IMLebanon

القاع لم تستسلم للهلع وفتحت الطريق للمنظومة الدفاعية

qaa1

 

 

كتب وسام سعادة في صحيفة “المستقبل”:

 

هجمات الاثنين الأسود في القاع، الانتحارية صبحاً ومساء، ثاني مؤشر مقلق، بعد حادثة تفجير المصرف، لتزايد وقائع التعريض بالسلم الأهلي والمجتمعي اللبناني الهش، وامتحانه بشكل عويص أكثر فأكثر، باحتمالات مزيدة.

الانصراف للهلع والرهاب ليس حلاً، لكن صيفنا هذا يبدأ حارّاً وفاقداً للأوكسيجين الى حد كبير، وهو فصل سيُحتسب بالمؤشرات الأمنية قبل أي شيء آخر، في مرحلة حساسة من “المناقلات” الإقليمية والدولية، لا يملك البلد إزاءها حدّاً أدنى من شبكة المناعة، في ظل تمادي الشغور الرئاسي، وحالة الدوران الفراغي المتزايد، سواء على مستوى المؤسسات الكسيحة أو المعطّلة، أو على مستوى القوى السياسية الغارقة في دهاليزها، أو التي تصل بها المتاهة، استنزافاً، حتى تخوم حلب.

أما البلدة المسيحية البقاعية الحدودية الجريحة، التي تستذكر في هذه الأيام ذكرى شهدائها على يد المخابرات السورية قبل عقود، وتبكي شهداءها الجدد، فهي تعطي معنى واقعياً وملموساً للتصدي للإرهاب.

فالمعطى الذي سطّره أهلها هو سياسي بكل ما للكلمة من معنى ويقطع الطريق أمام “المقاربة الأسدية” النمطية تجاه المسيحيين: فلا وقت ولا مساحة للهلع. ومعادلة الحماية الأساسية ثنائية لا ثلاثية: جيش وشعب. “المقاومة” المذهبية الأصولية التي تريد فرض “حمايتها” على سواها لا مطرح لها هنا.

هذا المعطى الأهلي الإيجابي، يناقض بشكل أساسي منطق “حلف الأقليات” الرائج في منظومة الممانعة، القائم على حماية “الأقليات الأكبر” أو “الأقدر” للأقليات الأصغر، أو الأكثر ضعفاً.

القاع واجهت عملياً تحديين في وقت واحد. أولهما مع المهاجمين المتعطشين للنحر والانتحار والعدمية. والثاني مع الراغبين في أن يتحوّل الاستنزاف الخاص بهم، كأنصار للطغيان الأسدي في الحرب السورية الى مصاب عام، يشرك بالغصب واستثمار الهلع من هو مقتنع بالنأي بنفسه عن هذا السبيل، ومقتنع في الوقت نفسه بأنه حان الوقت للحديث الجدي في منظومة دفاعية لم يعد محصوراً البحث بها في الجبهة الجنوبية، بل صارت الجبهة الشرقية والشمالية تفرض نفسها، بإجماع الكافة، أياً كانت حدة الخلاف حول مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية.

التفكير صار واجباً في منظومة دفاعية تأخذ بعين الاعتبار كل الجبهات، كل حدود لبنان، تأخذ اذاً بعين الاعتبار ضرورة انتاج حدود للبنان وبنائها، بما تعنيه هذه الحدود من شبكة معابر، وحرس حدود قوي، وقرى منيعة ومجرّبة، في حمى الشرعية اللبنانية وكنفها، وبالاستفادة من معرفة أبناء كل قرية لجغرافية قريتهم أكثر من أي نفر قادم اليها من خارجها. أن تكون لنا حدود، وسياسة حدودية، هذا هو الشرط الأساسي كي تكون لنا منظومة دفاعية. أن لا تكون لنا حدود، وسياسة حدودية، فهذا يعني المزيد من الاستنزاف اللبناني في سوريا، بمعية “حزب الله”، والمزيد من عدم السيطرة اللبنانية على تداعيات اللجوء الديموغرافي السوري الى لبنان، ومزيد من الوهن في مواجهة شبكات ومجموعات التخريب والإرهاب. الحدود هي اذاً مدعاة لتسوية لبنانية أساسية، فالكل بات يحتاجها لو تعقل وتدبّر، وإن كان المحارب في سوريا والقابض عنوة على قرار الحرب والسلم لا يزال يقف حجر عثرة دون التطرق الجدي الى ذلك.. ولو كانت بعض الأفكار المجردة حول الدولة وما اليها والناس وما اليهم غير قادرة لا على تفعيل دور الدولة ولا على فهم دور الناس.

القاع بلدة مكافحة لم تستسلم للهلع ولن. وهي باقية في مكانها بأهلها، كجزء ممتد من الجبل اللبناني في شرق البقاع. من الضرورة بمكان بعد القاع، التطرق بشكل ملموس لكل القضايا المطروحة إما بشكل انفعالي وإما بشكل تجريدي، من قضية الوجود الديموغرافي السوري في لبنان، الى قضية إعادة مقاتلي “حزب الله” الى لبنان، الى القضايا المتعلقة بالعلاقات بين الطوائف بحيث لا تشعر أي منها أنها تحت وطأة “حماية” طائفة أخرى، أو معلّقة في الفضاء.