IMLebanon

زاسبيكين: سنُسقط الصواريخ التي تهدد جنودنا وقواعدنا

 

alexander-zasabkin

 

 

 كتبت سكارليت حداد في صحيفة “السفير”:

عندما يأتي أي سفير إلى بيروت، يكتشف أن كل ما تعلّمه وتدرّبه واختبره واكتسبه على مدى سني تجربته الديبلوماسية، لا يكفي من أجل خوض «المعمودية اللبنانية».

ألكسندر زاسبيكين متواضع. صريح. متابع دقيق. يستطيع أن يكون جدّياً فوق العادة وصاحب نكتة في آن معاً. متأثر بالتجربة الاشتراكية السابقة وخصوصا في بعض جوانبها العقائدية مثل موقفه من الأديان. علماني إلى حد أنه ينسى أرثوذكسيته قبل أن يصرّ البعض من اللبنانيين على تذكيره بها والاحتفاء به على أساسها!

متصل اتصالاً وثيقاً بالخارجية الروسية. قادر على ارتداء الثياب الديبلوماسية، وفي الوقت نفسه، يستطيع أن يرتدي الثياب العسكرية المرقّطة، كما هو حاله في هذه الأيام. دقيق في تعبيراته. يتوصل إلى استنتاج حاسم، لكنه سرعان ما يقول: أنا لا أريد أن أكون مقتنعاً بما أنا مقتنع به. كيف ذلك؟ يضحك. إنها أداة من أدوات الديبلوماسية!

على وقع التطورات السورية الأخيرة والتراشق الديبلوماسي المستجد بين الولايات المتحدة وروسيا، وحمام الدم في صنعاء، حلَّ السفير الروسي ضيفاً على أسرة «السفير» فكان حوار على مدى حوالي 100 دقيقة، تمحور معظمها حول الشأنين السوري والإقليمي.

يقول السفير الروسي إنه قبل أقل من أسبوعين، «كنا على عتبة تفاهم روسي أميركي يتضمن تنسيقاً وتعاوناً عسكرياً وأمنياً وإقامة غرفة عمليات مشتركة ومن ثم الانخراط في معركة مكافحة الإرهاب، لكن المؤسف أن الأمور انقلبت راساً على عقب وصرنا نتحدث اليوم عن مخاطر تهدد سوريا، بينها خيار توجيه ضربات عسكرية أميركية. موسكو تضع دائماً مسألة مكافحة الإرهاب أولوية استراتيجية. تعاملنا مع الأميركيين على هذا الأساس، وسعينا الى اقامة تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، وطلبنا من تركيا إقفال الحدود بوجه قوافل السلاح والمسلحين، أخذا في الاعتبار أن الإرهاب عدو لكل الدول وليس لدولة واحدة. الحقيقة أننا كنا دائما نلمس ازدواجية في المواقف والممارسات. من جهة، تعاون وكلام طيب، ومن جهة أخرى، محاولة لاستخدام الإرهاب وتوظيفه في خدمة هدفهم الاستراتيجي الذي لم يتغير منذ سنوات ألا وهو اسقاط النظام السوري.

استفزازات أميركية متتالية

هذه الازدواجية أدت الى تراكم مناخ غير ايجابي بين روسيا وبين بعض الدول، خصوصا الولايات المتحدة. لذلك، ليس صدفة أنهم وضعوا روسيا في مقدمة الأخطار الأساسية التي يواجهونها دوليا. هم يتهمون اليوم بلادنا بكل شيء، من المنشّطات في الرياضة الى حقوق الانسان والعدوان على أوكرانيا والمجازر في سوريا وإسقاط طائرة «البوينغ». جدول طويل عريض من الاتهامات والحجج والذرائع الواهية.

يضيف زاسبيكين: «برغم ذلك، حاولت موسكو فتح صفحة جديدة من التعاون ومارست سياسة ضبط النفس، وقطعنا شوطاً كبيراً من المفاوضات وصولاً الى اعلان الاتفاق الروسي الأميركي. فجأة حصل تغيير في وجهة الأمور. نحن نفهم أن الأسباب أميركية داخلية. هناك فريقان في الإدارة الأميركية، أحدهما يدعو للتعامل والتعاون مع روسيا والثاني يقول بالعكس. من الواضح أن الرأي الثاني تغلّب على الأول، ففشل الاتفاق المتعلق بسوريا.

قبل الغارة الأميركية على مواقع الجيش السوري في دير الزور، «شعرنا بأن هناك من يريد استفزاز روسيا وحلفائها. حصلت الغارة وقالوا إنها تمّت بطريق الخطأ وراحوا يثيرون قضايا حقوق الانسان. اتهمونا بارتكاب مجازر، كأن هناك فقط جزءاً شرقياً في حلب وليس هناك جزء غربي يتعرض يوميا للقصف والحصار. اتهمونا بتجويع الناس، وغاب عن بالهم أن هناك محموعات مسلحة تستخدم المدنيين دروعاً بشرية وتفجّر وتقتل وتنفّذ إعدامات جماعية وتمنع وصول المؤن. عمليا صرنا أمام حفلة تزوير إعلامي لا مثيل لها» يقول السفير الروسي.

ضبط النفس.. ولكن

عندما يُسأل زاسبيكين عما اذا كانت بلاده ستبقى متمسكة بخيار ضبط النفس كما فعلت منذ بداية تدخلها في سوريا قبل سنة حتى الآن (نموذج إسقاط الطائرة الروسية على يد الأتراك)، فيجيب: لا أعرف ما هو المقصود بضبط النفس. الأهداف الروسية للتدخل معلنة وثابتة ولم تتغير. أولوية استراتيجية لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الدولة السورية.

يستدرك بالسؤال:»اذا شعرت الولايات المتحدة بخطر على جنودها في أي مكان في العالم، فإنها تكون مستعدة لفعل أي شيء من أجل حماية حياة هؤلاء العسكريين. نحن لسنا أقل منهم. هذه القاعدة تسري على جنودنا وقواعدنا. اذا استشعرنا خطراً يهدد أمن جنودنا وقواعدنا في سوريا أو في اي مكان آخر، لن نتردد في القيام بكل ما من شأنه حمايتهم. لذلك، عندما بدأ الأميركيون يسرّبون معلومات ويطلقون تكهّنات وتحليلات حول إمكان شنّ غارات جوية وإطلاق صواريخ من البحر باتجاه الأراضي السورية، كان جوابنا واضحاً منذ اللحظة الأولى: هذه الصواريخ التي تهدد حياة جنودنا وقواعدنا ستتحول الى أهداف، وبالتالي علينا اسقاطها، وهذا مبدأ عسكري وسياسي استراتيجي في آن معا».

لعلاقة مع واشنطن

بأدنى حالاتها

من خلال هذه المقاربة التي يقدمها زاسبيكين، «لا يهمل الروس اي سيناريو أو احتمال عسكري. كل شيء قابل للحدوث في هذه المرحلة. طبعا هناك خط أحمر بعدم حصول صدام عسكري روسي أميركي مباشر، لما يمكن أن يكون له من تداعيات على العالم بأسره، غير أن الحذر الروسي واجب، مع السعي الحثيث لمنع الصدام العسكري». يقول إن الأميركيين يتميزون ببراغماتيتهم وواقعيتهم السياسية، ولذلك، سيكون لأي صدام بين هاتيْن القوتيْن الأكبر في العالم، تبعات كبيرة جداً ومسؤوليات إنسانية تجاه البشرية كلها في حال اتخاذ مثل هذا القرار.

في الوقت نفسه، يشدد زاسبيكين على أن روسيا مستعدة لأي عمل إذا شعرت أن قواتها مهددة، فالولايات المتحدة تفعل ذلك من دون استئذان أحد، فلماذا لا يتصرف الروس بالطريقة نفسها؟

يعترف سفير روسيا أن العلاقات الأميركية الروسية هي اليوم في أدنى حالاتها ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية.

يعتبر زاسبيكين أن روسيا تقاتل في سوريا دفاعاً عن نفسها، وهي كانت ولا تزال تردد أن لا بديل عن الحل السياسي، ومن هنا، كانت موسكو تشجع جميع الأطراف على الحوار، لكن روسيا، ومع إدراكها لدورها ومسوؤلياتها، لا تستطيع حلّ كل المشاكل بمفردها.

خطة دي ميستورا.. وحلب

يعتبر زاسبيكين أن تقسيم المنطقة هو مشروع مطروح من مصادر عدة كما أن «داعش» هو شكل من أشكال هذا التوجه، ويؤكد أن روسيا ضد مشروع التفتيت وستتصدى له، وهي في ذلك، تدافع عن وحدة الاتحاد الروسي أيضا. في هذا السياق، يعتبر زاسبيكين أن معركة حلب هي جزء من معركة تحرير سوريا من الإرهابيين، إلا أنها تعدّ أكبر من غيرها من المعارك الأخرى وأكثر استراتيجية لأنها ستحدث تغييراً جوهرياً في مسار الصراع السوري.

وفي ما يخص المبادرة الأخيرة للمبعوث الأممي في سوريا ستيفان دي ميستورا، يقول زاسبيكين إنها تتطلب التنسيق مع الأميركيين على الأقل لأن الاتفاق يطال «جبهة النصرة» على أساس أن المسلحين الذين سيبقون في احياء حلب الشرقية، هم مشاركون في الهدنة ولا يهاجمون الجيش السوري. وسيكون الامتحان بهذا المجال في طريق الكاستيلو، والهدف النهائي هو إعادة الهدنة كما أن المواقع ستبقى كما هي حتى إنجاز التسوية السياسية، بخاصةٍ أنه في إطار الحوار بين السلطة والمعارضة يجب ألا تُعتبر الفصائل المشاركة إرهابية وهذا ما تشدد عليه موسكو.

وفي هذا السياق، يصرّ السفير الروسي على القول إن بلاده لا تريد القول إن الاتفاق الأميركي الروسي انتهى لأن لا خطة بديلة عنه (plan B).

علاقة حذر ومصالح مع تركيا

وفي موضوع العلاقات الروسية ـ التركية، لا يرى زاسبيكين تغيُّراً نوعياً، فبلاده تنظر إلى تركيا على أنها طرف مجاور ولديها مشاريع اقتصادية وإنمائية وغازية مشتركة مع موسكو. وكانت روسياً تركز دائماً على الإيجابيات برغم الخلاف بين البلدين حول الملف السوري، لكن عندما أسقط الأتراك الطائرة الروسية قررت موسكو التركيز على السلبيات مع تركيا في سوريا والقرم والقوقاز. في ما بعد، تبين أن الأتراك يعانون من مشاكل كبيرة. حينذاك تساءلوا لماذا لا يعاودون الاتصال بالروس. وفي هذا المجال، قال زاسبيكين إن روسيا لا تريد تدهور العلاقات مع أي طرف وهي تضع مكافحة الإرهاب في أولوياتها، ولخّص مجرى العلاقات مع تركيا بالآتي: علاقة مصالح وحذر وبراغماتية.

تعلم روسيا أن لدى الأتراك اهتمامات أخرى في سوريا مثل قضية الدولة الكردية وإسقاط النظام السوري. يقرّ زاسبيكين بأن الأتراك لم يقفلوا الحدود مع سوريا ولم ينقطع تسرّب المسلحين عبر الحدود التركية نحو سوريا، لكنه تساءل ما هو الخيار الآخر؟ هل هو قطع العلاقات مع تركيا؟ يفضل الروس استمرار الحوار ولكنهم يحاولون استخدام كل الوسائل الشرعية للضغط عليها وهم يعلمون ان الأتراك يريدون كسب شيء ما سياسياً وميدانياً في سوريا.

منطق الحوار نفسه يسري على العلاقة مع واشنطن. ترفض روسيا التدخل في مجريات الحملات الانتخابية بين الجمهوريين والديموقراطيين في الولايات المتحدة. لا حماسة روسية معلنة لهذا المرشح أو ذاك، لكن لا يمنع ذلك من إطلاق تعبيرات تظهر حماسة فلاديمير بوتين للمرشح الجمهوري دونالد ترامب.