IMLebanon

الحريري وفرنجية.. و”المختار المحتار”

saad-hariri-sleiman-franjieh-bnacheh

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

لا سقف زمنياً لحركة الاتصالات والمشاورات الرئاسية التي بدأها سعد الحريري مع القوى السياسية، ولكن هل سيتولّد عنها الرئيس العتيد للجمهورية. والسؤال الأهم: سواءٌ بقي الحريري على ترشيحه لسليمان فرنجية أو ذهب الى خيار آخر، فهل في مقدوره أن يصنع الرئيس، وإن امتلك هذه القدرة، فكيف؟الصورة الداخلية ملبّدة بالتكهنات، وهناك مَن يقارب عودة الحريري وحركة اتصالاته بأنه يملك مفتاح المغارة الرئاسية، وبات قاب قوسين من النطق بتلك الجملة السحرية «افتح يا سمسم»، ولكن هناك في المقابل مَن يقارب الحركة الحريرية بمنطق مغاير، وعلى ما يقول مرجع سياسي «كلّ حركة لها بركة.. لكنّ مشكلة كلّ الذين يتحرّكون، ويتصلون، ويُشاورن، أنّ كلّ واحد منهم عندما يتحرّك، يفسِّر البركة على ذوقه، ووفق مصلحته وأهوائه».

وما يلفت الانتباه في كلام المرجع نفسه، أنه لا يرى موجباً للغرق في التفاؤل، فهو لم يرَ حتى الآن «بركة رئاسيّة» في حركة الاتصالات القائمة، وحدسه يؤكد له «أن لا شيء جديداً حتى الآن في الأفق الرئاسي، بل لا شيء ملموس، وليس هناك ما يؤشر الى أنّ الأمور قد تبدلت أو قد تتبدل في المدى المنظور.

إلّا إذا تمّ سلوك الطريق الوحيد المؤدي الى إنتاج رئيس، أي «سلة التفاهمات»، بمعنى أنه إذا كانت هناك اتصالات جديدة وجدّية ستحصل فهي حول هذه السلّة، إذ لا استحقاق رئاسياً من دونها، ولنكن صريحين بأنّ أيّ اتصالات جديدة ستحصل هي حول رئاسة الجمهورية والحكومة ورئيسها والقانون الانتخابي، يجب التفاهم المسبَق عليها كلها، وإن تعذّر الاتفاق على القانون الانتخابي فلنتفق على الرئيس وعلى حكومة العهد الجديد من الآن».

الحريري سيتابع اتصالاته في الداخل، وليس مستبعداً أبداً أن يغادر بيروت قريباً «في سياق استكمال هذه المشاورات»، بات من المؤكد أنه يفكر بالذهاب الى «خيار آخر»، لكنّ هذا لا يعني أنّ هذا الخيار الآخر هو فقط ميشال عون، بل ربما شخص آخر على حدّ ما يقول مواكبون لحركته، مع أنّ بعض هؤلاء سمع من الحريري فور عودته أنه قرّر السير بعون رئيساً للجمهورية.

لقاء الحريري بفرنجية في بنشعي كان محطة أساسية له، قبل المحطة الأساسية الثانية للحريري مع الرئيس بري، لم يقل أمام رئيس المردة إنه سيرشح عون. بل كانت الزيارة أقرب الى ما يشبه «التبليغ المقنع» لرئيس المردة بموقفه الحقيقي؛ كان هادئاً، ودوداً، مجاملاً الى أبعد الحدود، استعرض ما يحيط بالوضع الرئاسي بشيء من الأسف عمّا آل اليه حال البلد الذي لم يعد يحتمل أن يتخبط بما يتخبط فيه من شلل وفراغ، صار من الضروري إنقاذه بأيّ طريقة».

في النقاش الهادئ مع فرنجية، لم يُخفِ الحريري أنه يملك خياراً رئاسياً آخر، لكنّ نسبة السير فيه ضئيلة جداً حتى الآن. إلّا أنه سرعان ما قذف الكرة من ملعبه الى ملعب فرنجية، وبطريقة فيها الكثير من التبرير، حيث انطلق بداية من التأكيد بأنه باق على مبادرته، وأنه ما زال على خياره الأوّل بتبنّي ترشيح فرنجية، لكنه وعلى قاعدة أنّ اليد الواحدة لا تصفّق وحدها قال أيضاً: «.. عليكم أنتم أن تفعلوا شيئاً، البلد ينهار وأنا أنهار، وإذا ما بقينا الى ما لا نهاية في هذا الوضع فهناك ضرر كبير على لبنان وعلى الجميع».

بعض العارفين بالمجريات التفصيلية أشار الى أنّ الحريري اقترب من القول للحاضرين: «أنا مع فرنجية، ساعدوني، البلد تعبان، هناك خيار آخر، ولكنّ نسبته ضئيلة، فلا تدفشوني اليه».

الكلام نفسه الذي قاله الحريري في بنشعي تردّد على لسان بعض الحريريّين العاملين على خط الحوار الرئاسي بين عون والحريري، وبنبرة تلقي المسؤولية على الطرف الآخر، حيث قالوا صراحة: الكرة ليست عندنا بل إنّ الكرة في ملعب فرنجية، لقد تبنّينا ترشيحه، وصار المطلوب منه أن يفعل شيئاً، على الأقل أن يقنع حلفاءه وتحديداً «حزب الله» بالسير به، نحن قمنا بما علينا، وعليه أن يقوم بما عليه».

على أنّ هذا الطلب الذي يلقيه فريق الحريري على فرنجية، يقرأه سياسيون على أنه يضع رئيس المردة امام «المهمة المستحيلة» خصوصاً في ظلّ مجريات الواقع السياسي والموازين والاصطفافات السياسية خلف المرشحين، حيث يدرك الحريري وكذلك فرنجية وسائر السياسيين أنّ مسألة «الإقناع» أكبر من استطاعة أحد، وبالتالي ما عبّر عنه أمام فرنجية ما هو إلّا رمي للكرة ومحاولة تبريرية للخروج فعلاً من خيار فرنجية وفي اللحظة التي تنضج فيها حركة اتصالاته وتصبح مؤاتية لذلك».

والسؤال عن الموقف السعودي من حركة الحريري وخياره الجديد، ما زال يبحث عن جواب، رصد البلد كله زيارة وائل أبو فاعور الى المملكة، فعاد منها من دون ضجيج، ولم يتسرّب عنها ما يدفع الى القول بأنّ اجراس المملكة قد قرعت بمباركة الحريري وتوجّهاته الرئاسية. ولعلّ أبلغ توصيف لنتائج هذه الزيارة ما قاله مرجع كبير التقى أبو فاعور بعد عودته، حيث قال «لقد ذهب وائل الى السعودية مختاراً فعاد منها محتاراً».

تبعاً لذلك، لم يصدر عن الحريري ما يؤشر الى مباركة سعودية لحركته الرئاسية، وكما أنّ غياب الموقف السعودي الواضح والصريح منذ هذا الموضع فتح الباب على تفسيرات، والأكثر رواجاً أنه لا توجد لدى السعودية أجندة لبنانية حالياً، وقد تكون السعودية عبّرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة للحريري بطريقة تسمح له بالتفلّت من الحسابات السعودية، ليس من موقع المتمرّد بل من موقع الذي قد يكون حصل على ضوء أصفر، بمعنى أنها تترك الحرية له على قاعدة «اذهبوا واعملوا ما ترونه مناسباً لمصلحتكم» إلّا أنها لم تبارك صراحة تبنّي الحريري ترشيح عون لرئاسة الجمهورية.

يبقى السؤال أخيراً، هل يستطيع الحريري أن يصنع الرئيس؟

وأما الجواب فيأتي على لسان مرجع كبير «هو يحاول، ونحن ندعو له.. ولكن ربما كان يستطيع ذلك، لو كانت ظروف البلد غير ما هي عليه وقابلة لأن يتحكّم بها، ولو كانت الظروف الإقليمية والدولية مؤاتية له، ولو كانت ظروفه هو شخصياً على غير ما هي عليه اليوم.. وفي كلّ الأحوال، لننتظر مشوار الاتصالات ونرَ الى أين سيصل، ولكن وفقاً لظروفنا وكثرة المطبات والتعقيدات والتباينات، يبدو أنّ هذا المشوار سيكون طويلاً».