IMLebanon

فضيحة الضمان اختلاسات بقيمة 10 مليارات ليرة

NSSFDaman

كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:

10 مليارات ليرة هي التقديرات الأولية للمبالغ التي اختلسها جورج بعينو من عشرات الشركات التي كلّفته تسديد اشتراكاتها للضمان الاجتماعي والاستحصال على براءات الذمة. التحقيقات لا تزال متواصلة ولم تُحسم وجهتها. أقرّ المتهم الرئيسي بسرقة الأموال من زبائنه وتزوير إيصالات الدفع، لتبدو أنها صادرة عن الضمان، الا انه يحاول توسيع دائرة المتهمين بالتورط معه لتشمل 8 مستخدمين في الصندوق، من ضمنهم رئيس اللجنة الفنية.

يدير جورج بعينو شركة “المضمون” بتكليف من والده منير بعينو منذ عام 2008. هذه الشركة متخصصة بخدمات انجاز المعاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لنحو 160 زبونا من شركات القطاع الخاص، ولا سيما خدمات تسديد الاشتراكات واستصدار براءات الذمة.

تعمل هذه الشركة بتوكيلات رسمية من زبائنها، ولكنها تقدّم ايضا خدمات لزبائن آخرين يلجأون اليها بلا توكيلات، ومنهم زبائن يواجهون مشاكل مع الصندوق. في اطار هذه الخدمات، كانت الشركة تتولى تسديد مبالغ مالية الى الصندوق نيابة عن زبائنها، نقدا او عبر شيكات، وبالتالي أقامت، بحكم طبيعة عملها، صلات واسعة مع عدد من العاملين في الصندوق وادارته.

لفترة طويلة، لم تكن هناك شكاوى معلنة من الزبائن، وبينهم شركات وجمعيات مشهورة، إلى أن اكتشفت إيصالات دفع مزوّرة وبراءات ذمّة غير صحيحة (…) حصل عليها الزبائن عبر شركة “المضمون”. وضع القضاء يده على القضية. تدحرجت كرة الثلج، ليتبين وجود اختلاسات ضخمّة، قدّرت حتى الآن بأكثر من 10 مليارات ليرة، وشكاوى من 13 زبونا يتهمون جورج بعينو باختلاس أموالهم، فضلا عن ادعاء شخصي تقدّم به والد جورج ضدّه. حاول المتهم الهروب إلى خارج لبنان، إلا أنه عاد وسلّم نفسه الى القضاء وعمد في التحقيقات الجارية معه إلى “توريط” ثمانية من العاملين في الصندوق بالاشتراك في عمليات الاختلاس، وأبرزهم رئيس اللجنة الفنية (الجهة الرقابية في الصندوق) سمير عون. التحقيقات لم تحسم بعد مدى صحّة ادعاءات المتهم، في ظل قناعة تولّدت لدى المحققين بأن المتهم يسعى إلى توريط أكبر عدد ممكن من المديرين والمستخدمين في الصندوق من أجل “تكبير الحجر” وتوزيع المسؤولية بين الشركة والصندوق بصفته مسؤولاً عن أعمال مستخدميه. كذلك لم تحسم التحقيقات احتمال أن تكون بعض الشركات/ الزبائن قد طلبت من بعينو استصدار براءات ذمّة غير صحيحة مقابل مبالغ مالية ورشى بهدف التهرب من تسديد ديونها للصندوق او تأجيل تسديدها.

سمعة شركة “المضمون” لم تكن سيئة أيام كان يديرها والده، ولم يشتك منها الزبائن، كما لم ترد أي شكوى خلال السنوات الأولى على تولّي الإبن إدارتها، بل كانت أعمالها تزدهر، وكان من بين زبائنها: جمعية مصارف لبنان، شركات الوزير ميشال فرعون، سيدروس بنك، مطعم السلطان ابراهيم، الهبر للرخام، ABC، سبينس، سي تي ديجيتال، شركة أبنية… وسواها من الشركات المعروفة، التي نقلت وكالاتها من الأب إلى الإبن لمتابعة معاملاتها لدى الضمان الاجتماعي. من أبرز المعاملات التي كان ينفذها لحسابها، تسديد الاشتراكات المستحقة عليها عن موظفيها، الاستحصال على براءات ذمّة من الصندوق، تسجيل الموظفين الجدد، تسجيل ترك العمل للموظفين المصروفين أو المستقيلين.

أقرّ جورج بعينو اخيرا بالاتهامات الموجّهة ضده. جاءت اعترافاته الاخيرة بعد إفادة كاذبة قدّمها أمام النائب العام المالي، القاضي علي ابراهيم، في بداية التحقيقات في هذا الملف. يومها أنكر بعينو اختلاس أموال الزبائن، ونفى وجود عمليات تزوير. خرج بعينو من مكتب ابراهيم إلى الطائرة فورا، وفرّ إلى الإمارات العربية المتحدة (تمهيداً للهروب إلى جهة أخرى). ولكنه عاد بعد أسابيع وسلّم نفسه وبدّل وجهة أقواله من الإنكار إلى الاعتراف بسلوك دروب الرشوة والتزوير. إفادة المتهم لا تزال غير ثابتة ولم يقدّم رواية واحدة، بحسب مصادر المحققين، ولا سيما لجهة الدوافع، فهو ألمح أمام النائب العام المالي، القاضي علي ابراهيم، الى انه متورّط بالقمار، فيما قال أمام قاضي التحقيق الأولي، غسان عويدات، إنه تورط بكفالة ديون شخص يدعى ايلي القسيس، التي بلغت 300 ألف دولار، بحجة إقامة مشروع تجاري في تركيا، إلا أن القسيس هرب وبدأ الدائنون يطالبون بعينو باموالهم.

كان جورج، المتباهي بشبكة زبائنه، يقدّم نفسه على انه “رجل أعمال”، في حوزته وكالات من عشرات الشركات التي يمثلها، وكان يدّعي أنه تاجر عقارات وتاجر سيارات ويقدّم خدمات تنظيم الاحتفالات والمهرجانات والمناسبات الخاصة وغيرها، حتى إنه لم يكن يحضر إلى الضمان شخصياً، بل كان يوفد موظفين يعملون تحت إدارته في شركة “المضمون”. لم يكن اسم جورج يثير أي شبهة لدى الشركات ــ الزبائن، إلا حين انكشف أحد الإيصالات المزوّرة في شهر أيار الماضي. في ذلك الوقت، كانت إحدى الشركات تدقّق في إيصال حصلت عليه من جورج بعينو كمستند يثبت تسديدها الاشتراكات المستحقة عليها للضمان. اكتشف أمين الصندوق، منذر عربيد، أمر هذا الايصال المزوّر، علما بأن جورج بعينو يتّهمه بمساعدته في عملية الاختلاس!

بعد ثلاثة أشهر على هذه الحادثة، تمكنّ التفتيش المالي في الصندوق من تكوين ملف عن القضية. تقدّم بادعاء في الأول من آب أمام النيابة العامة المالية. باشر النائب العام المالي علي ابراهيم تحقيقاته، واستدعى منير بعينو وابنه جورج لاستجوابهما. أفاد الابن بأن الإيصالات وبراءات الذمة سليمة وقانونية ومصدّرة وفق الأصول، نافياً أن يكون هناك أي تزوير أو تلاعب فيها.

خرج جورج من مكتب ابراهيم وفرّ مباشرة إلى الإمارات العربية المتحدة تمهيداً للذهاب إلى بلد آخر. في هذا الوقت بدأت سلسلة من الاتصالات التي يقودها منير بعينو مع الشركات التي استفسرت عن الإيصالات التي لديها. قدّم الأب سلسلة من التعهدات للزبائن بأنه سيعيد لهم الأموال. بعضهم وافق على الإحجام عن رفع الدعاوى على شركة “المضمون”، فيما قرّرت 13 شركة، حتى اليوم، الادعاء على الشركة ووضع إشارات حجز على عقاراتها وملكيات بعينو.

بعد هروب المشتبه فيه الأول بالاختلاس والتزوير، سارت التحقيقات ببطء، إلا أنه ظهر تطوران لاحقاً؛ الأول تمثّل بالادعاء الذي قدّمه منير بعينو ضدّ ابنه جورج بجرم سوء الامانة والاختلاس في محاولة منه لإنقاذ الشركة أو ما تبقى منها. أما التطورالثاني فكان عودة الإبن الى لبنان وتسليم نفسه. أثارت هاتان الخطوتان الكثير من التساؤلات، ولا سيما ان ادعاء الاب على ابنه ربطه بـ”عدم إمكانية جورج القيام بأعمال كهذه من دون تواطؤ احد من الموظفين”. واصدر منير بعينو لاحقاً بيانا لتعزيز الشبهات حول تورط مستخدمين في الصندوق، قال فيه: “لأسباب ما زلت أجهلها، علمت أن ابني جورج والبعض من موظفي الصندوق، الذين تم توقيفهم اليوم من قبل النيابة العامة المالية بعد تحقيق واف معهم من قبل مكتب الجرائم المالية، اقدموا على تزوير إيصالات وبراءات ذمة لمصلحة الشركات الزبائن واستولوا على المبالغ المدفوعة بموجب شيكات لأمر الصندوق كمستفيد أول، كما المبالغ النقدية المدفوعة من قبل الشركات”. واضاف بيان الاب: “للمزيد من المعلومات فإن ابني جورج قد عاد طوعاً من الخارج ووضع نفسه بتصرف القضاء، وبناء على افادته المفصلة والمواجهات أمام مكتب مكافحة الجرائم المالية، تم إيقاف موظفي الضمان، وبالتالي فإن المسؤولية تقع على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كمسؤول معنوي عن أعمال موظفيه وعلى الموظفين أنفسهم كما وعلى ابني جورج، ونحن على أتم الثقة بعمل الأجهزة الأمنية والقضائية التي نحترم والتي لم تتوان لحظة عن كشف هذه الحقيقة”.

رسم الابن سيناريو في اعترافاته يمكن تلخيصه كالتالي: هو شاب يبلغ من العمر 33 عاماً، تورّط بأعمال تجارية، اقترح عليه موظف في الضمان اختلاس أموال الزبائن بدلاً من إقراضه المال، انغمس في التزوير والاختلاس ليسدّد ديونه بالتواطؤ وبحماية رئيس اللجنة الفنية في الضمان سمير عون، وبالتعاون مع رئيس مصلحة براءة الذمة في الضمان علي شقير وموظفين آخرين، بعضهم متقاعد أو متعاقد.

لا تتوافر لدى المحققين ادلة تدعم هذا السيناريو سوى رواية المتهم نفسه، الا ان الحصيلة الأولية لعمليات الاختلاس، بلغت وفق مصادر مطلعة، 10 مليارات ليرة. وهذا الرقم أكبر بكثير من المبلغ الذي يدّعي جورج اختلاسه من أجل تسديد ديون القسيس البالغة 300 ألف دولار. لا بل إن ما ورد في إفادته عن المبالغ المدفوعة رشى، متضاربة، إذ تصل قيمتها إلى 1.5 مليون دولار سنوياً وعلى فترة تمتدّ بين 2011 و2015، لكن عند الدخول في تفاصيل الرشى المدفوعة لكل مستخدم، يتبيّن أنها لا تتجاوز 800 ألف دولار عن السنوات الخمس كلّها، بالإضافة إلى هدايا عينية مثل تلفزيون وساعة ومكيف وتشريجات تلفون وسواها… واللافت أن حصّة جورج بعينو من كل عمليات التزوير تبلغ 400 ألف دولار من 2011 لغاية 2016!

بالاستناد الى رواية المتهم، فهو برّر إفادته الأولى، التي أنكر فيها وجود إيصالات مزوّرة واختلاس أموال الزبائن، بأنها جاءت بطلب من موظفة متعاقدة مع الضمان هي وديعة توما، التي تعمل سكرتيرة لدى رئيس اللجنة الفنية في الضمان سمير عون. ثم بدأ بعينو يسرد الورطة التي وقع فيها مع إيلي القسيس بعدما كفله لدى عدد من الدائنين، ما دفعه إلى طلب الاستدانة من منذر عربيد (امين صندوق في الضمان) بحكم الصداقة، فما كان من عربيد إلا أن علّمه اختلاس الزبائن، بحسب الرواية نفسها. وقال بعينو إنه استحصل على الإيصالات وبراءات الذمة المزوّرة مقابل رشى مالية لكل من وديعة توما، رئيس مصلحة براءة الذمة علي شقير (حالياً هو رئيس دائرة)، ابراهيم بيضون المسؤول عن طلبات براءة الذمة، علي عياش رئيس مصلحة الإحصاء وأساليب العمل (متقاعد)، علي العطار رئيس مصلحة الاشتراكات، ونديم فيصل أمين صندوق السندات، ومنذر عربيد أمين صندوق الضمان. هؤلاء، وفق رواية المتهم، كانوا يحصلون على رواتب شهرية. أما “الحماية”، بحسب هذه الرواية، فكان يحصل عليها من رئيس اللجنة الفنية في الضمان سمير عون. الا ان الاخير نفى في افادته أمام القاضي ابراهيم ان يكون هناك اي دور تنفيذي للجنة الفنية في معاملات الضمان، واوضح أن العلاقة مع جورج بعينو تتصل بشرائه سيارة رانج روفر منه، اذ دفع ثمنها بالكامل، ونشأت خلافات بينهما على خلفية الغشّ الذي مارسه بعينو، إذ تبيّن أن السيارة تعطّلت في اليوم الأول على شرائها، وهذا ما أوجب على عون الطلب إلى سكرتيرته الاتصال ببعينو مرات عدّة لمعالجة المشكلة.

تقول مصادر مطلعة إن هناك قناعة لدى عدد من المعنيين بهذه القضية بأن اعترافات المتهم ما زالت غير مترابطة ومتذبذة، وان التحقيقات لم تحسم بعد مدى تورّط أي من مستخدمي الضمان بشكل قاطع، ولكن الثابت في هذا الملف أن هناك تزويرا محترفا لبراءات الذمّة وإيصالات الدفع، وانه في الحصيلة سترفض الشركات تسديد متوجباتها مرتين الى الصندوق وهي لن تتحمل مسؤولية اختلاس هذه المتوجبات.

كان جورج بعينو يحصل من زبائنه، الذين يأتمنونه لتسديد الاشتراكات للضمان والاستحصال على براءات الذمة لهم، على شيكات مصدقة لأمر صندوق الضمان، وعلى مبالغ نقدية. “كنا نستولي على المال النقدي دون الشيكات. الشيكات تتم تجزئتها (اي استعمالها لتسديد مبالغ لأكثر من شركة)”، وفق ما نقلته مصادر مطلعة على التحقيقات من اعترافات بلسانه.

بحسب اعترافاته، فإن أدوار مستخدمي الصندوق المتورطين معه هي على الشكل الآتي:

ــ منذر عربيد :كان يقوم بتجزئة قيمة الشيكات على عدّة جداول “كي نتمكن من اختلاس المال، وكنت أدفع له في الشهر ستة آلاف دولار. بعض الشيكات التي أقدّمها كانت تغطي متوجبات شركات لا أمثلها”.

ــ إبراهيم بيضون: كان يختم طلبات براءة الذمة على أساس أنها شركات غير مسجّلة علماً بأنها كانت مسجّلة ويسرّع لي المعاملة، وكنت أدفع له 1500 دولار على براءة الذمة للشركة غير المسجلة ومبلغ 8 آلاف دولار على معاملات النمر العمومية (نمرة بول شعيا مثالاً). “قبض خلال فترة تعاملي معه 50 ألف دولار”

ــ علي العطار: كان يحوّل الجداول ويأخذ الهدايا بطريقة متواصلة وكل ثلاثة أو أربعة أيام كان يأخذ نحو 500 ألف ليرة.

ــ نديم فيصل: هو أمين صندوق السندات “لم يكن يقبض المال مني، وعندما تزوج قدّمت له هديّة عبارة عن جهاز تلفزيون ومكيّف هواء”.

ــ علي عياش: كان رئيس دائرة الاحصاء وأساليب العمل وكان ينفذ معاملات ترك العمل والاستخدام في المقرّ الرئيسي من دون المرور بمركز التبعية، بالإضافة إلى معاملات “كتب الاستمرارية”. “يتقاضى على معاملة الترك والاستخدام 50 دولارا، وقد نفذت نحو 3 آلاف معاملة بين 2011 و2015، وعلى كتب الاستمرارية 200 دولار وعلى تسجيل الشركات 1000 دولار”.

ــ علي شقير: كان يستلم طلبات براءة الذمة ويطّلع على المشكلة فيها “أطلب منه تحديد المبلغ المطلوب لحل المشكلة، وكنت أدفع له 1500 دولار اسبوعياً، لكوني كنت أقدّم ما بين 30 و40 براءة ذمة اسبوعياً”.

ــ وديعة توما: “كنت أدفع لها 5 آلاف دولار شهرياً، من شهر 1 عام 2016 إلى شهر 8 عام 2016، وقبضت 4 ملايين ليرة عن جمعية مصارف لبنان وشركة رخام الهبر، و10% لتسيير المعاملات، ودفعت المبلغ نقداً في مكتبها، وسبق أن أهديتها ساعة رولكس أتت بها جارتي من محل طحان للمجوهرات قرب برغر كينغ”.

– سمير عون: رئيس اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي “وكانت تقول لي وديعة توما انه هو من يحميك ويغطّيك ويكبّرك لقاء هدية الرانج روفر، حيث دفع من أصل ثمنها 9 آلاف دولار، أي 13 مليونا و500 ألف استلمتها من منزل وديعة، ومن ثم قسّطت باقي ثمن السيارة على ثلاث دفعات، بمجموع 48 الف دولار”.

– ربيع قبيسي: كان بعينو يستلم منه براءات الذمّة من عام 2011 حتى عام 2014 (لغاية توقيف قبيسي في شبكة تزوير براءات الذمة ومحاولة إحراق مستودعات الضمان لإخفاء المستندات المزوّرة. قبيسي اتُهم وحيداً في النهاية بهذا الملف، برغم أن إفادة بعينو تظهر أنه مجرّد موظف صغير يحصل على أرخص الرشى). “كنت أقدّم له الهدايا وتشريج التلفونات وهواتف وغيرها”.

ارتفعت ديون الضمان على الدولة والمؤسسات العامة وعلى القطاع الخاص إلى 2400 مليار ليرة، وبالتالي باتت حاجته للتدفقات النقدية أكبر، إذ انها تضخّ دفعة “أوكسجين” في شرايينه. الأوكسجين يأتي من تسديد الاشتراكات التي تدفعها الشركات وتحصل في مقابلها على براءات ذمة تثبت انها سدّدت ما عليها، وبالتالي فإن تزوير براءات الذمة يقلّص التدفقات النقدية، ما يعمّق أزمة الضمان المالية.

لم ينقطع دفق فضائح التزوير والاختلاس والسرقة في الضمان خلال السنوات الأخيرة. المتوّرطون متشابهون، فهم مكاتب سمسرة ومعقبو معاملات ومستخدمون مرتشون. قبل انكشاف الاختلاسات الأخيرة المتهم بها جورج بعينو كانت هناك شبكة لتزوير براءات الذمة في الضمان، تفوقت على نفسها في عام 2014. يومها اتهم المستخدم ربيع قبيسي بجرم محاولة إحراق مستودعات الضمان بما فيها من إيصالات وبراءات ذمّة مزوّرة للسيارات العمومية وللشركات تعود لعام 2013. التحقيقات أظهرت أن شركاء قبيسي كانوا 6 سماسرة، أو معقبي معاملات، خمسة منهم لديهم مكاتب تقع بالقرب من المقرّ الرئيسي للضمان. ومن الشركاء أيضاً كاتب عدل “نفد بريشو” فيما “طلعت براس” قبيسي وحده الذي أفرج عنه ويعمل حالياً معقب معاملات في الضمان. الشبكات التالية كانت فردية أو ثنائية تتنوّع أعمالها من تزوير إيصالات وتسجيل مؤسسات وهمية واختلاسات. رئيس مكتب الصندوق في شكا اختلس أكثر من 1.7 مليار ليرة بالتعاون مع أحد الأطباء المراقبين، وفي المقرّ الرئيسي كان عبد عانوتي يسجّل مؤسسات وهمية في الصندوق ثم يسجّل على اسمها موظفين يتقاضون تعويضات عائلية ويقدّمون فواتير مرض وأمومة قبل أن يسدّد اشتراكاتهم للضمان بإيصالات مزوّرة.

أنكر مستخدمو الضمان الموقوفون أي علاقة مع جورج بعينو باستثناء وديعة توما التي قالت إن سبب الاتصالات معه متصل بسيارة الرانج روفر التي باعها لسمير عون، إذ جرت إشكالات عدة بينهما حول السعر المدفوع نقداً و”مداكشة” على سيارة جاغوار يملكها عون وسعر هذه الأخيرة… هذا لا يعني أن مستخدمي الضمان غير مشتبه فيهم، فالتحقيقات لم تحسم الامر. مشكلة المستخدمين علي شقير ومنذر عربيد، وهما الموقوفان الأساسيان في هذه القضية، انهما يملكان حق توقيع المعاملات الخاصة بإصدار براءة الذمة وقبض الأموال من المنتسبين، وبالتالي فإن احتمال قيامهما بتوقيع بعض الإفادات قد يكون عملاً مقصوداً، وقد يكون فخّاً من من جورج بعينو.