IMLebanon

هل يُدفع لبنان نحو “جدار فاصل”؟

 

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

خطرٌ دخل أبوابَ اللبنانيين، قد يكون التنبُّه إليه تأخّرَ، أو أنه لم يُتّخَذ على محمل الجد، لكنّ الإجراءات لمواجهته بدأت، والقرار اتُّخِذ: لبنان لن يكون ساحة جريمة أو غرفةً لتحضيرها. فهل يكون بناء جدار فاصل الحلَّ الأخير أمام لبنان لتحصين حدوده؟بعدما أطلقت القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسوسيولوجية صفّارات الإنذار تجاه أزمة النزوح السوري، ها هي الصفّارات الأمنية تصدح منذِرةً بانفجار جديد في حال لم تُعالج التداعيات المترتّبة عليه، وهو ما يوضحه مصدر أمني لـ«الجمهورية».

عاش لبنان منذ نشوئه ارتدادات الأزمات الإقليمية، ويكاد اليوم ينفجر من انعكاسات الأزمة السورية، حيث وصَل عدد اللاجئين إلى نحو نصف عدد سكّانه.

وإلى جانب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، برَز أخيراً التحدّي الأمني. فعندما استضاف اللبنانيون اللاجئين السوريين، لم يَخطر لهم أنّ بعضاً منهم سيحوّلون البلدَ الذي ساندَهم في محنتهم ساحةً لتنفيذ الجرائم أو إعدادِها، وما الحادثة التي حصَلت مع المواطن مجيد الهاشم في العاقورة، حيث قتَله سوريّ بدافع السرقة، إلّا مثالٌ على ما آلت إليه أحوال لبنان.

وفي هذا الإطار، يُعتبر الملفّ الأمني الأخطرَ على الإطلاق، فالمساعدات التي تقدّمها الدول المانحة لا تحلّ مشكلةً، ولا الإجراءات المشدّدة تفيد دائماً، بل إنّ المهم ضبطُ الأوضاع والحدُّ من ظاهرة الفلتان التي أعطت كلَّ سوريّ «بطاقة» نازح يستخدمها لدخول لبنان والخروج منه بلا حسيب أو رقيب.

 

وفيما عرَف لبنان قبل العام 2005 موجة توافُد عمّال سوريين قارَب عددهم نحو المليون، فإنّ الوضع الأمني كان مضبوطاً وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية أو السورية تملك شِبه «داتا»، عكس ما يحصل اليوم مع النازحين.

وفيما يئنّ لبنان تحت وطأة الأزمة، انتشرَت صورٌ لسوريين يحتفلون بعيد «فالنتاين» في بلادهم «بألف خير وسلامة»، فإذا كانت الأحوال في بعض المناطق السورية آمنة، لماذا لا ينزح إليها مَن هم بخطر؟ ولِمَ يجب أن تزدحم مساحة الـ10452 كلم مربّع بما يفوق قدرتها؟

يعرفون المناطق اللبنانية

قد يكون الفارق الأكبر بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، هو أنّ غالبية الفئة الأخيرة تعرف المناطق اللبنانية وعملت فيها وتتنبّه لأدقّ تفاصيلها، والأخطر أنّ دخولها هذه المرّة كان في ظلّ ظروفٍ سياسية قاسية يشهدها البلد، ما صعّبَ التواصلَ مع الحكومة السورية، على الرغم من وجود اتصالات على الصعيد الأمني والاستخباراتي بمقدار محدود جداً، علماً أنّ هذا التعاون الأمني يُعتبر مهمّاً نظراً للحاجة إلى تحصيل معلومات عن بعض السوريين، وهو ما لا تستطيع الدولة اللبنانية معرفتَه بمفردها.

وما يدقّ ناقوسَ الخطر في هذه القضية، هو أنّ غالبية اللاجئين السوريين نزحوا من مناطق تنتشر فيها «داعش» و«النصرة» بكثرة، وقد سهّلت الأوضاع الصعبة التي يعيشونها في لبنان تغلغُلَ الجماعات المتطرّفة بينهم وتأمينَها بيئة حاضنة ترعاها وتُستّر على أعمالها، وتساعدها بطريقةٍ ما في تنفيذ أعمال إرهابية في الداخل اللبناني، أو من لبنان انطلاقاً إلى مناطق أخرى.

إزدياد عدد الجرائم

لم يقتصر تأثير الجماعات الإسلامية المتطرّفة في المخيّمات على اللاجئين فحسب، بل توسَّع ليطاولَ المحيط الذي تتمركز فيه، ففي دراسة خريطة انتشار المخيّمات السورية، تبيّن أنّها تتوزّع على مناطق حسّاسة واستراتيجية وفي تقاطع طرُق، وهو ما دفعَ الجيشَ في مراحل عدّة إلى الطلب من اللاجئين التراجعَ أو تفكيكَ بعض المخيّمات. وتحاول هذه الجماعات التأثيرَ على المحيط اللبناني الموجودة فيه من خلال نقلِها فكرَها الإسلامي، آملةً أن يصبح بيئةً حاضنة لها.

والجدير ذكرُه أنّ الحديث عن التداعيات الأمنية، لا يقصد الإرهاب فقط، ففي دراسات لازدياد معدّل الجرائم في لبنان، برز جليّاً أنّ القتل ارتفعَ وكذلك السرقة وتجارة المخدّرات وتصنيع «الكبتاغون» وبيعُه.

وعلى هذا الصعيد ينفّذ الجيش دورياً أعمالَ دهمٍ في المخيّمات، خصوصاً في الأطراف وعلى الحدود حيث يَكثر انتشار الأسلحة، ليخفّ كلّما اقتربَت المخيمات من الداخل اللبناني حيث تقتصر المحظورات على الممنوعات.

إحصاءات مخيفة

ينتشر النازحون في أكثر من 1400 موقع في لبنان، بعضها خارج عن سيطرة الدولة وقابل للانفجار في أيّ وقت. واللافت أنه أواخر عام 2016 وصَل عدد سجناء لبنان من الإناث والذكور إلى 6200 سجين وسجينة، بينهم 1500 من الجنسية السورية أي بنسبة نحو 22,5 في المئة، وقد ارتفعت إلى 27 في المئة أواخر كانون الثاني الفائت، إلّا أنّ غالبية السجينات محكومات أو موقوفات بتُهمٍ تتعلق بالمخدّرات وقضايا أخلاقية، وعدداً محدوداً جداً بقضايا أمنية.

أمّا الموقوفون بجرائم إرهابية، فبَلغ عددهم عام 2016 نحو 617 موقوفاً، غالبيتُهم من السوريين، وذلك في مديرية المخابرات فقط، بحسب مصدر مطّلع، وأحيلَ هؤلاء إلى القضاء. ومنذ العام 2013 وحتى 2016 أحيلَ 1900 شخص إلى القضاء بهذا النوع من التُهم.

شقق خارج المخيّمات

كان لافتاً في الفترات الأخيرة، انتشارُ اللاجئين في شققٍ خارج المخيّمات، والتي هربوا إليها نتيجة الدهم الدوري الذي ينفّذه الجيش، وهنا برَزت صعوبة لدى الأجهزة الأمنية، خصوصاً بعدما تبيّنَ أنّ غالبية العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة انطلقَت من هذه الأماكن، إذ إنّ أحد أكبر مفخّخي السيارات في لبنان هو عاملٌ سوري في محطة بنزين في القبيّات، كان يُفخّخ سيارات لتفجيرها في بيروت.

وإضافةً إلى ذلك أوقف 5 سوريّين في عين الرمّانة كانوا يعملون في أحد المطاعم وتحوم حولهم تهمة الإرهاب، كما أنّه اكتشف الأمر عينه داخل الضاحية، إذ إنّ اللاجئين بدأوا يخرجون من المخيّمات ويسكنون في شققٍ عادية نتيجة توافرِ الأموال لتنفيذ العمليات الإرهابية.

الفلسطينيون

قد تكون وضعية اللاجئين الفلسطينيين الذين توافَدوا من المخيمات الفلسطينية في سوريا، مِثل اليرموك، هي الأخطر، فجزء منهم متمركز داخل المخيّمات الفلسطينية في لبنان مِثل مخيم عين الحلوة، ومخيم آخر في بيروت، ويَكمن الخطر في وجود بعض مؤيّدي فكر «النصرة» و«داعش»، حيث قلبوا التوازن لمصلحة القوى الإسلامية، خصوصاً أنّهم وجدوا في المخيمات بيئة أكثر من حاضنة لهذا الفكر، واستقوَت هذه الجماعات وبدأت تجنيد الشبّان وإرسالهم لتنفيذ العمليات.

إحصاء دقيق

في الحسابات الأوروبية والغربية، تبيّنَ أنّ الشواطئ اللبنانية كانت مرشّحةً لاعتلاء المركز الأول في وجهة انطلاق اللاجئين نحو أوروبا، وأمام الخطر الذي بدأ يَطرق أبوابَ الغرب، نشَط التعاون الأوروبي – اللبناني لضبطِ هذا الملف أمنيّاً إلى جانب المساعدات، لكنّ الواضح اليوم أنّ تأمين الأموال خلال الفترة المقبلة قد يكون صعباً، لذلك وضَعت الجهات اللبنانية خطة وطلبَت من الأجهزة الأمنية تنفيذها، وهي إجراء إحصاء دقيق لعدد اللاجئين السوريين في لبنان، فعدد المسجلين لدى الأمم المتحدة يبلغ نحو مليون و700 ألف لاجئ، لكنّ الرقم في الواقع أكبر بكثير، وهو ما دفعَ الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى البدء بإحصاء دقيق لمعرفة العدد الصحيح.

أمّا الحكومة فقد وضَعت خطة تحت عنوان «بطاقة معلومات عن النازح السوري»، تقوم على عملية مسحٍ إلكتروني دقيقة وشاملة لكلّ نازح سوري، ما يتيح الحصولَ على المعلومات عن كلّ فردٍ، وهو ما يَعتبره المسؤولون أمراً ضرورياً جداً في الوقت الحاضر.

لاجئون شكلياً

لا تنطبق صفات اللجوء فعلياً على بعض اللاجئين في لبنان، كما أنّ عدداً منهم اخترقَته أجهزة مخابرات وجماعات إسلامية أو النظام السوري، وهو ما بَرز عند حصول الانتخابات الرئاسية السورية، حيث توجّه عدد من اللاجئين للاقتراع لمصلحة النظام في السفارة السورية، وحصلت يومها إشكالات أمنية في بعض المناطق.

ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا المسح سيواجه صعوبات عدة، ففي عدد من الأمكنة يهرب بعض اللاجئين لدى معرفتم به، إضافةً إلى وجود عددٍ منهم في شققٍ غير مصرَّحٍ بها، كذلك يعمل بعض الأولاد في ورَشٍ من دون تصريح عنهم، لكنّ الأكيد أنّ الأجهزة الأمنية لن تسمح باستفادة البعض من وضعٍ إنساني لتحويل لبنان «غرفة عمليات» وتنفيذ بعضِها على أراضيه وتعريض حياة المواطنين للخطر، بعدما ذاقت أشغالهم وحياتُهم الاجتماعية الأمرَّين من تداعيات هذه الأزمة، فالوضع الأمني هو النقطة التي أفاضت الكوب، والأجهزة الأمنية «لا تمزح» على هذا الصعيد.