاعد السلطة الاجرائية. الواقع انها ليست كذلك، ولا تعدو الاستقالات الثلاث سوى غبار لاسباب من بينها:

1 ــــ تعتبر استقالة الوزير، الخطية، نافذة منذ صدور مرسوم قبولها عن رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء. تبعاً للتقاليد السابقة، وخصوصاً في سني ما قبل الحرب، لم يحتج قبول الاستقالة الى اكثر من 24 ساعة، وفي حالات استثنائية 48 ساعة، كي يصدر مرسوم قبولها وتعيين الخلف. حتى ذلك الوقت يظل وزيراً.

2 ــــ ما دام الوزراء يسلمون بانتقال صلاحيات الرئيس اليهم جميعاً كمجلس وزراء عملاً بالمادة 62، يتمسكون بتوقيعهم جميعاً قراراته في مراسيم مجلس الوزراء وفي المراسيم العادية، الاصح انه مجتمعاً هو مَن تُوَجّه اليه استقالة الوزير كونه يحلّ محل رئيس الجمهورية، يرئس اجتماعاته رئيس مجلس الوزراء صاحب التوقيع الثاني في مرسوم قبول الاستقالة. لا سابقة بحلّ كهذا، وإن كانت ثمة سابقة بمشكلة كهذه.

3 ــــ لا استقالة شفوية ما لم تتوخَ الضجيج الاعلامي. تبعاً للسابقات التي رافقت استقالات ما بعد اتفاق الطائف، في ظل ما تبقى من صلاحيات لرئيس الجمهورية والصلاحيات الجديدة لرئيس مجلس الوزراء، توجهت استقالات رؤساء الحكومات الى رئيس الجمهورية. في المقابل كان الوزراء يتوجهون باستقالاتهم الى رئيس مجلس الوزراء. فعل ذلك وليد جنبلاط عام 1991. كذلك فعل جورج سعادة عام 1992 متوجهاً باستقالة خطية الى رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء معاً، وبشارة مرهج عام 1994 الى رئيس مجلس الوزراء. وحده فارس بويز توجه باستقالته عام 1992 من «عمّه» رئيس الجمهورية.

لم تكن عشرات استقالات الوزراء في مرحلة ما قبل الحرب تتقدّم من رئيس الحكومة، الا نادراً، نظراً الى ان المادة 17 من الدستور جعلت رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء تناط به السلطة الاجرائية، على طرف نقيض مما باتت عليه المادة في اصلاحات الطائف، بأن وضعت السلطة الاجرائية في مجلس الوزراء وجعلت المادة 64 رئيس الحكومة رئيس مجلس الوزراء، يوقع مع رئيس الجمهورية ــــ في صلاحية محدثة ــــ مراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم. بعض الوزراء آنذاك تقدم باستقالات من رئيس الجمهورية بواسطة رئيس الحكومة كبيار اده وجميل مكاوي (1958) وهنري فرعون (1968) وادوار حنين (1972)، او اليهما معاً كغسان تويني (1971) وانور الصباح (1980)، او الى رئيس الجمهورية ثم الى رئيس الحكومة من بعده كشارل حلو (1955) واميل بيطار (1971)، او الى رئيس الحكومة وحده ككميل شمعون (1948) وفؤاد غصن وسليم لحود وجورج عقل (1956) ورشيد بيضون وبشير العثمان (1958) ومحمد بيهم ويوسف حتي (1957) ومنير ابوفاضل (1980). واللائحة تطول.