IMLebanon

قانون للانتخابات أم لتقاسم البلد؟! (بقلم رولا حداد)

بقلم رولا حداد

ثمة ظاهرة غريبة في لبنان تتعلق بموضوع قانون الانتخابات النيابية. هذا الملف، ملف قانون الانتخابات، يعود إلى الواجهة مع اقتراب موعد كل انتخابات على قاعدة الحاجة إلى إقرار قانون انتخابات جديد.

هذه الظاهرة أخذت مداها منذ “الطائف” وحتى اليوم، فشهد لبنان انتخابات عام 1992 بقانون، تغيّر في انتخابات الـ1996، ليعود ويتغيّر مع انتخابات الـ2000 التي جرت وفق ما سُمّي بـ”قانون غازي كنعان”، والذي بقي ساري المفعول في انتخابات الـ2005 تحت ضغط الخيار بين تأجيل الانتخابات من دون أفق واضح بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لاستكمال البحث لإقرار قانون جديد في مجلس النواب، وبين إجراء الانتخابات في موعدها بعد الانسحاب العسكري السوري ووفق القانون القائم. وفي العام 2009 تمت العودة إلى قانون الـ1960 معدّلاً بموجب “اتفاق الدوحة”، ولم تُجرَ انتخابات جديدة منذ الـ2009 بفعل التمديد مرتين للمجلس القائم، وثمة من يتحدث اليوم عن تمديد جديد، ولو تقني ولأشهر معدودة.

الخلاصة مما تقدّم أن هدف قانون الانتخابات النيابية في لبنان لم يكن يوماً تأمين التمثيل النيابي الصحيح لمختلف فئات الشعب، ولا الحرص على الشفافية والعصرية ومنع المال السياسي والانتخابي، ولا الإصرار على نزاهة النظام البرلماني الديمقراطي. الخلاصة الأساسية والفعلية هي أن إنتاج قانون الانتخابات النيابية في لبنان يأتي دائماً لتكريس غلبة أكثرية الطبقة السياسية الحاكمة على الشعب اللبناني. فمن يُنتج قانون الانتخابات هو مجلس النواب القائم والخاضع لتوازنات سياسية دقيقة تؤمّن استمرارية للطبقة السياسية الحاكمة ومصالحها، بعيداً عن أي اعتبارات مبدئية. فـ”صحة التمثيل” و”وحدة المعايير” و”عصرية القانون وحداثته” كلها شعارات فارغة بالنسبة للطبقة السياسية الحاكمة، والتي تفضّل شعارات عملية مثل “تفصيل قانون الانتخابات على قياسها”، ومراعاة اعتبارات القوى السياسية.

حتى المطالبين نظرياً بقانون يوحّد المعايير، لا يفعلون ذلك انطلاقاً من حرصهم على التمثيل الصحيح، بل بهدف تحقيق غلبة مذهبية. والمثال على ذلك واضح ويكمن في المطالبة بقانون انتخابي على أساس النسبية الشاملة بلبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو قانون جيد لو كان لبنان يعتمد على نظام حزبي كامل وبعيد عن الاعتبارات الطائفية والمذهبية. والمطالبة بقانون النسبية مع لبنان دائرة انتخابية واحدة، يأتي على سبيل المثال ممن يطالبون بإلغاء الطائفية السياسية ويرفضون العلمنة في الوقت ذاته، فكيف يمكن التوفيق بين الطرحين؟!

الثابت مما تقدّم أن النقاش الانتخابي القائم في معظمه لا يهدف إلى إقرار قانون انتخابي عصري يؤمن التمثيل الصحيح، لأنه في حال إقراره سيطيح بقسم كبير من النواب الموجودين ويغيّر المعادلات السياسية القائمة، فهل سيقرّ النواب والقوى السياسية الموجودة في المجلس قانوناً يلحق بها خسارة سياسية وانتخابية؟! الجواب هو طبعاً لا!

وبالتالي فإن النقاشات القائمة ستكون أمام خيارين: إما الوصول الى طريق مسدود والإبقاء بالتالي على قانون الستين، وإما التوصل إلى قانون جديد لن تغيّر الانتخابات بنتيجته واقع التوازنات القائمة بشكل جذري، وإنما تبقي على توزيع القوى كما هو قائم، وربما مع تعديلات بسيطة ومحدودة.

وفي الانتظار سنشهد المزيد من شد الحبال والاستعراضات واجتماعات اللجان والتصاريح الفضفاضة، حتى يتم التوافق على تقاسم الحصص النيابية من جديد بموجب القانون العتيد بما يرضي كل القوى السياسية ويبدّد هواجسها، وإلا فإن سيف “الستين” سيبقى مسلطاً فوق رؤوس الجميع!