IMLebanon

الحرب على الفساد ومافيات السلطة!(بقلم رولا حداد)

 

كتبت رولا حداد

لم يشكل مفاجأة حجم الاعتراض المعلن وغير المعلن على إعلاء “القوات اللبنانية” الصوت في ملف خصخصة إنتاج الكهرباء، بل ربما كانت لتصيبنا الصدمة لو لقينا تجاوباً ومسارعة إلى محاولة المعالجة السريعة، عبر تنفيذ القوانين القائمة والبدء بمنح تراخيص للقطاع الخاص للمباشرة بالإنتاج تأمينا للتيار الكهربائي 24 ساعة يومياً من جهة، ولخفض كلفة العجز في الموازنة العامة من جهة ثانية، ولتخفيف عبء الضرائب والرسوم الإضافية عن اللبنانيين من جهة ثالثة.

لم نتفاجأ لأن سياسات الطبقة السياسية إجمالا، ومنذ ما بعد اتفاق الطائف على الأقل، اعتمدت المبدأ الشهير الذي وصفه الرئيس الراحل الياس الهراوي بأنه مبدأ اعتبار الدولة اللبنانية أو الخزينة اللبنانية “بقرة حلوب”!

هذا المبدأ كرّسه نظام الاحتلال والوصاية السوري طوال 15 عاماً بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، وبمشاركة فاعلة وتقاسم بين أهل السلطة من دون أي حياء أو خجل، ومن دون أي اعتبار للدستور والقوانين، ومن دون أي خوف أو وجل من أي مساءلة. هكذا تم منع إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي نصّ عليه اتفاق الطائف، وبالتالي بات من سابع المستحيلات محاكمة أي “رئيس” أو “وزير” بأي تهمة أو شبهة حول الفساد. وفي حين نشهد في الدول المتحضرة، في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وحتى في إسرائيل، استجوابات لمسؤولين كبار وتحقيقات في ملفات فساد، ومن ضمنهم مساءلات لرؤساء سابقين للجمهورية كما يحصل في فرنسا، إضافة إلى تحقيقات دائمة مع وزراء، شهدنا في لبنان حالة يتيمة مع الوزير السابق شاهي برصوميان، نتيجة رفع الغطاء السياسي عنه في ملف مافيوي بامتياز اسمه “ملف النفط”، فدفع الثمن سجناً من دون أن يعرف اللبنانيون حتى اليوم حقيقة ما جرى وخلفياته، ولا كيف انتهت الأمور!

وفي موازاة عدم إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أصرّت الطبقة السياسية على مبدأ إخضاع القضاء، وذلك عبر الإصرار على منع استقلالية القضاء وإبقائه خاضعاً للسلطة السياسية من خلال التشكيلات والتعيينات القضائية، و”معاقبة” أي قاض يقف بوجه إرادة الطبقة السياسية الحاكمة، والأمثلة أكبر من أن تُحصى، رغم استمرار تصدّي عدد كبير من القضاة لمواجهة الواقع المؤلم.

وبالتالي عن أي حرب على الفساد يمكن أن نتحدث في لبنان؟ وكيف يمكن محاربة الفساد من دون القدرة على محاسبة أي مسؤول فاسد؟ أي حرب على الفساد من دون تطبيق قانون “من أين لك هذا؟” ومساءلة أكثرية أركان الطبقة السياسية عن ثرواتهم الهائلة ومضاعفتها أضعافاً مضاعفة خلال توليهم مسؤوليات رسمية؟ وكيف يمكن أن يتعظ الفاسدون في غياب مبدأ المحاسبة؟

في ظل كل ما تقدّم يبدو أي حديث عن “حرب على الفساد” أشبه بحرب “طواحين هواء” لناحية إمكانية الوصول إلى خواتيمها، رغم كل جدية “القوات اللبنانية” وعدد قليل من القوى السياسية، في ظل نظام حكم قائم على تبادل الخدمات والمصالح بين المافيات المتحكمة بمفاصل السلطة ورقاب البلاد والعباد.