IMLebanon

كيف تنظر الدول العربية إلى مواقف عون؟

 

كتب شادي علاء الدين في صحيفة “العرب” اللندنية:

يعلم الرئيس اللبناني ميشال عون أن كلامه الإيجابي حول سلاح حزب الله لم يكن رأيا عابرا، بل كان موقفا واضح المعالم ولا يحتمل التأويل.

يعلم كذلك أن رئيس الجمهورية ليس محللا سياسيا ولا باحثا جامعيا ولكنه مصدر الشرعيات، وتاليا فإن مفردة الرأي لا تنطبق إطلاقا على وصف ما يصدر عنه.

يريد على الرغم من ذلك أن يتم التعامل مع ما صدر عنه من مواقف بوصفها رأيا، وأن يتم إدراجها تاليا في سياق يحتمل منحه، عربيا ودوليا، جرعة كبيرة من الأسباب التخفيفية، وصولا إلى اعتبارها وكأنها لم تصدر أصلا.

يحرص الرئيس عون على حصر التعامل مع مواقفه بوصفها رأيا في الموضوع الخاص بحزب الله وسلاحه وحسب، بينما لا يقبل بمثل هذا الانتقاص الواضح لدوره وصلاحياته في أي مجال آخر، ويصر على أن يكون المصدر الرسمي للشرعية في كل شيء في البلد.

تعامل المناخ العربي عموما، والمملكة العربية السعودية خصوصا، مع وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة، بوصفه ضابط إيقاع تكمن مهمته الأساسية في منع انزلاق لبنان إلى الانحياز التام إلى أي محور من المحاور المتصارعة، وضمان حياديته.

كان خطاب القسم واضحا في هذا الصدد. يرجح أن يردد الرئيس أصداء ما جاء فيه في القمة العربية التي يشارك فيها صحبة رئيس الحكومة في محاولة لتقديم مشهد تصالحي وتوافقي، لكن هذا المشهد لا يبدو قابلا للتسويق ما لم يُرفق بمواقف واضحة لا يبدو الرئيس قادرا على إنتاجها.

ويسعى عون إلى لعب دور فاعل في المصالحات العربية – العربية، حيث تشير بعض المعلومات إلى جهود يبذلها مقربون منه لإعادة الاعتراف بسوريا في الجامعة العربية، وإجراء مصالحة بين السعودية ومصر. تكمن المشكلة في كل هذا المناخ في خلوّه من السياسة، وأنه ينطوي على فكر يعتبر أن المشاكل الراديكالية العربية- العربية، ومشكلة السعودية مع إيران وسلاح حزب الله يمكن أن تعالج على طريقة فض الخلافات الشخصية والعائلية.

لبنان يواجه ارتفاع وتيرة التصعيد العربي ضده، والمتزامن مع سخط دولي ينذر بوضعه في حالة عزلة قاسية، بخطاب القسم التي نسفت وقائع السلوك الرئاسي كل بنية السياسة فيه وحولته إلى حالة شعرية

تنظر السعودية إلى مواقف عون بوصفها إعلانا عن تكامل وجودي بينه وبين الحزب والمشروع الإيراني المعادي لها في المنطقة. تعتبر أن المسألة لا تتوقف عند حدود تشريع السلاح، ولكنها تتعدى ذلك لتصل إلى مساعدة حزب الله في التحكم التام بلبنان، وتحويله إلى ساحة حرب ضدها.

لا يظهر في المشهد العام لمواقف عون ما يناقض ما تتخوف منه السعودية. شبكة الدعم الرئاسي لحزب الله تنطلق من تشريع السلاح، لتصل إلى تشريع قانون انتخابي مفصل على قياس الحزب، يسمح له بتنفيذ عملية انتقالية تتيح له التحول من مجرد قوة فائضة، إلى سلطة شرعية.

لم ينس حزب الله دعواته لمؤتمر تأسيسي، بما يعنيه ذلك من نسف لكل الضوابط التي يقوم عليها البلد كاتفاق الطائف والدستور، وإعادة تركيبها بشكل جديد لا يقيم وزنا للتوازنات، بل يخضعها لخطاب القوة، ولكن من مدخل جديد هو مدخل الشرعية النيابية.

المؤشرات العربية والخليجية تنذر بقطيعة مع لبنان. تنتشر أخبار عن نية الإمارات العربية المتحدة سحب سفيرها من لبنان، احتجاجا على مواقف الرئيس من سلاح الحزب، كما عبّرت السعودية ودول الخليج عن تحفظات على بند دعم لبنان في الاجتماعات التحضيرية للقمة، ويظهر أن هذا الاتجاه سيتبلور بشكل أكثر راديكالية في القمة.

سيُواجَه الرئيس عون، كما تشير التقديرات، بخطابات حادة من بعض الرؤساء العرب، وبمطالبة بمواقف واضحة حول المواضيع الخلافية، وخصوصا الموقف من إيران وسلاح الحزب، في حين تقتصر عدة المواجهة الرئاسية لهذا الجو العربي الساخط على تكـرار ما جاء في خطاب القسم.

يواجه لبنان ارتفاع وتيرة التصعيد العربي ضده، والمتزامن مع سخط دولي ينذر بوضعه في حالة عزلة قاسية، بخطاب القسم التي نسفت وقائع السلوك الرئاسي كل بنية السياسة فيه وحولته إلى حالة شعرية.

هل يتوقع الرئيس اللبناني أن ينجح في تصحيح مسار العلاقات السعودية اللبنانية بخطاب وردي لا يستند على أساس سياسي واضح المعالم؟

لا يبدو أن السياسة اللبنانية عموما، والسياسة الرئاسية خصوصا، تعي أن التحولات التي طرأت على العقل السياسي الخليجي عموما، والسعودي خصوصا، قضت تماما على منطق حل النزاعات بالكلام والصيغ الشعرية والعاطفية.

يواجه لبنان دولا تنطلق في تقييمها لعلاقاتها وتحالفاتها من خطاب مصالح، ولكن الرئيس عون مازال يعتقد أنه يستطيع أن يبيع السعودية ودول الخليج الشعر ويشتري الدعم والتأييد.