IMLebanon

أين باسيل من مواقف عون؟

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

العماد ميشال عون الرئيس المتربّع على كرسيّ رئاسة الجمهورية في قصر بعبدا هو غيرُه الزعيم السياسي يوم كان يقطن في الرابية، هادئ النبرة بغير ضعف، متمسّك بمواقفه وثوابته المعروفة، لكنّ روحية الرابية “الثورية” المخبوءة في بعبدا ظاهرةٌ في جنبات مواقفه ومطاويها.كان لافتاً للانتباه قول رئيس الجمهورية أمام نقابة المحررين أمس، “إنّ عرقلة إنجاز قانون انتخابي جديد تكمن في أنّ كلّ واحد يريد أن يسحقَ الأقلّية الموجودة في طائفته لأنه لا يريد لها أن تتمثّل، كذلك يريد أن يمدّ يده إلى جَيب الآخر لكي “يُشلِّحه” عدداً من المقاعد، وهذا لا يُعمّر وطناً”.

قد يبدو كلام الرئيس مطمئناً للمهدَّدين بما وصفه “السحق”، ولكن السؤال الذي يحضر فوراً هنا: مَن المقصود بكلام رئيس الجمهورية؟ هل هو النائب وليد جنبلاط؟ هل هو تيار “المستقبل”؟ هل هو الثنائي الشيعي؟ هل هي الثنائية العونية ـ القواتية؟ وأيّ اقلّيات يقصدها الرئيس؟

وهل تستطيع هذه الاقليات المهدَّدة بالسحق ان تطمئنّ فعلاً الى وجودها وحضورها وتاريخها وتنام على حرير الكلام الرئاسي، وهل أنّ في إمكانها بالتالي ان تذهب الى الانتخابات النيابية بلا قلق مسبَق من إمكان تعرّضِها للتحجيم او التذويب او الإقصاء او السحق والإلغاء؟

الرئيس حدّد السبب المانع من الوصول الى القانون الانتخابي بمعايير واحدة، إنّما لم يحدّد طريقة معالجته، لكن هل ثمّة من سيرتدع ويأخذ هذا الكلام في الاعتبار ويحاول ان يسعى بصدق وجدّية لتجنيب البلد تداعيات “السحق”؟ اكثر من ذلك، ماذا لو كان مَن هُم في خط الرئيس من يسعون من خلال ثنائية مسيحية معيّنة الى سحقِ اقلّيات موجودة في ساحتهما ولا يريدان تمثيلها؟

ما قاله عون في الأمس يوحي بأنّ موقفه من قانون الانتخاب شيء، وما يحصل في اجتماعات اللجنة الرباعية شيء آخر، بل انّ البعض وجد موقف رئيس الجمهورية يتناقض مع الطروحات الانتخابية التي يقدّمها خليفتُه في رئاسة “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل حول قانون الانتخاب، سواء كانت تعبيراً عن وجهة نظر”التيار”، او تعبيراً عن موقف ثنائي “التيار” و”القوات اللبنانية” ومؤيديه.

فما يطرحه باسيل من صيغ انتخابية مختلطة بين أكثري هنا ونسبي هناك يضمر في بعض مطاويه ما يشكو منه رئيس الجمهورية وهو “أنّ كل واحد يريد ان يسحق الاقلّية الموجودة في طائفته لأنه لا يريد لها ان تتمثّل ويريد ان يمدّ يده الى جيب غيره لكي يشلّحه بعض المقاعد”.

وفي هذا السياق فإنّ ما يهدف اليه باسيل انتخابياً لم يعد سرّاً، إذ يعترف احدُ نظرائه في اللجنة الرباعية انّ حسابات الرجل في التفاوض على قانون الانتخابات هي “حسابات الثنائي الماروني بكلّ صراحة”.

لكنّ ظاهر كلام الرئيس وباطنَه حول مصير قانون الانتخاب يَبعث على التشاؤم في إمكان التوصل اليه على رغم تأكيده “إنّني مصمّم على المواجهة وعلى إنجاز قانون انتخابي يمثّل كلّ شرائح الشعب اللبناني”.

ومبعث هذا التشاؤم حديثُه عن أنّه “لا توجد إرادة لإنجاز قانون انتخابي”، ما يعني أنّ ما توصّلت اليه المشاورات الانتخابية حتى الآن هو “صفر مُكعّب”، وأنّ هناك قوى في البلد تمارس العرقلة وتضمر الإبقاء على أساس قانون الستين النافذ وهي تعطّل سرّاً وعلناً التوصل الى القانون العتيد، ما يعني انّ البلاد قد تكون أمام احتمال الوقوع في فراغ نيابي، لأنّ ثمّة قوى سياسية كبرى لن تشارك في الانتخابات على أساس “الستّين”.

وإذ يؤكّد عون: “لا تخيفونا من الفراغ فلسنا بخائفين منه لأنّ لدينا البدائل منه وفي إمكاننا حل الأزمة”، يرى البعض انّ “القانون الارثوذكسي” قد يكون من هذه البدائل، لأنّ الملفت انّ عون دافعَ عنه مؤكداً “أنّ هذا القانون ليس بطائفي كما وصَفه البعض، بل يحافظ على العيش المشترك ويُبقي الجميع في مناطقهم لأنّ اصواتَهم تصبح مؤثّرة”.

علماً أنّ بعض المقترحات المطروحة على طاولة اللجنة الرباعية تأخذ بالقانون الارثوذكسي أو تسترشد به، خصوصاً في المقترحات حول ما سمّي القانون المختلط بين النظامَين النسبي والاكثري.

وقد يكون من البدائل الجدّية لدى رئيس الجمهورية إجراء “الاستفتاء الشعبي” الذي تحدّثَ عنه عون ايضاً، لكن دون هذا البديل عقبات وموانع، لأن ليس في الدستور او في القوانين اللبنانية ما يجيز إجراء مثل هذا الاستفتاء على شأن من هذا النوع، سواء على مستوى رئاسة الجمهورية او مجلس النواب او مجلس الوزراء، وحسب بعض الخبراء القانونيين ليس من صلاحية رئاسة الجمهورية الدستورية أو القانونية الدعوة الى إجراء مِثل هذا الاستفتاء، ولكنّ إجراءَه ممكن في حال إقرار قانون خاص يُصدره مجلس النواب، ومثل هذا القانون غير موجود الآن.

يقول أحد السياسيين إنّ كلام الرئيس عمّا يجب ان يكون عليه قانون الانتخاب كان “رئيس الكلام”… لكن السؤال هل سيُترجَم عملياً في ظلّ رزمةِ العقبات الحائلة دون إنجاز هذا القانون، والتي ينبغي “سحقُها” كي لا “تسحق” الأكثريات والأقلّيات التي يتكوّن منها لبنان؟