IMLebanon

لبنان أمام اختبار “الالتزامات” المتبادلة مع دول الخليج

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:  بعد “الصدمة الايجابية” التي أحدثتْها زيارتا رئيس الجمهورية ميشال عون لكلّ من الرياض والدوحة باعتبار انهما فتحتا صفحة جديدة في العلاقات بين بيروت ودول الخليج وأسستا، ولا سيما محطة السعودية، لمرحلة “اختبارٍ” لترجماتِ “إعلان النيات” اللبناني حيال المملكة ومصالحها، يعود المشهد السياسي الداخلي للانهماك في عناوين بارزة ذات صلة باستحقاقاتٍ داهمة مثل الانتخابات النيابية التي دخلت البلاد في مدارها على وقع مشاوراتٍ كثيفة ومناوراتٍ كثيرة تتصل بالقانون الذي سيحكمها، وايضاً ملف التعيينات في مواقع رئيسية أمنية وقضائية وإدارية.

وفيما تبدو القوى السياسية اللبنانية أمام مرحلة “تجرُّع تدريجي” لـ “كأس الستين”، وهو القانون الذي جرت على أساسه آخر انتخابات نيابية العام 2009، مستفيدة من “الغطاء الناري” الذي يوفّره الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط لغالبية الأطراف لـ”الانسحاب” من تعهداتها – الأقرب الى اشتراطات – السابقة امام جمهورها بالتوصل الى قانون جديد، فإن مسألة التعيينات ستشكّل امتحاناً فعلياً للعهد الجديد والتسوية التي أفضتْ الى إنهاء الفراغ الرئاسي وعودة زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري الى رئاسة الحكومة على قاعدةِ تفاهُماتٍ على الخطوط العريضة لإدارة السلطة، وسط اتجاه الأنظار خصوصاً الى منصبيْن: الأول قائد الجيش حيث لن ينتظر رئيس الجمهورية انتهاء الفترة الممدَّدة للعماد جان قهوجي (حتى ايلول) لتعيين قائدٍ جديد للمؤسسة العسكرية من ضمن أسماء سيكون لعون دورٌ ترجيحي في اختيار أحدها بما لا يشكّل استفزازاً لأيّ طرف. والثاني المدير العام لقوى الأمن الداخلي حيث ترتفع بقوة أسهم رئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان (قريب من الرئيس الحريري) لخلافة اللواء ابراهيم بصبوص.

ورغم الطابع المحلّي لهذه الاستحقاقات، فإن أوساطاً سياسية في بيروت تتعاطى مع التعيينات ولا سيما الأمنية منها، كما مع الانتخابات النيابية وما ستفضي إليه على صعيد التوازنات في البرلمان الجديد، باعتبارها من المؤشّرات العمليّة الى مرتكزاتِ التسوية السياسية التي أعادتْ الانتظام الى المؤسسات الدستورية والتي عكستْ ضمناً تعايُشاً ايرانياً – سعودياً تحت سقفها.

وترى هذه الأوساط ان ثمة وجهيْن لتظهير طبيعة التسوية التي تقاطعتْ مصلحتا طهران والرياض على حصولها في لبنان، الأول داخلي يتّصل بلعبة السلطة في البلاد والثاني استراتيجي ويتعلّق بتموْضع بيروت حيال أزمات المنطقة وانخراط “حزب الله” العسكري في العديد منها.

وبحسب هذه الأوساط، فإن “حزب الله” الذي بدا واضحاً أنه يعتمد المرونة على مستوى الشقّ السلطوي من المشهد اللبناني ما دام الأمر لا “يغيّر فاصلة” في انفلاشه العسكري على “رقعة شطرنج” الصراعات في المنطقة من ضمن المشروع الاستراتيجي لإيران، قد يجد نفسه أمام معطى جديد محلياً في ظلّ ما ظهّرتْه زيارة الرئيس عون للرياض خصوصاً من “عيْنٍ” سعودية على لبنان في “شقيْه الداخلي والخارجي”، وهو ما عبّر عنه إبقاء ترجمات الايجابية الكبيرة التي اتّسمت بها محادثات الرئيس اللبناني في المملكة وتسريع وتيرتها، – ولا سيما في ما خص العودة عن قرار تجميد هبة الـ 3 مليارات دولار لتسليح الجيش من فرنسا وهبة المليار لدعم القوى الأمنية الأخرى – رهن السلوك الرسمي اللبناني في المرحلة المقبلة، بمعنى مدى قدرة عون على تنفيذ ما تعاطت معه الرياض على انه “إعلان نيات” ولا سيما في الجانب المتّصل بمراعاة مصالحها ووقف الحملات والشتائم ضدّها والتدخل في شؤونها، واستطراداً اتخاذ لبنان مواقف تعكس عودته فعلياً الى قلب التضامن العربي.

وأوحتْ المعلومات عن طبيعة محادثات عون في الرياض، أن الأخير الذي يسعى الى “الحياد الايجابي” للبنان الرسمي، صار على محكّ القدرة على ترجمة المسار الذي عبّر عن خطوطه العريضة، ولا سيما في الشق المتعلّق بضمان الأمن الداخلي والاستقرار في حمى الدولة، وسط رصْدٍ لما اذا كان “حزب الله” سيلاقيه في منتصف الطريق ويوقف الحملات على السعودية.

وكان لافتاً في هذا السياق كلام معبّر أطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كان في عِداد الوفد المرافق للرئيس عون في زيارتيْه للسعودية وقطر اذ اكد ان لبنان “تحت المراقبة” بالنسبة للسعودية، معلناً “لا يتوقّع أحد أن تنتهي أزمة عمرها 6 سنوات بين ليلة وضحاها، فالأمور تحتاج إلى وقت”، وكاشفاً ان الهبة “توقّفت لأسباب سياسية وتصرف بعض اللبنانيين إزاء المملكة، وعودة تنفيذها له ثمن سياسي، والرئيس عون حمل على كتفيه أنه هو الضمان لسياسة جديدة في لبنان، فكيف لنا أن نطالب السعوديين بالهبة وهم يُشتَمون في لبنان كل يوم؟”.

واذ اعتبر في إطلالة تلفزيونية ان ما قاله الرئيس عون في الزيارة للسعوديّة وقطر هو “خطاب قسم ولكن هذه المرّة تجاه العرب وليس اللبنانيين”، كشف انه قال لعون “إن كل ما تقوله خلال الزيارة يقع على ضمانتك الشخصيّة لأن ما من أحد آخر يمكن أن يضمن ما تعهدته”، مضيفاً: “كما تفاجأ اللبنانيون بخطاب القسم في لبنان كذلك يتفاجأ العرب بخطاب القسم العربي وما يسمعونه من الرئيس عون خلال الزيارات، وهو يقوم بذلك على ضمانته الشخصية وهذه مسألة ليست سهلة”.

واذ لم ينفِ المشنوق ان يكون خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز طلب من الرئيس عون “بسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية”، فجّر “قنبلة” بإعلانه ان “هناك استحالة للوصول إلى قانون انتخابات جديد في الوقت المحدد، وأنا سأدعو الهيئات الناخبة تبعاً للقانون النافذ من أجل وضع جميع القوى امام مسؤولياتها في الوصول إلى قانون جديد خلال الشهرين المقبلين وأنا أرى أن هذا الأمر مستحيل لأن في كل قانون يقترح يتم إيجاد مئات الثغرات فيه”.

وفي حين جزم بانه “لن أدعو لأي تأجيل تقني للانتخابات ما لم يوضع قانون انتخاب جديد”، أعلن انه في غضون عشرة ايام سيرفع الى مجلس الوزراء اقتراحاً بتشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على الانتخابات مع طلب موازنة مالية لإجرائها في 21 مايو المقبل، وانه سيوجّه في 21 شباط دعوة الى الهيئات الناخبة عملاً بالقانون النافذ الذي على أساسه جرت آخر انتخابات نيابية في صيف عام 2009 “.

وفي موازاة ذلك، كشف وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) ان “الملك سلمان بن عبد العزيز قال لنا إنّ المملكة لا تريد التدخل في شؤون لبنان ولا يجوز أن يتدخل أحد في شؤونه، ونحن نقول بدورنا لا نريد ولا يجوز للبنانيين التدخل في شؤون السعودية”. وفي حين شدد على “ان الغيمة عبرت والأمور عادت إلى طبيعتها بيننا وبين المملكة”، أوضح ان “السعوديين عادوا إلى لبنان والملك سلمان نفسه توجّه أمامنا إلى وزرائه بالقول “زوروا لبنان وكل المواضيع مفتوحة أمامكم”.