IMLebanon

سجال قانون الانتخاب إلى مزيد من الاحتدام!

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

يواصل المعنيون ببحث قانون الانتخاب، الذي كشفت المواقف المعلنة حتى الآن أن التباعد بين القوى السياسية حوله يمهد لأزمة سياسية جديدة في لبنان، تأكيدَ أن الأبواب غير مقفلة في وجه إمكان التوصل إلى صيغة مقبولة من الجميع، ولو تحت ضغط الوقت والمهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع في 21 الجاري وفقاً لأحكام القانون النافذ حالياً، أي قانون الستين الذي يرفضه معظم القوى السياسية.

ويصر عدد من ممثلي القوى السياسية الأربعة (“التيار الوطني الحر” و”المستقبل” والثنائي الشيعي) التي تجتمع بحثاً عن مشروع مختلط يجمع بين النظامين النسبي والأكثري، على إعطاء الانطباع بأن احتمال الاتفاق على المختلط لم يسقط، وأن الذي سقط هو إحدى الصيغ التي طرحها رئيس “التيار الحر” وزير الخارجية جبران باسيل، لأن الثنائي الشيعي اشتم منها محاولة لتأمين ثلث معطل لمصلحة الثنائي المسيحي في البرلمان، وليس فكرة المختلط. كما يقول هؤلاء إن الصيغة الأخيرة التي تردد أن “حزب الله” اقترحها بانتخاب 75 نائباً على الأكثري و53 على النسبي استُبعدت بسرعة، لأنها لا تؤمن وحدة المعايير وصحة التمثيل بالنسبة إلى الطوائف كافة، وتلائم فقط الثنائي الشيعي، في مقابل اعتبار صيغة باسيل لمصلحة التحالف المسيحي بين تياره و”القوات اللبنانية”.

المسيحيون الآخرون

ويقول غير مصدر متابع لصيغ المختلط المطروحة، إنها لم تلق القبول لأنها أظهرت أن كل فريق يقترح الصيغة التي تضمن له عدداً أكبر من النواب ولو على حساب الآخرين، وإن هذا الاستنتاج ينطبق على “التيار الحر”، على رغم أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال أن “الازمة تكمن في أن كل واحد يريد أن يسحق الأقلية في طائفته ويمد يده على جيب الآخر كي يشلّحه عدداً من المقاعد”. فهذا التوصيف ينطبق أيضاً على مشروع “التيار”، على رغم أن المتابعين رأوا أن كلام رئيس الجمهورية يقصد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لأن كتلته تضم 5 نواب مسيحيين بين الشوف وعاليه والبقاع الغربي، فيما النواب المسيحيين الآخرين في دائرتي نفوذه الأساسيتين موزعين على “القوات” و”الوطنيين الأحرار” و”الكتائب”، نتيجة التحالف الانتخابي معه.

بل إن أوساط “الاشتراكي” تعتبر أن تحالف “التيار الحر” مع “القوات” يستهدف قيادات مسيحية، مثل رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل، ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، والنائب بطرس حرب وغيره من المسيحيين المستقلين، وأن الوزير باسيل كان أبلغ اللجنة الرباعية الاستعداد للتساهل مع جنبلاط في المقاعد الدرزية، لكن من غير الوارد القبول بأن تضم كتلته أياً من النواب المسيحيين، فضلاً عن رفضه نيابة رئيس “الوطنيين الأحرار” دوري شمعون. وتضيف المصادر إياها أن “التيار الوطني الحر يتجاهل أن هناك حالة مسيحية جنبلاطية تاريخية في الجبل تنقص أو تزيد نيابياً بحسب التحالفات، ويريد إلغاءها على طريقة: ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم”.

ويرى المطلعون على موقف عون أن قول معظم الأطراف إنها لن توافق على قانون لا يرضى عنه جنبلاط، وتأكيد عون نفسه أن لا قانون يستبعد أي طائفة، يعني أنه يفترض بالأخير أن يلاقي سائر الأطراف بحثاً عن الصيغة المقبولة، ولا يعني أن يمشي هؤلاء بما يطرحه رئيس الاشتراكي وأن يفرض رأيه عليهم باعتماد النظام الأكثري وقانون الستين، فهناك فارق بين الأمرين. والرئيس لا يريد كسر جنبلاط، لكن السواد الأعظم من الفرقاء يرفضون النظام الأكثري.

وفي وقت قالت مصادر اللجنة الرباعية إنها ستستأنف اجتماعاتها فور عودة الوزير باسيل من أفريقيا، أو الحاجة إلى استكشاف اقتراحات جديدة، وإن الاتصالات بين أعضائها لم تتوقف، خصوصاً بين الخبراء من أعضائها، لفتت المصادر المتابعة لموقفي عون ورئيس الحكومة سعد الحريري إلى أن لا خلاف بينهما، وأنهما على خط واحد والعلاقة ممتازة، ويعبران عن رغبة كل منهما بالتوصل إلى تسوية. ويشير المحيطون بالأول إلى أنه حرص على هذا الموقف للرد على تأويلات بأن تفضيله الفراغ على السير بقانون الستين أو التمديد للبرلمان، جاء من دون التنسيق مع الحريري الذي يرفض الوصول إلى حال الفراغ النيابي بعد امتناع عون عن القبول بطلب وزير الداخلية نهاد المشنوق السير بالإجراءات القانونية والتزام المهل وفق قانون الستين وتلويحه برفض التوقيع على دعوة الهيئات الناخبة إذا لم يكن على أساس قانون جديد. ويضيف المحيطون بعون أن طرحه الاستفتاء جاء رداً على الحجة القائلة إنه لا يمكنه أن يختزل موقف الناس ويحدد عنهم ماهية القانون المطلوب، في وقت طرح النظام النسبي غير مفهوم منهم، فهو أراد أن يلجأ للشعب عبر هذا الاستفتاء لمعرفة رأيه. ويدعو هؤلاء إلى أخذ موقف رئيس الجمهورية ببعده السياسي أكثر من بعده الدستوري، وأن هدفه معرفة موقف الأكثرية الشعبية من دون أن يعني ذلك إلزام أي كان بالنتائج بل دفع الأطراف إلى الاتفاق على قانون جديد.

 استبعاد الفراغ النيابي

وفي المقابل، يرى المحيطون بالحريري أن تركيزه على التوافق مع رئيس الجمهورية هو ردٌ على التأويلات في شأن عدم انسجامهما. وهم يعودون بالذاكرة إلى المرحلة الماضية حين ساد تشكيك بإمكان اتفاقهما على الرئاسة، ثم حين جرى التشكيك في موضوع تسمية الحريري لرئاسة الحكومة ثم في عملية تشكيل الحكومة وبأنها لن ترى النور قبل الانتخابات النيابية، فتبين أن هذه التأويلات أخطأت، وأن التوافق بين الرجلين كان أقوى من العقبات التي كانت تظهر، وبالتالي إرادة التسوية كانت فوقها، وما هو متفق عليه بينهما يلتزم به رئيس الجمهورية.

وفي اعتقاد بعض المتابعين لموقف رئيس الحكومة أن بوادر التأزم الحاصل حالياً تعود إلى اتباع معظم الفرقاء قاعدة رفع السقوف مع الإقبال على التفاوض، بدليل دفن الصيغ التي تأتي في هذا السياق.

ويوحي هؤلاء بأن السجال السياسي العالي الذي نشهده يعود إلى مداهمة الوقت الجميع، وقول رئيس “القوات” سمير جعجع مطلع الأسبوع إن الأيام المقبلة ستظهر إلى النور قانوناً جديداً، وإن فريق رئيس الجمهورية توقع اتفاقاً وشيكاً، لكنهم يستبعدون أن تبلغ سياسة حافة الهاوية الفراغ في السلطة التشريعية.

الخلاف أبعد من الانتخابات

وما زال “المستقبل” يأمل بتسوية على قاعدة 3 مبادئ: قانون الستين مستبعد، لا موافقة على قانون يرفضه جنبلاط الذي من غير المقبول استهدافه، وأي صيغة يفترض أن يكون احتمالا الربح والخسارة فيها متساويين. والربح من خلالها يتوقف على شطارة وثقل كل فريق الانتخابي وتحالفاته، مع الأخذ في الاعتبار إمكان حصول خسارة طفيفة لكتلة الحريري.

وفي موازاة ضخ موجة من الآمال بإمكان حصول اختراق، تتوقع مصادر معنية بصيغ القانون أن يستمر السجال محتدماً خلال الأسبوعين المقبلين، وأن يزداد سخونة مع اقتراب استحقاق دعوة المشنوق الناخبين للاقتراع في 21 حزيران المقبل والذي يحتمه القانون بعد زهاء أسبوعين، واقتراحه المفترض لتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، معتبرة أن الخلاف أبعد من الانتخابات النيابية ويتعلق بموازين القوى في البلد ومستقبل القرار في السلطة. وإزاء احتمال الوصول إلى صيغة انتخابية تحدد صيغة الحكم المقبلة مسبقاً قد يحمل المشهد السياسي اللبناني انقلابات مفاجئة في التحالفات، إن على صعيد الساحة المسيحية في وجه الثنائي المسيحي، أو على صعيد العلاقة بين “المستقبل” و “الاشتراكي”، أو على مستوى تعاون “حزب الله” وبالتالي الثنائي الشيعي، مع “التيار الوطني الحر” في ظل تحالفه مع “القوات”، مقابل التعاون بين “المستقبل” وبين هذا التحالف. أما الوصول إلى الفراغ النيابي فإنه قد يعرض التحالفات كلها أيضاً للاهتزاز، لا سيما بين حزب الله والتيار الحر، فضلاً عن التأزم بين الرئيسين عون ونبيه بري. وكل ذلك يضع الجميع في مأزق.