IMLebanon

دعوة عون لعدم السحق: هل تُلزِم أهلَ الدار… قبل الجار؟

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنّه سيحارب من أجل قانون انتخابي يمثّل الجميع. ورفض سحقَ الأكثريات للأقلّيات، ومحاولات البعض السطوَ على مقاعد نيابية من جيوب الآخرين. الأكيد أنّ الرئيس لا يطلق كلاماً لمجرّد الكلام، ولا شعارات ظرفية، أو استهلاكية، أو استعراضية أو احتوائية، بل إنّ كلامه محسوب، مدروس، جدّي. أكثر من ذلك، هو كلام مسؤول قاله على الملأ عن سابق تصوّر وتصميم.

مِن هنا، هو كلام ملزِم، أوّلاً للرئيس، الذي يُلزمه هذا الكلام، بأن يشكّل من موقعه، بما له من قوّة معنوية، وصلاحيات، وهيبة، صمّام أمان للأقليات، وكاسحة للألغام والعبوات الناسفة للمعادلة الداخلية وميزان التمثيل، ورادعاً لكلّ النوايا التي تُشتَمُّ منها رائحة سحقٍ أو إلغاء، خصوصاً مِن قبَل المصابين بـ«الفجَع النيابي».

ومثلما الكلام الرئاسي ملزِم للرئيس نفسِه، هو ملزِم أولاً أيضاً، لـ»التيار الوطني الحر» قبل أيّ طرف آخر. ذلك أنّ عون، حدّد للتيار قاعدة عليه أن يقف عليها، وينطلق منها، ويعمل على أساسها نحو ترجمة الموقف الرئاسي جملةً وتفصيلاً، سواء في مرحلة الإعداد للقانون الانتخابي الجديد، أو في العملية الانتخابية، ترشيحاً واقتراعاً وتحالفات.

إذاً الكرة في ملعب التيار، والاختبار الأوّل لهذه الترجمة ليس بعيداً، واجتماعات اللجنة الرباعية، ستُبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والأنظار مشدودة إلى أداء «التيار الحر» في اللجنة، فهل سيترجم الكلام الرئاسي بنمط جديد، وبصيَغ جديدة من وحي كلام عون، وينسف التوجّه الذي كان سائداً في الاجتماع ما قبل الأخير للّجنة، والذي طرح تقسيمات لدوائر تحصر التمثيل المسيحي الفاعل لـ«الثنائية» المتمثّلة بالتيار و«القوات»، وتَمنحها ما يزيد عن ثلث مقاعد المجلس النيابي، وتُرحّل سائر المسيحيين ممّن هم خارج هذه الثنائية، إلى خارج التمثيل؟

المقاربة السياسية للدعوة الرئاسية إلى الاستفتاء، لم تدخل إلى هذه الدعوة من باب الصلاحيات، وما يملكه أو لا يملكه رئيس الجمهورية من قوة دستورية في هذا الاتّجاه.

أو ما إذا كانت هذه الدعوة ممكنة، أو غير ذلك، أو مجدية أو غير ذلك، أو من ناحية الاستجابة لها أو عدمها، أو من سيلتزم بها من سائر الطوائف، أو من سيرفضها ولا يرى لها أيّ معنى أو مسوّغ قانوني أو دستوري، أو لا يرى فيها قوّة إلزام، بل أدرجتها في الخانة ذاتها التي قاربَت فيها إعلانَ رئيس الجمهورية بأنّه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وفق القانون الحالي النافذ، أي إنّها اعتبرت الدعوة إلى الاستفتاء ما هي إلّا نوع من التعجيل والحثّ على وضعِ قانون انتخابي جديد.

أمّا في الشقّ المتعلق بالقانون العادل ورفض السحق، فصدى الكلام الرئاسي إيجابي بشكل عام، حتى إنّ بعض السياسيين تبنّوا ما صَدر عن رئيس الجمهورية في هذا الشأن جملةً وتفصيلاً، وعبّروا عن حماستهم واستعدادهم للتطوّع والمشاركة الى جانب الرئيس في حربِه من أجل القانون العادل، وإحباط أيّ محاولات للسحق أو الإلغاء أو الإقصاء أو التحجيم. وبالتالي التفرّد والتحكّم والاستئثار.

على أنّ الكلام الرئاسي برفضِ السحق، يفترض أن يكون ظاهرُه وباطنه عاملَ اطمئنان للأقلّيات والجهات المستهدفة، فيُخرجها من منطقة القلق التي تمّ إدخالها فيها منذ ولادة ثنائية التيار و»القوات»، ويُشعرها بأن لا خوف على مصيرها وأنّها في حِمى الرئيس الذي قال إنّه سيحارب من أجل قانون عادل يمثّل الجميع.

ولكنْ ما الذي يجري على الأرض؟

الكلام الرئاسي على أهمّيته، تُقابله محاولة مستمرّة لفرض أمرٍ واقع على الأرض، يناقض تماماً ما يرغب الرئيس في تحقيقه، أي منع ما سمّاها محاولات السحق.

فمنذ إعلان التفاهم بين التيار و»القوات»، تقصّدَ الطرفان الترويج جهاراً نهاراً لـ»ثنائية» تضمّهما حصراً، وستأكل الأخضر واليابس في الشارع المسيحي سياسياً، وانتخابياً، وتمثيلياً، معزّزةً بقوّة دفعٍ خلفية من قبَل رئيس الجمهورية.

تمَّ تقديم هذه «الثنائية» بأنّها ليست مربوطة فقط بـ«إعلان النوايا»، بل بتفاهمات ضمنية بين الطرفين لتقاسمِ الجبنة المسيحية بينهما ولا مكان لغيرهما في موقع التمثيل والقرار، حتى إنّهما يرفضان استقباله، حتى مَن يتقدم من القوى السطحية، أو «ناقلي البواريد من كتِف إلى كتف»، أو الذين اعتبروا هذه الثنائية «بُعبعاً مخيفاً»، بطلبات استرحام، أو استلحاق، أو استعطاف، أو المغفرة السياسية، أو حتى خضوع، لكي ينجو بنفسه من الدهس أمام محدلة الثنائية!

وتمَّ تذخير هذه الثنائية، على ما يقال صراحةً في أوساط الطرفين، بشعارات جماهيرية استقطابية، تدغدغ الشعور المسيحي، بشعارات لا يمكن ان يكون إلّا معها، تتحدّث عن المظلومية التاريخية، ورفعِ الغبن، واستعادة المسلوب من الحقوق. والحديث أكثر من صريح وجدّي في أوساط الطرفين عن اجتياح في كلّ البقعة الجغرافية المسيحية.

وهنا يأخذ الزهو والنشوة البعضَ من الجانبين، فيجاهر علناً «سنجتاح الأشرفية والمتن، وكسروان وجبيل وعاليه وزحلة وجزّين والبترون والكورة وزغرتا وبيروت الثانية، إضافةً إلى بعبدا، وسنشارك الآخرين في الشوف والبقاع الغربي وصولاً إلى عكّار.

وبطبيعة الحال المقعد الماروني في الهرمل سيكون لنا، المقعد الماروني في طرابلس محاصَر وصعب، كذلك المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون والمقعد الكاثوليكي في الزهراني، وسنحاول استردادها، ربّما بالتبادل والمقايضة».

أمام هذا الاجتياح الواسع النطاق، يحضر سؤال: طالما إنّ هذا الاجتياح سيَستهدف بشكل خاص كلّ الدوائر المسيحية من دون استثناء، فكيف ستستردّ الحقوق المسلوبة للمسيحيين؟ ومن أين؟ وممّن؟ هل من المسيحيين ممّن هم خارج ثنائية «القوات» والتيار؟ وهل يسلب هؤلاء حقوق المسيحيين أي حقوقهم؟

الملاحَظ في النقاشات الجارية في اللجنة الرباعية وخارجها، أنّ الأطراف جميعاً، ومن بينهم الثنائية القواتية العونية، تبحث في مراعاة بعض الخصوصيات لغير المسيحيين، وتحديداً لوليد جنبلاط، وتحاول في كلّ الصيَغ والأفكار والتقسيمات التي تُطرح، استنباطَ كيفية مراعاة هواجس الزعيم الدرزي. وتحت عنوان أنّ أحداً لا يريد أن يلغيَ أحداً أو يحجّم أحداً، أو يسعى إلى ابتلاع أحد.

لكنّ هذا «الحرص العابر للطوائف»، محصورة صلاحيتُه على ما يبدو في اتّجاه مراعاة هواجس وخصوصيات مَن هم في الطرف الآخر، أي الطرف المسلم. إذ إنّ الثنائية القواتية العونية، لا تشمل أهل بيتها المسيحي، في مفارقة مثيرة للاستهجان والاستغراب، فمن جهة تراعي خصوصيات وهواجس مَن هم غير مسيحيين، ومن جهة ثانية لا تراعي خصوصيات وهواجس المسيحيين الآخرين… فكيف يستقيم حرصٌ في الجانب المسلم مع اللاحرص في الجانب المسيحي؟

وبمعنى أكثر وضوحاً، كيف تكون هذه الثنائية شريكة في رفعِ الغبن عن فئة محبوسة في مكان، وتكون في الوقت ذاته، شريكة، لا مُسَبِّبَة لهذا الغبن، وتسقطه كلّ فئة من أهل بيتها؟

هنا يقع الكلام الرئاسي قبل أيّ مكان آخر، فهذا التوجّه الذي يبدو أنّ الثنائية المسيحية سائرة فيه، هو الذي ينطبق عليه ما شكا منه عون بصفته الرسمية كرئيس للجمهورية، وبصفته الحزبية كرئيس «أصلي» لـ«التيار الوطني الحر». وحذّر من العمل في اتّجاه ما سمّاه «السحق».

فهل سيؤخَذ كلام الرئيس في الاعتبار، من أهل الدار قبل الجار؟ وماذا لو تجاوزَت الثنائية كلام الرئيس وتجاهلته، فهل سيَسكت عون حيال هذا التجاوز والتجاهل، وماذا سيفعل؟

هذه الصورة واضحة أمام الجميع، وخصوصاً امام المسيحيين. وثبات الصورة على ما هي عليه، يُبقي الثنائية القواتية العونية متّهَمة بمحاولة السحق، الى ان يثبت العكس، اي ان تنقلب الصورة في اتّجاه الانقياد خلف مبدأ العدالة والتمثيل للجميع، وهذا ما يفترض أن يظهر في الآتي من الايام.

لكنْ لنفرض أنّ هذه الثنائية ثبتَت على منحى الاجتياح وإلغاء كلّ ما عداها في الشارع المسيحي، فهل هي قادرة على ذلك؟

بالتأكيد لا أحد يستهين بما تملكه هذه الثنائية من قدرة وقوّة وحضور. لكن في المقابل، ألا تملك القوى المتضررة أو المستهدفة بالحدل أو الدعس أو الابتلاع أو الاجتياح أو التذويب والإلغاء والإقصاء، قدرةَ تحصين دفاعاتها، بما يمكّنها من مواجهة الخطر وردّ الأذى السياسي والتمثيلي عنها؟

والسؤال الأهم: ماذا لو فشلت «الثنائية» في تحقيق هدفها؟ وإن ربحَت فلصالح مَن؟ وهل ستضحك «الثنائية» بطرفَيها سروراً بهذا الربح، أم أنّ أحد الطرفين سيضحك وحده في النهاية بتحقيق اكثرية يريدها من الآن متفوّقةً على كتلة سعد الحريري؟

إن استعرَضنا خريطة الاجتياح المفترضة، يَظهر أنّ «بنك الأهداف» الذي حدّدته «الثنائية» سلفاً، يَشمل الأشرفية، المتن، عاليه، الكورة، زغرتا، البترون، زحلة، إضافةً إلى كسروان وجبيل وجزين وبشرّي.

وإذا ما دقّقنا في «بنك الأهداف» هذا، يتبيّن أنّ لكلّ دائرة خصوصيات واعتبارات سياسية وطائفية وزعاماتية وتاريخية تَحكمها، وبالتالي اجتياحها كما ترغب «الثنائية»، لن يكون بالأمر السهل، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذا الاجتياح إن تقرَّر الذهاب اليه، قد لا يكون مأمونَ النتائج.

ولكن حتى لو قدّر لهذا الاجتياح أن يحقّق نجاحات، فإنّ تقريش النتائج سلفاً، يُظهر من الآن التفوّق العوني على الشريك الآخر في الثنائية. ما يعني أن لا مناصفة في التمثيل في كلّ الدوائر، فهناك دوائر ثابتة ومحسومة بنتائجها الحالية ستبقى ثابتة على ما هي عليه كجزين وجبيل للتيار، وبشرّي لـ«القوات».

وفي دوائر أخرى قد يتشاركان معاً، كلٌّ بحسب حجمه، للفوز بمقاعد الدوائر التي لا يملكان تمثيلاً فيها، مِثل الأشرفية وعاليه والشوف والبقاع الغربي.

وفي دوائر معيّنة ، هما محكومان بتبادلية لا أكثر على قاعدة «أعطيكَ هنا تعطيني هناك»، فإن أعطى «التيار» «القوات» مقعداً في كسروان سيأخذ بدلاً منه في البترون. وإِن أعطاه في المتن قد تقول «القوات» إنّها تعطيه بدلاً منه في زحلة، على اعتبار أنّها حاضرة في كتلة نيابية من 3 نواب. ولكن هل تستطيع «القوات» أن تعطي في زحلة، علماً أنّ حصّتها النيابية الزحلية الحاليّة وفّرها لها تيار المستقبل في انتخابات 2009؟