IMLebanon

رواية “أبو جعفر” من النجف إلى الطيبة

imam-moussa-sadr

كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:

الكثير من الأحداث والوقائع المتصلة بمسيرة الإمام السيد موسى الصدر تجمّعت في وجدان الرعيل الأول الذي تتلمذ على يديه وأثّر به، ومن هؤلاء رئيس الهيئة التنفيذية في حركة “أمل” محمد نصرالله (ابو جعفر) الذي كان أحد أعضاء “هيئة الكوادر” التي أسسها الإمام وحاز ثقته وأسند اليه المهام وهو في مقتبل الشباب.

يقول نصرالله لـ “السفير” انه عندما جاء الإمام الصدر الى لبنان، أثار إعجاب من التقوا به وأول هؤلاء السيد عبد الحسين شرف الدين الذي أوصى بخلافة الإمام الصدر له بعد رحيله، كان ذلك في العام 1957 وهي سنة ارتحال السيد شرف الدين. ذهب وفد من لبنان لمواراة جثمانه في النجف كان يتألف من اربعة من اولاده ومقرئه الخاص الشيخ حسن بيضون، وفي الوقت نفسه، حمل الوفد رسالة من الراحل الى الإمام الصدر (كان يعلم بها لأنه كتبها بحضوره) والى المرجع الاعلى آية الله السيد محسن الحكيم.

بعدما درس الإمام الصدر الموضوع، حضر الى لبنان للاستقرار نهائياً في العام 1959، وحتى العام 1967 كان يمارس التعبئة الثقافية التي يركز فيها على الخطر الاسرائيلي. بعد العام 67، أيقن السيد موسى أن اسرائيل ستحتل جنوب لبنان بعدما أنجزت احتلالها لكل من سيناء والضفة الغربية والجولان، فوصل به الأمر الى حد القول “إني أرى بعيني الخطر الحقيقي والجدي على الجنوب”، يقول نصرالله.

برغم تحذيرات الإمام المتتالية، كانت الدولة اللبنانية تغط في سبات عميق. “حاول الضغط على الدولة في العام 1970 فكان الإضراب التاريخي الشهير الذي لقي تجاوباً استثنائياً في جميع الاراضي اللبنانية. حاولت الدولة رشوته بـ30 مليون ليرة للتعويض على الجنوبيين عن الأضرار جراء الاعتداءات الاسرائيلية. رفض السيد العرض وطالب بإنشاء مؤسسة ترعى ادارة هذا المال، فتم إنشاء مجلس الجنوب وبقي معطلا عن العمل” يروي “أبو جعفر”.

في العام 1973، وجد الإمام انه لم يعد مقبولا السكوت. ترأس اجتماع الهيئتين الشرعية والتنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وفيه قال بالحرف: “لا نريد ولا نقبل أن تحتل اسرائيل أرضنا ثم نؤسس مقاومة لتحرير الأرض المحتلة، سنؤسس المقاومة ونمنع الاحتلال”. من هنا، انطلقت فكرة إنشاء مقاومة لمواجهة العدو الإسرائيلي، بعدما استسلمت الدولة وأعلنت حيادها.

يُعتبر تاريخ 17 آذار 1974 تاريخا مفصليا في مسيرة الإمام الصدر. عن مهرجان بعلبك، يروي محمد نصرالله: “هو يوم انطلاقة حركة أمل من دون أن يعلن عنها كأفواج مقاومة وكقوة عسكرية، لكن في هذا المهرجان الذي حوّله الإمام الصدر الى مؤتمر شعبي، ارتجل في ختامه قسم اليمين الذي أقسمه هو والجمهور وكان القسم بمثابة توصيات مؤتمر شعبي كبير وعقد اتفاق بين الإمام والناس للمضي بمسيرة المواجهة من أجل أمرين: الاول، تصحيح الواقع الاجتماعي، والثاني، الاستعداد لمواجهة العدو الاسرائيلي، وكرر ذلك في 5 ايار 1974 في صور، وكان يؤسس عبر مهرجاني بعلبك وصور لمهرجان ثالث وأخير في بيروت كان سيدعو اليه كل الناس من كل مناطق لبنان وكانت النية أن ينتهي بالجلوس على الارض والاعتصام حتى تحقيق المطالب أو زوال الحكومة وولادة حكومة جديدة تتبنى مطالب المحرومين، لكن الحرب اللبنانية قطعت الطريق على هذه الخطة، وكان قد بدأ في النصف الثاني من العام 74 التدريب السري العسكري بالتعاون مع الاخوة السوريين وحركة “فتح” وكان لي شرف تخريج أول دورة تدريب عسكرية في ملجأ بناية في منطقة بئر العبد”.

بعد اندلاع الحرب اللبنانية، صار التدريب علنياً، ولكن ليس تحت اسم “أمل” الى ان حصل انفجار لغم مضاد للدروع في دورة عسكرية في عين البنية في البقاع في 5 تموز 1975 أدى الى استشهاد 27 وجرح 48 من مجاهدي الحركة، “فتقرر أن يعلن الإمام الصدر في اليوم التالي ولادة “أفواج المقاومة اللبنانية ـ أمل”، وكان اللافت للانتباه في ذلك المؤتمر الصحافي دعوته جميع الشباب اللبنانيين من جميع الطوائف والمذاهب للانخراط في هذه المقاومة، لان الإمام الصدر كان بالمطلق عمله السياسي وطنيا يدعو الى عدم التمييز بين مواطن وآخر” يقول نصرالله.

في النصف الثاني من العام 1974، ومن أجل تعزيز البنية التنظيمية، أنشأ الصدر “هيئة الكوادر”، وهي الاولى تحت عنوان “حركة المحرومين”، وكان يوليها الأهمية الى حد انه كان يتولى شخصيا إعطاء الدروس الثقافية مرة في الاسبوع. يقول نصرالله انه في أحد الاجتماعات، بلّغنا مدير مكتبه أنه لا اجتماع اليوم. انفض الحضور ولم يبق سوى عدد قليل. مع حلول الساعة الثانية، دخلت سيارة الإمام الى مبنى المجلس الشيعي في الحازمية، وأتى الينا مهرولا، فتحلق من بقي من الإخوان حوله. نظر يمينا ويسارا، ليسأل أين بقية الشباب؟ أجابه أحد الإخوان: مدير مكتبك قال لنا إنك لن تحضر، فغضب الإمام واستدعاه معاتباً، فقال له مدير مكتبه: مولانا أنت ذهبت صباحا الى الشام كيف لي أن أتوقع أنك ستكون عند الساعة الثانية، فقال له أنا أتيت من الشام لأعطي درساً وسأعود الى الشام لأنني لم أنهِ أعمالي فيها بعد”.

تحضر في ذاكرة نصرالله حكاية: بعد مهرجان القَسَم في صور، سأله أحد الإخوان: “مولانا، مين قدك بيجمع 100 الف في بعلبك و100 ألف في صور ومن سيتجرأ على المس بنا بعد الآن” فقال له السيد موسى: “انتبه يا ابني كل هذه الجموع إن لم تكن منظمة فلا قيمة لها، هذا السلاح يحتاج الى حسن توجيه وحسن التوجيه يحتاج الى تنظيم كامل بكل شروطه الفنية والتنظيمية والإدارية”.

حسب “ابو جعفر”، ما يفرح قلب الإمام الصدر أنه “رأى بأم عينيه ثمار ما زرع في 30 آذار 1977 عندما اجتاح العدو الاسرائيلي الحدود الدولية ووصل الى بلدة الطيبة، فأعطى السيد أمراً بالمواجهة. يومها اتهمه بعض رجال الدين والسياسة في الجنوب بإرسال الشباب الجنوبيين الى التهلكة، وان كل العالم العربي انهزم أمام اسرائيل، فماذا يمكن أن يفعل السيد موسى الصدر مع بضعة مقاتلين شبه عزّل لان سلاحهم كان متواضعا جدا”. في تلك الأيام، توجهت مجموعة من المقاتلين بقيادة الشهيد الدكتور مصطفى شمران الى الطيبة وحصلت مواجهة مشرفة انتهت بتدمير آليات العدو الإسرائيلي، ولا ننكر أبداً دور بعض الفصائل الفلسطينية لا سيما “فتح”، وكانت المحصلة سقوط 6 شهداء وفقدان أثر الأخ حسين مشيك وجرح 24 في تلك المواجهة التي أجبرت اسرائيل على لملمة عتادها المدمر وفرارها من ارض المعركة، وهذا النصر رآه الإمام الصدر على قاعدة أن ما زرع قد أينع وأثمر”.