IMLebanon

من قال إن النسبية مقدسة؟! (بقلم رولا حداد)

كتبت رولا حداد

من يسمع النقاشات الدائرة في لبنان حول القانون المنتظر للانتخابات النيابية يُصاب بصدمة على الأقل، وخصوصاً في تكرار مقولة أن لا قانون انتخابات يعكس التمثيل الصحيح ويقود إلى بناء دولة عصرية غير قانون النسبية، أو على الأقل قانون تشكل النسبية جزءًا منه.

ومن يتمعّن أكثر في كل ما يجري والكلام الذي يُساق والحبر الذي يُصرف حول قانون الانتخابات النيابية، يظن لوهلة أن الدولة المتطورة في العالم تعتمد النسبية، في حين أن الدول المتخلفة هي فقط من تعتمد قوانين انتخابية مبنية على النظام الأكثري!

والأسوأ من تلك النظريات، أننا لم نسمع من يخرج ليقول إن كل هذه الادعاءات هي محض هراء سياسي ليس أكثر. فثمة أكثرية بين اللبنانيين سلّمت بهذه المقولة حول أهمية النسبية وقدسيتها، من دون أن تناقشها أو حتى تجري الحد الأدنى من الأبحاث العلمية حول الأنظمة الانتخابية المعتمدة في الدول المتطورة حول العالم.

وإذا كان النظام النسبي موجوداً في عدد من الدول، ويؤمن توازناً في التمثيل، فهذا لا يعني على الإطلاق أنه النظام الوحيد العصري والحديث والذي يؤمن صحة التمثيل، إضافة إلى أن النظام النسبي يفترض أولاً وقبل كل شيء أن تكون الحياة السياسية في البلد المعني مبنية على النظام الحزبي فقط لا غير، وأن يكون العمل السياسي في هذا البلد يتم من خلال الأحزاب حصراً، ليأتي النظام الحزبي ويعكس واقع التمثيل الحزبي وحجم كل حزب. ومن ثم يؤلف الحكومة الحزب الذي نال أكثرية المقاعد البرلمانية، وإذا لم ينل أي حزب الأكثرية اللازمة، يتحالف حزبان أو 3 أحزاب ويشكلون الحكومة وفق النسب التي حصدوها من المقاعد البرلمانية.

السؤال البديهي إذا: ماذا يُطبّق في لبنان من هذا كله؟ وهل الحياة السياسية في لبنان مبنية حصراً على الأحزاب؟ وهل تتشكل السلطة التنفيذية من تحالف الأحزاب الفائزة بالأكثرية في الانتخابات البرلمانية؟ حتماً لا!

في المقابل، فإن عدداً كبيراً من الدول المتطورة والحديثة تبني ديمقراطيتها وانتخاباتها على أساس قوانين تعتمد على النظام الدائرة الفردية أو نظام الصوت الواحد لكل ناخب (one man one vote) المُعتمد في أعرق الديمقرطيات مثل بريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا. فهل هذه الدول “متخلفة” أو أنها لا تفهم في الديمقراطية؟ وحتى الولايات المتحدة، فإنها تعتمد نظاماً انتخابياً لا يعتمد على النسبية رغم أن الحياة السياسية فيها تقوم على الحزبين الجمهوري والديمقراطي!

وبالتالي فإن كل ادعاء بأن لا مستقبل للبنان سوى باعتماد النسبية هو منطق للتعمية على الحقيقة، وخصوصا في دولة كلبنان لا تستقيم فيها الحياة الحزبية، إضافة الى أنها مركبة من فسيفساء من الطوائف والمذاهب، والمنتسبون فيها الى الأحزاب يشكلون أقلية على الصعيد الوطني، وإن كان عدد مناصري الأحزاب أكبر من أعداد المنتسبين رسمياً. وبالتالي فإن اعتماد النظام النسبي سيؤدي الى ولادة “محادل انتخابية” تلغي جوهر الهدف من النظام النسبي، إضافة الى جعل الأقليات المذهبية مستتبعة للمذاهب الأكبر منها حجما، في ظل عدم قدرة المذاهب الصغرى على تأمين النسبة الأدنى من الأصوات لخرق اللوائح الأخرى.

في الخلاصة، وأياً يكن القانون العتيد المزمع اعتماده، فإن من البديهي الإصرار على أن تكون وحدة المعايير فيه الأساس، وليس تقسيمه بحسب المصالح السياسية لهذا الطرف أو ذاك، لأن الإخلال بوحدة المعايير في أي قانون يجعله عرضة للطعن، كما أنه يضرب أسس المبادئ التشريعية، ويؤكد أن القوى السياسية إنما تتفق على قانون يؤمن عودتها إلى مجلس النواب وليس عدالة التمثيل وإحداث التغيير الحقيقي في مجلس النواب!