IMLebanon

تقرير IMLebanon: الدب البني السوري في لبنان… حدث تاريخي وتفاصيل مثيرة

 

بمواجهة التدهور البيئي الذي يشهده لبنان، لاحت بارقة أمل صغيرة عبر تسجيل حدث تاريخي مهم وفريد من نوعه إذ تم توثيق فيديو يكشف ظهور الدب البني السوري في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان وتحديدا في جرود بلدة نحلة – بعلبك. هذا الدب الذي سجّل آخر ظهور له في  لبنان عام 1958، واليوم بعد 60 عاما من الانقراض ها هو يظهر في جرودنا الوعرة.

الخبر تداوله عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ثم المواقع الالكترونية اللبنانية فالعالمية، حيث جرى تأكيد صحة الخبر بعد ان قامت مجموعة من الشبان بتسجيل شريط فيديو يظهر انثى الدب البني السوري برفقة ديسم (صغير الدب) يجولان في الأراضي اللبنانية المغطاة بالثلوج.

وتشير المعلومات الى أن الفيديو تم تصويره في نهاية العام الفائت وقبل ايام قليلة من شهر كانون الثاني.

ما أهمية هذا الحدث من الناحية البيئية؟ وهل هذا الدب شرد ودخل صدفة الى الاراضي اللبنانية أم عاد ليبقى في ربوعنا؟ وكيف يمكننا حمايته؟

 

 

عاد بعد 60 عاما!

رئيس مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام أدونيس الخطيب يؤكد في حديث لـIMlebanon أنه “في حال كان هذا الدب شاردا أم لا، فهذا الأمر له ايجابية بيئية جيدة لانه عاد الى لبنان خصوصا أن الجبال اللبنانية الوعرة هي بيئته، فهو لم يتعد على بيئة أخرى حيث كان يعيش في لبنان منذ 60 عاما، وبمجرد وجود الانثى مع الديسم فهذا مؤشر مهم لنا لانها عادت الى المنطقة ونأمل ان يحصل تزاوج لكي تعود السلالة وتنتشر من جديد في حال لم يعتدِ الصيادون عليها”.

ويضيف أن”هذا الدب كان مهددا بالانقراض لدرجة انه غاب عن الساحة كليا في لبنان، أما في سوريا فهو لا يزال موجودا ولكن بنسبة قليلة جدا بينما في تركيا يسجل وجوده أكثر، لذلك أهمية دخول هذا الدب الى لبنان مهمة جدا والاهم هو ان يتناسل ويتكاثر”.

 

كيف وصل الينا؟

من جهته، يوضح مدير مركز التعرف على الحياة البرية في عاليه والدكتور في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية منير أبي سعيد في حديث لـIMlebanon أنه “في حال كانت عودة هذا الدب الى لبنان صحيحة فهذا الأمر له أهمية قصوى لبيئتنا، ولكن الترجيحات تشير الى أنه شرد ودخل الى الاراضي اللبنانية صدفة من سوريا ومن الممكن أنه هرب من حديقة حيوان ودخل الى منطقتنا لان الانثى كان برفقتها ديسم نوعا ما كبير، لذلك على الأرجح ان تلك الانثى شردت ودخلت الى لبنان لانه عادة في الطقس المثلج يختبئ هذا النوع من الدببة وهذه الفترة تكون هائدة جدا في الجرود، لكن إذا هذا الدب كان بريا فهذا الامر عظيم جدا، وفي حال كان محليا فيمكن ان يتدبر امره في البرية ويعيش ويتأقلم”.

ويشير الى أن “اهمية تكاثر الحيوانات المهددة بالانقراض لكن يجب ألا يتدخل البشر في بيئتها، فالمنطقة التي يتواجد فيها هذا الدب تشهد حربا والبشر هجروا عنها لذلك نرى ان الحيوانات من تلقاء نفسها عادت الى بيئتها، فالنظام البيئي يصلح نفسه بنفسه، والأهم من وجود الدب هو الا يتدخل البشر في بيئته لكي يتكاثر ويبقى وجوده دائما خصوصا ان عودة الحيوانات الى الطبيعة من تلقاء نفسها انجح واهم من ان نضعها نحن بالقوة”.

 

هل يشكل الدب السوري خطراً؟

يشدد الخطيب على أن “أهمية الحدث هو أنه مفاجئ وغريب في الوقت نفسه خصوصا ان المنطقة التي وجد فيها تعد منطقة عسكرية ورغم كل الاصوات التي تصدر في تلك المنطقة فقد عثر عليه”.

ويوضح أن “الدب البني لا يشكل خطرا فهو مثله مثل اي حيوان إذا هوجم سيدافع عن نفسه، يأكل الاعشاب والفواكه وبعض الحيوانات الصغيرة، ويمتاز انه أصغر نسبياً من السلالات الأخرى، الذكر أكبر حجما من الأنثى ويصل طوله الى 150 سنتمترا، ويصل وزنه الى نحو 170 كيلوغراما ويتميز هذا النوع من الدببة بلون الفرو البني الفاتح المصفر، وهو قوي البنية والعضلات. له ذيل قصير، وأقدام ضخمة وقصيرة (الخلفيتان أطول من الأماميتين) ولكل قدم خمسة أصابع تنتهي بمخالب حادة، في حين أن الأكف عريضة. الأذنان قصيرتان ومستديرتان، والعينان صغيرتان، وله فكّان قويان”.

 

 

لماذا سميّ الدب السوري؟

وعن التسمية، يشير الخطيب الى أن “إسمه الدب البني السوري لأن العلماء يسمون الحيوانات بإسم المناطق الموجودة فيها، خصوصا ان البيئة السورية اوسع من بيئتنا، وهو تاريخيا موجود في تركيا وسوريا ولبنان، والبيئة الملائمة له هي البيئة الباردة والمثلجة والوعرة لذلك سيتأقلم في الجرود البعيدة والمرتفعة”.

أما أبي سعيد فيشرح أن “هذا الدب أول ما وصف علميا وليس اول ما اكتشف لأن هناك فرقا شاسعا بين الأمرين، وصف بشمال لبنان عام 1828 واطلق عليه اسم الدب السوري الأسمر، “Ursus arctos syriacus” والسبب هو ان الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا كان يطلق عليها اسم بلاد الشام لذلك اطلق عليه هذا الاسم، فهو وصف اول مرة في شمال لبنان لذلك لبنان هو موطنه الأساسي ويعيش في الامكان الجبليية الوعرة والغابية”.

 

 

لماذا “انقرض”؟

“أمران أساسيان أثرا على وجود هذا الدب في لبنان، الأول هو الصيد الجائر الذي كان يحصل من دون حسيب او رقيب من اجل استخدام جلوده وفروه، والثاني يتمثل بتقليص المساحات والتوسع المدني والاعمار في الجرود والحركة التي تحصل تخيفه فيرحل، فالانسان تعدى على بيئة هذا الدب ما دفعه الى الهرب. فالتعدي عليه بالقتل والتعدي على بيئته أثرا بشكل كبير على انتشاره في لبنان لدرجة الانقراض”، يشرح الخطيب.

من ناحيته، يؤكد أبي سعيد أن “سبب اختفاء هذا الدب هو الصيد والتوسع العمراني للانسان، وتغير المناخ لا دخل له بانقراضه خصوصا أن آخر وجود له كان في العام 1958 وفي هذا العام لم نكن نواجه اي مشكلة مناخية والاحتباس الحراري لم يكن له اي وجود”.

لا لصيد الدب..

لكن هل ينجو الدب من الصيادين في المنطقة؟ سؤال سأله الكثيرون عبر مواقع التواصل داعين الى حماية وجود هذا الدب الفريد في جرودنا. وفي هذا السياق، يحيي الخطيب الصيادين الذين حذروا من قتل هذا الدب لانها ستكون نهاية ابدية له. وطلب من الصياديين انه “في حال واجهوا هذا الدب ان يبلغوا عن ذلك كي نحاول حمايته وتامين البيئة الملائمة له، فالطبيعة دائما تحاول ان تعطينا قدر الامكان شرط الا نتعدى عليها، وهذا الامر مؤكد خصوصا بعد عودة ثعلب الماء الذي وجد في عنجر في العام 2007 واصبح جزءا من ثقافتها، بالاضافة الى النعار السوري هذا الطير الذي اختفى لفترة طويلة من لبنان موجود في عنجر ايضا، فضلا عن الغزلان التي شوهدت في محمية أرز الشوف في العام 1998 ما يعني ان الطبيعة دائما تتجدد”.