IMLebanon

الحجّ الإنتخابي… ليس لِمَن استطاع إليه سبيلا…

 

 

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

تدور معركة سياسية كبرى غير معلنة في البلاد حول قانون الانتخاب، ويُنتظر أن تتكشّف فصولها في قابل الأيام، ومع اقتراب موعد دعوة وزير الداخلية نهاد المشنوق الهيئات الناخبة لانتخاب مجلس نيابي جديد، وذلك في خلال النصف الثاني من شباط المقبل وبعده.يسود الأوساط السياسية على اختلاف مشاربها تفسيران للمواقف الماثلة حتى الآن من ملف الاستحقاق النيابي عموماً، وقانون الانتخاب العتيد خصوصاً:

– التفسير الأول، هو انّ هذه المواقف التي تتبرّأ من قانون الستين وتلعنه بكرة وأصيلاً داعيةً إلى إقرار قانون بديل، لا تختلف عن مثيلاتها التي كانت تسود قبيل الاستحقاقات النيابية السابقة ولكنّها لا تسمِن ولا تغني من جوع، لأن تلك الاستحقاقات انجِزت بقوانين فرَضت «أمراً واقعاً لا مفرّ منه»، ما يعني أنّ المواقف السائدة حالياً لن تقدّم او تؤخّر وأن الانتخابات ستجري على اساس قانون الستين النافذ بعد تجميله ببعض «المساحيق» السياسية والإجرائية واللوجستية، من تعديل في بعض الدوائر والمقاعد على الارجح، حتى يكون هناك تبرير للرأي العام بأنّ القانون جديد وأنّ «الستين» قد «دفِن الى أبد الآبدين؟!».

ـ التفسير الثاني، هو انّ المواقف المعلنة على تناقضها هنا وتوافقها هناك، هي من «عدة الشغل» عند القوى السياسية التي يدفع كلّ منها في اتجاه إقرار قانون انتخاب يلبّي تطلعاته ومصالحه الانتخابية والسياسية بما يعزز مواقعه في السلطة التي ستنبثق مع نتائج الانتخابات وتفتح مرحلة جديدة في الحياة السياسية.

ويؤكّد اصحاب هذا التفسير «صيرورة» كلّ ما يجري الى إقرار قانون انتخابي جديد لأنّ أياً من الأفرقاء السياسيين لا يمكنه تحمُّل تبعات التراجع عن رفضه قانون الستين، وقبل هؤلاء الأفرقاء جميعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تعهّد في خطاب القسم إجراءَ الانتخابات المقبلة «على اساس قانون جديد»، لأنه يدرك ومعه كثير من المرجعيات والقوى السياسية انّ بقاء الستين يشكّل نكسةً لعهده الواعد بالإصلاح والتغيير بدءاً بقانون الانتخاب.

وفي هذا السياق يعتقد سياسيون انّ المعركة الدائرة ليست سهلة، ولكنّها لن تكون طويلة لأنها محكومة بمواعيد إجراء الانتخابات التي بدأت تضغط في ظلّ «الرفض الجامع» لأيّ تمديد جديد للمجلس النيابي الذي تنتهي ولايته الممدّدة في 20 حزيران المقبل، فكثير من الافرقاء يدركون انّ هذا التمديد الذي كانت له مبرّراته غير المقنعة سابقاً، ليس مقبولاً محلياً ودولياً بدليل الدعوات المتلاحقة الى إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده وفق الاصول والقواعد الديموقراطية، بعدما صار للبلد رئيسٌ بعد طول شغور، وحكومة جديدة مهمّتها الاساسية إقرار قانون انتخابي وإجراء الانتخابات أوّلاً.

ويَستغرب هؤلاء السياسيون طروحات البعض الداعية إلى نقلِ مقاعد نيابية من لون أو ألوان طائفية معينة من هذه الدائرة الانتخابية إلى تلك، ويرون في هذا الأمر محاولة لإلغاء التنوّع النيابي الطائفي والمذهبي الواجب الوجود في كلّ الدوائر تعزيزاً لصيغة العيش الواحد بين اللبنانيين، فضلاً عن لجوء البعض الى التصرّف في هذا المجال بوحي قاعدة: «ما لنا لنا.. وما لكم لنا ولكم». وهي قاعدة اعتمدها البعض في مراحل عفا عنها الزمن.

فحتى يكون قانون الانتخاب عصرياً ومحققاً العدالة في التمثيل وشموليته، يقول هؤلاء السياسيون، ينبغي اعتماد النظام النسبي والحفاظ على التنوّع الطائفي في كلّ الدوائر الانتخابية، سواء على مستوى الناخبين او على مستوى المقاعد النيابية، فالمجلس النيابي هو مجلس وطني وليس مجلساً ملّياً أو طائفياً او مجموعة مجالس ملّية وطائفية، وما يَرقى بهذا المجلس الى مرتبة ان يكون مجلساً وطنياً فعلياً هو النسبية التي تؤمّن التمثيل الشامل لكل الاطياف السياسية والطائفية والمذهبية، بما يحفظ التنوّع الوطني ويفتح الطريق الى انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ليُبنى عليه إنشاء مجلس شيوخ يهتم بشؤون الطوائف وشجونها والقضايا المصيرية.

ويعتقد مرجع سياسي انّ الفرصة لم تفُت بعد لانتخاب هذا المجلس غير المقيّد طائفياً، ومن ثمّ الشروع في إنشاء مجلس الشيوخ الذي يذلّل هواجس بعض الطوائف الصغرى ومخاوفها من الذوبان في الطوائف الكبرى.

ويشير في هذا المجال الى انّ مجلس النواب أقرّ في جلسته الاخيرة مجموعة من مشاريع القوانين الخاصة بالطوائف وهي ليست من صلاحيته، وإنّما من صلاحية مجلس الشيوخ الذي لو كان موجوداً لكانت أحيلَت إليه ليدرسَها ويقرّها، إذ لا تضارُب بين صلاحيات المجلسين، فصلاحيات المجلس النيابي وطنية، فيما صلاحيات مجلس الشيوخ طائفية في غالبيتها.

على انّ المرحلة المقبلة على البلاد ستُقرَأ من عنوانها، وهو ماهية ما سيكون عليه قانون الانتخاب، فالإبقاء على الستين سيكون تجديداً للأزمة بكلّ وجوهها السياسية الى اجلٍ غير معلوم، وسيكون المبرّر كالعادة «وعد جديد» تطلِقه الطبقة السياسية بقانون جديد يكون أولى مهمّات المجلس والحكومة اللذين سينبثقان في ضوء نتائج الانتخابات المقبلة.

أمّا في حال إقرار قانون جديد، فإنّ ذلك سيؤسّس لحياة سياسية جديدة، والمؤشرات اليه ملحوظة، خصوصاً أنّ بعض المواقف بدأت تتحرّك في مقاربة بعضها لبعض، ومنها الموقف الاخير لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي أيّد فيه إقرارَ قانون انتخابي يُعتمد فيه النظامان الاكثري والنسبي مناصفةً، وكأنه يعلن بذلك تأييدَه لمشروع رئيس مجلس النواب نبيه بري الشهير القائل بانتخاب نصف اعضاء المجلس (أي 64 نائبا) على اساس النظام الاكثري والنصف الآخر على اساس النظام النسبي.

فـ«القوات اللبنانية»، حسب مصادرها، «تتمسّك بالمشروع المختلط لكونه يُزاوج بين النظامين الأكثري والنسبي، أي أنه يلبّي تطلعات الفئة التي تريد إدخالَ النسبية، كذلك الفئة التي تتمسك بالنظام الأكثري، خصوصاً في ظل استحالة الذهاب إلى النسبية الكاملة او الأكثري الكامل».

وتؤكد هذه المصادر «أنّ هدف «القوات» الأساسي مزدوج: الاوّل، إسقاط الستين ومنع التمديد. والثاني إقرار قانون انتخاب جديد.

وانطلاقاً من اقتناعها بأنّ المشروع الوحيد الذي يؤمّن أوسع توافق ممكن هو القانون المختلط، فإنّها تسعى لدمج مشروعها ومشروع الرئيس بري بغية الوصول إلى قانون مختلط جديد، خصوصاً انّها تتعامل بواقعية مع هذه المسألة لجهة إقرار المشروع الذي يبدّد التحفظات عن المشروعين معاً، في اعتبار أن لا مشروع الرئيس بري سيقرّ كما هو عليه، ولا مشروعها بطبيعة الحال، وبالتالي فإنّ الجهد يتركّز في الأيام الأخيرة على مشروع مختلط ثالث يَرتكز على مشروعَي بري و»القوات».

وترى المصادر نفسها «أنّ المعادلة انتقلت من تخيير اللبنانيين بين قانون الستين والتمديد إلى تخيير بعض القوى السياسية بين إقرار قانون جديد او تفريغ السلطة التشريعية، وهذا الضغط هو في المنحى الإيجابي لا السلبي، بمعنى انّ رئيس الجمهورية يستخدم صلاحياته لإقرار قانون جديد والحؤول دون ابتزاز اللبنانيين ووضعِهم أمام الأمر الواقع، لأنه يفترض ان تكون كلّ القوى السياسية مع إقرار قانون جديد، وبالتالي سيقطع الرئيس عون الطريقَ أمام القوى التي تسعى للتذرّع بعامل الوقت بغية إبقاءِ القديم على قدمِه».

في أيّ حال لم تفُت الفرصة بعد أمام الجميع للتوصل الى قانون انتخاب يتوافقون عليه، فصحيح أنّ بري قال في الأمس في معرض تعليقه على الواقع الانتخابي: «هناك ضجيج بلا حجيج»… ولكنّ كلامه هذا هو بمثابة حضٍّ للجميع على الحجّ الانتخابي قبل أن يفوتَهم موسم الانتخاب، لأنّ الحجّ الانتخابي مفروض على الجميع، وليس «لِمَن استطاع إليه سبيلا».